مستشار المفتي: “وثيقة التسامح الإفتائى” لنبذ التعصب المذهبى على جمعة: التنظيمات حولت الاختلاف إلى شقاق وسوء أخلاق.. وعلم الأصول بحاجة للإصلاح فى الشكل والجوهر رئيس لجنة الإفتاء باتحاد علماء إفريقيا: تصفية الفقه من الآراء الشاذة والاجتهادات ضرورة وزير الأوقاف السودانى الأسبق: الخلاف ظاهرة صحية واستثماره ضرورة تحقيق – منى السيد: يواجه العالم فى الآونة الأخيرة، موجات عاتية من الإرهاب والكراهية، تحديات تتطلب جهودًا حسيسة ومتواصلة للتعامل معها ومواجهاتها، وقد كان اجتماع المؤسسات الإفتائية تحت مظلة واحدة عام 2015، إحدى الخطوات المهمة لوضع مسارات التعاطى مع هذه التحديات للدفع بمجال الإفتاء نحو القيام بدوره فى الأمان، الاستقرار، التنمية، والحضارة فى كافة البلدان، ولا تزال الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، تقوم بدورها فى قاطرة الإفتاء، حيث بدأت بإقامة المؤتمرات والندوات وغزو الفضاء الإلكتروني، إلى أن وصلت لنسختها الخامسة، والتى جاءت بعنوان “الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي” وهذا العنوان يعبر عن قضية فكرية ينبغى تناولها ومعالجتها، واستثمار نتاج ذلك لدعم منظومة المشاركة الفقهية الإفتائية الايجابية فى الحضارة المعاصرة. توصيات لنبذ التشدد قال الدكتور إبراهيم نجم مستشار المفتي، إن قضية الخلاف الفقهى التى ناقشها المؤتمر فى نسخته الخامسة بداية الحل للمشكلات التى نواجهها فى الوقت الراهن، وذلك عبر تحديد الأصول الحضارية والاتجاهات المعاصرة للتعامل مع مسائل الخلاف وقضاياه. وأضاف، قدم المؤتمر طائفة من المشروعات الرائدة، وعدد من المبادرات المهمة منها: “وثيقة التسامح الإفتائي”، وهى مبادرة تهدف لنبذ التعصب المذهبى الذى يهدد التماسك المجتمعي، وتساهم فى جعل التجربة المذهبية معينًا للإفادة الإنسانية، إلى جانب “دليل إدارة المؤسسات الإفتائية”، وهو يهدف لترسيخ فكرة المؤسسية فى مجال الإفتاء بإتباع الأنظمة الإدارية الحديثة، وقد صدر منه كتاب “إدارة الجودة فى المؤسسة الإفتائية، وكتاب “الموارد البشرية فى المؤسسات الإفتائية”، بالإضافة للأسس العلمية والعملية للإفتاء، وهو مرجع معنى بضبط مهارات الإفتاء وفق منظومة إجرائية تناسب هذا العصر. فى الوقت نفسه، قال الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتى الجمهورية السابق، إن الاهتمام بوضع نظرية كلية لإدارة الخلاف الفقهي، يعد نمطًا جديدًا من أنماط التجديد الذى نسعى له، لافتًا إلى أن على الرغم من توجه الفقه المعاصر توجهًا حسنًا نحو صياغة نظريات فقهية حديثة، إلا أن قضايا الخلاف الفقهى لم تحظ حتى الآن بنظرية كلية عامة. وأضاف أن الجماعة المتشددة بين الظنى والقطعى والثابت والمتغير، اضطربت نظرتهم للفقه، وكفروا المخالف فى قضايا الفروع، سواء كانت فروعا فى العقيدة أو فروعا فى الفقه، مؤكدًا أن الأمة الإسلامية الآن تتطهر من هذا الجمود والتشدد، وتتشبث بالمنهج الوسطى وسماحة الاعتدال، وتريد أيضًا