لقطات لا لدفن التاريخ في ميدان التحرير بقلم جودة عبد الخالق هأنذا أعاود كتابة “لقطات” بعد انقطاع بسبب المرض و الانشغال بتسجيل تجربتى كوزير بعنوان “من الميدان إلى الديوان”، لكى يلحق بمعرض القاهرة الدولى للكتاب. ينص دستور 2014 صراحة على أن من حق الشعب أن يعرف ما تنوى الحكومة عمله و أن يناقشه. و لكن الحكومة دأبت على انتهاك هذا الحق بصورة متكررة بحيث تحول الأمر إلى ظاهرة. وهى ممارسات تخالف أبسط مبادئ الحكم الرشيد. الناس تنام في أمان الله لتستيقظ على فرمانات حكومية تمس حياتها و تشكل عدوانا على حقوقها دون أن يعبأ أي مسئول بوضعهم في الصورة و توضيح الأمور لهم، و لا نقول أخذ رأيهم في أخص شئون حياتهم. كأنهم كم مهمل، أو كأنهم غير موجودين أصلا. يحدث ذلك في كورنيش الإسكندرية، و يحدث في ميدان التحرير، و يحدث في حى مصر الجديدة، … و البقية تأتى. في الإسكندرية أقاموا الأسوار الفاصلة و المباني الضخمة و الكبارى العملاقة و عزلوا الناس عن بحرهم. و في مصر الجديدة أزالوا الحدائق وأنشاوا الكبارى وحولوا الشوارع الى طرق سريعة تغتال حياة الناس. أما ما يجرى في ميدان التحرير فهو تنفيذ لمخطط مريب ، يستهدف تفريغ ذاكرتنا كأمة. إنه عملية دفن لتاريخ الميدان، و معه تاريخ كفاح الشعب المصرى في سبيل الاستقلال الوطنى و الخبز و الحرية و العدالة الاجتماعية. فطبقا للبوابة الالكترونية لصحيفة الوطن المصرية بتاريخ 13 أكتوبر 2013، فإن وزارات التنمية المحلية و الإسكان و الآثار وبتكليف من مجلس الوزراء قد وضعت مخططا لتطوير ميدان التحرير وتحويله إلى متنزه سياحى ضخم يشمل العديد من الحدائق المتطورة، على أن يتم الانتهاء من التطوير قبل نهاية عام 2014. ثم طوى النسيان موضوع التطوير لمدة 6 سنوات كاملة، إلى أن فوجئنا بتصريحات المسئولين حول نقل مسلة من صان الحجر و أربعة تماثيل ضخمة لكباش من الأقصر وو وسط الميدان لتكون قبلة للسائحين. وقد كتبت عن ميدان التحرير مرتين من قبل في هذا المكان: في 18 سبتمبر و 2 أكتوبر 2018. وقلت أن الدفاع عن ميدان التحرير هو دفاع عن تاريخ الشعب المصرى و كفاحه الذى انطلق دائما من هذا الميدان: ثورة عرابى 1881، وثورة 1919، ومظاهرات الطلبة فى الأربعينيات، وانتفاضة الخبز عام 1977، وثورة يناير 2011. وذكرت أن مجموعة من الفنانين التشكيليين من كبار أساتذة كليات الفنون الجميلة قاموا بتصميم نصب تذكارى يعبر عن ثورة 25 يناير المجيدة و يخلد شهداءها، و أعدوا بالفعل ماكيتا لهذا النصب. فلماذا لا نحيى هذا المشروع بدلا من المسخ الذى يتم الآن في الميدان؟ إن ما يحدث في ميدان التحرير الآن لا علاقة له بالتطوير، بل هو التدمير بعينه. فهو يدفن تاريخ أيقونة الثورات المصرية و درة الميادين العالمية تحت عجلات وجنازير الآليات التي تعمل فى المشروع. وهو يتم بتكلفة عالية جدا ترقى إلى مستوى إهدار المال العام، بينما تعانى مالية البلاد معاناة شديدة. أي أن مال الشعب يستخدم لمسخ تارخ الشعب- يعنى”من دقنه وافتل له” كما يقول المثل. وأطرح سؤالا منطقيا على المسئولين: لماذا هذا الاهتمام المفاجئ بما يسمى التطوير في هذا التوقيت بالذات عشية الذكرى السابعة لثورة يناير؟ وهل المقصود الترويج لمقولة أنها مؤامرة و ليست ثورة؟ أقول للمسئولين: اتقوا الله في هذا الشعب الصابر المكافح. افتحوا خزائن تاريخه و اقراوا ذلك التاريخ بعناية- بالذات تاريخ ثورة يناير. و ترجموا كل ذلك في نصب تذكارى يليق بالمكان و تاريخه. و ليكن لكم في تمثال “نهضة مصر ” أسوة حسنة. تهنئة: كل عام و مصر و المصريين بخير