أن تعود بالدين غضا طريا كما كان فى العهود السابقة، وما تتابع عليه علماء الأمة جيلا بعد جيل. وتابع، أن التجديد فى قضية الخلاف الفقهي، يعنى تحديث لما هو قائم بالفعل، وبعثه وإحياءه وإعادته إلى الفاعلية فى واقع حياة الناس، مشيرًا إلى أن تجديد أصول الفقه يعنى إعادة تلك الأصول إلى الحالة المنهجية التى يستجيب بمقتضاها المجتهد لمقتضيات العصر ومتطلباته من حيث سلامة موازينه ومرونة رؤيته مع احتفاظه بأصالته، ورَسُولَ الله قال “جَدِّدُوا إِيْمَانَكُمْ”، خاصة أن تجديد الفتوى مرتبط بتجديد أصول الفقه ومن ثم تجديد الفقه، موضحًا أن الفتوى إذا صدرت بناء على مراعاة للأصول وموافقة للظروف والوقائع التى قيلت بها فإنها سليمة وتبقى على ما هى عليه كجزء من فقه الواقع، ولكنها تستبدل وتتغير بفتوى جديدة حينما تؤسس على واقع مختلف وأحوال جديدة، مضيًفا أن الاجتهاد هو إعمال العقل والتجديد فى الفكر والمنهج، بالإضافة للمرونة والانتقال من أصل إلى آخر، ومراعاة المآلات وتحقيق المقاصد، والتجديد أيضًا يكون بالارتباط بالأصول وتطبيق الأحكام على الوجه الذى يحقق مصالح العباد والأوطان. واستكمل، أن الاجتهاد يعنى بذل الفقيه جهده فى استنباط الحكم المناسب والملائم للوقائع المتجددة من الأدلة الشرعية والنصوص، وهذا أمر مستمر يمثل واجب الوقت بالنسبة إلى فقهاء كل عصر، أما أن يفكر علماء العصر أن يعيشوا عالة على مجهودات واجتهادات من سبقهم يلوكونها ويرددونها، ويفرضونها على وقائع متغيرة متجددة وظروف وأحوال وأشخاص مختلفين فهذا لون من الكسل، ونمط من التفريط والتخاذل عن نصرة الشريعة وإحيائها. وأشار إلى أن هناك من العلماء من يقف أمام دعوة التجديد ويرفضها لمجموعة من الدعاوي، منها أن علم الأصول قد كمل واكتمل ولم يعد فيه أى مجال للتجديد، ونحن نرد على هذه الدعوى ونؤكد حاجة علم الأصول للتجديد والإصلاح فى الشكل والجوهر وقابليته أيضا لذلك التجديد، ولكنا نحتاج إلى تحديد آلية ذلك التجديد ووضع ضوابطه. وشدد على ضرورة الحاجة إلى صياغة هذه النظرية؛ نظرًا لكثرة التلاعب والتخبط من ممارسات الجماعات المتشددة المعاصرة فى قضايا الخلاف، كونهم لم يتربوا فى بيئة علمية ووسطية كالأزهر الشريف، وحولوا الخلاف الذى هو فى حقيقته مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية بالأمة المحمدية، وسبب من أسباب السعة والمرونة، إلى أسباب الشقاق وسوء الأخلاق. سلوك ومبادئ وفى السياق ذاته، أكد محمد أحمد لوح رئيس لجنة الإفتاء باتحاد علماء إفريقيا، وعميد الكلية الإفريقية للدراسات الإسلامية فى السنغال، أن الخلاف الموجود بين المذاهب الفقهية ناشئ عن أسباب كثيرة، دونها العلماء فى مصنفات مستقلة، مضيفًا أن الخلاف الفقهى حاجة إلى تعامل خاص عن طريق الطرق والأنماط التى تضمن للبيئة الفقهية حسن الوئام، وتعنى عددًا من القيم والمبادئ التى يؤدى الالتزام بها إلى إنهاء جزء كبير من الخلاف، ومن ثم إلى التعايش مع الباقى فى جو من السلاسة والمرونة. وأشار إلى أن الخلاف الفقهى أصبح فنا يدرس، له أهدافه، وضوابطه، كونه عبارة عن “سلوك عدد من القيم والمبادئ المؤدية إلى التفاهم والتعايش بين المختلفين فى القضايا الفقهية”. وشدد على من يتصدى لمعالجة قضايا الفقه الإسلامى أن يكون ملمًا بهذا الفن، ونظرياته وتطبيقاته، موضحًا أن لإدارة الخلاف جملة من الأهداف العامة منها: “إشاعة احترام النص الشرعي، وتقديمه على الآراء والاجتهادات والنظريات المحضة، تقليل الخلاف والحد من حدته، تقريب وجهات النظر بين المختلفين، إشاعة قيمة الإنصاف وترك التعصب، تصفية الفقه من الآراء الشاذة والاجتهادات التى عفا عليها الزمن، تفعيل مساحات التوافق وتهيئة الجو للتعايش السلمى بين المختلفين. وأضاف، أن ضوابط إدارة الخلاف الفقهي، تحتمل الخطأ والصواب فى كل رأى من الآراء الاجتهادية المختلفة، وإن ما يُثير الخلاف بين الفقهاء ليس الصواب الصريح أو الخطأ المحض، وإنما الخطأ الملتبِس بالصواب، والصواب المختلِط بالخطأ؛ قائلًا: “لذا فإننا إذا تعملنا مع خلافاتنا الفقهية بعقلية “إما هذا وإما ذاك”، فالغالب أننا لن نصل لحلول جذرية فحسب، لكن إذا فكرنا أن غالب ما نملكه فى دائرة الاختيار الفقهى لا يعدو أن يكون نتيجة رؤى واجتهادات ظنية، قابلة للكثير من النقاش وتحديد موضع الخلاف وسببه”. وتابع عند مناقشة أى خلاف فإن البداية تكون بتحديد نقاط الخلاف التى أدت إلى حدوث سوء التفاهم بين المختلفين؛ خاصة أن التجربة أثبتت أن كثيرًا من النِّزاعات، التى تدور بين الباحثين غالبًا ما تكون عبارة عن تحسسات نفسية، خاصة أن بعض الفقهاء أبدعوا فى بيان أسباب الخلاف فى المسائل، كما صنع ابن رشد الحفيد فى كتابه المفيد ” بداية المجتهد ونهاية المقتصد” وابن تيمية الحفيد فى كتابه: “رفع الملام عن الأئمة الأعلام”. وشدد رئيس لجنة الإفتاء باتحاد علماء إفريقيا، على ضرورة وضع ضوابط إدارة الخلاف الفقهى كاحتمالية الخطأ والصواب فى كل رأى من الآراء الاجتهادية المختلفة، وكذلك التهيئة النفسية، إلى جانب إيجاد أرضية مناسبة للحوارات الفقهية، ومنها تحديد موضع الخلاف وسببه، وكذلك فتح باب الاستفسار والاستفصال قبل اتخاذ المواقف تجاه المخالف ويقتضى ذلك طرح العديد من الأسئلة التوضيحية البعيدة عن روح المواجهة، والاستماع لإجاباتها. تحديد المشكلات وعن استثمار الخلاف الفقهى فى مواجهة الأفكار المتطرفة، أوضح محمد الياقوتى وزير الأوقاف الأسبق فى السودان، أن الاستثمار يتطلب أمورا عدة أولها أن يكون الفقه الإسلامى قابلا للتجديد والمناقشة كونه ثروة هائلة، إذا وضعها الإنسان أمامه يستطيع أن يتخذ مسألة واحدة من الفقه الإسلامى لتحديد مشكلات المجتمع ورفع الأذى عن الناس فيجعلها بذلك قانونًا، خاصة أن هذا الخلاف له مستند شرعي، وان الله أراده أن يكون بذلك حجة يجمع المخالفون لمزيد من الاجتهادات والعيش فى هدوء، إلى جانب قضية الدعوة التى تحتاج إلى خطابات متعددة، خاصة أن هذه الخطابات توسع مساحة الدعوة وتنشر الوعى وقبول الآخر، كونها ظاهرة صحية.