تسعى التنظيمات الإرهابية إلى استقطاب الشباب لزيادة عدد المقاتلين فى صفوفها، عبر العديد من الوسائل المختلفة من دور العبادة إلى وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. وبحسب دراسة أمريكية، فإن عدد حسابات داعش فى مواقع التواصل الاجتماعي بلغ نحو 46 ألفا، وعدد التغريدات من التنظيم تصل إلى 200 ألف أسبوعيا، وتزيل إدارة موقع تويتر أسبوعيا 2000 حساب يشتبه أن له صلة بالتنظيم الإرهابى. تسهم بعض المواقع الإخبارية التي تستخدم للرد على أسئلة خاصة بالتجنيد، فى عملية الاستقطاب، لبث الأفكار المتطرفة إليهم بعدة لغات عن طريق رسم صورة مثالية للتنظيم، وتصميم ألعاب فيديو لمحاولة غرس مفاهيم الجهاد والحرب فى عقول الشباب والأطفال. تجنيد المرأة وتكشف تقارير دار الإفتاء، عن أن تنظيم "داعش" عمل على استخدام استراتيجية جديدة تسمي "القاعدة" فى استغلال المرأة لنشر "أيديولوجيته الفكرية" المتطرفة بين العناصر النسائية الأخرى، إضافة إلى استخدامهن فى الترويج الدعائي لأفكاره الخاصة بفكرة "الخلافة". فمنذ أواخر عام 2017 أعلن تنظيم "داعش" فى إحدى إصداراته أن "الجهاد ضد الأعداء" واجب على المرأة، كما قام أيضًا بإنتاج صور دعائية لنساء يقاتلن فى معاركه، وكان لهذه الإصدارات أثر فى الدور الذي باتت تلعبه النساء داخل التنظيم؛ إذ وصلت نسبة الفتاوى التي تروج للعنصر النسائي فى التنظيم منذ عام 2018 إلى ما يقرب من 60%، توجب مشاركة المرأة فى نصرة دولة "الخلافة". وأرجعت التقارير عودة التنظيم للاعتماد على المرأة فى التجنيد إلى قدرتها على الحركة دون قيود أمنية تعوق قيامها بعمليات إرهابية، خاصة أن اعتماد التنظيمات الإرهابية على النساء فى العمليات الإرهابية لم يكن معروفًا منذ زمن بعيد، هذا بالإضافة إلى أنها قادرة على نشر الأيديولوجيا المتطرفة بشكل أكبر، كما أن اعتماد التنظيم على المرأة يعني إعادة مفهوم "الإرهاب العائلي"، وبالتالي توسع التنظيم فى تجنيد مزيد من الأشخاص. العلاقات الشخصية ومن جانبه، أكد نبيل نعيم، القيادي السابق فى تنظيم الجهاد، أن عملية الاستقطاب تبدأ بالعلاقات الشخصية، مثل أحد الأقارب والجيران والأصدقاء وخلافه، خاصة أن التنظيم لم يسمح لأحد أن ينضم لصفوفه إلا إذا كانت لديه ثقة كبيرة به، وهذه الثقه لا تأتي الا بالمعاشرة والمصاحبة وغير ذلك. وأضاف، أن الطبقة الأكثر عرضة للتجنيد هم من يعانون من أزمات اقتصادية بسبب "الاحباط" الذي يعتبر كنز التنظيمات لاستقطاب عناصر جدد، خاصة بعد تخرج عدد كبير من طلبة الجامعات الذين لم يجدوا فرص عمل مناسبة لهم، مؤكدًا أن من الفئات الأكثر خطرًا على الدولة المثقفين الذين لم يجدوا فرص عمل لهم، فيلقوا أنفسهم أمام مصير مظلم فيضطروا للانتقام من الدولة بالطرق المختلفة، ظنًا منهم أن المستفدين من خيرات الدولة فئة بعينها، وأوضح أن انسداد الأفق فى الأمل فى العمل السياسي والاقتصادي وغيره كان سببا فى زيادة أعداد المقاتلين، الأمر الذي يجعل الأزمة تستمر لسنوات طويلة. وأشار إلى أن فى عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان الفقر يسيطر على المشهد بجانب الاحتلال، ورغم تلك الأزمات لم نر حالة الاحباط التي نشاهدها فى الوقت الراهن لدي الشباب، وشدد على ضرورة وجود مواجهة فكرية تشمل خطابا لتفكيك فكر الإرهابيين، خاصة أن التنظيمات الإرهابية لم ولن تعترف بالمؤسسات الدينية، ولم تأخذ برأيها فى أي موقف. كتب فقهية وتراثية بينما قال سامح عيد، الباحث فى الشئون الإسلامية، إن التنظيمات الارهابية تستغل ما تفعله إسرائيل بشأن بعض الدول، لتبث فكرة أن "الإسلام هو الحل"، بالجهاد وقتال الكفار والمشركين، ويتابعون أيضا التفرد الأمريكي وتحيزه لإسرائيل، وحربه ضد العراق والكويت وباكستان، الأمر الذي يُقابل بالجهاد، خاصة أن هناك منظومة تستند لكتب فقهية وتراثية، وتفسيرات قرآنية، ومواقف من السيرة من منطلق محاربة الكفر الذي يعادي الإسلام، وهذه الأقاويل تلقي رواجًا كبيرًا فى تلك المجتمعات. وأوضح أن الوضع فى سورياوالعراق يساعد على الانتشار لتلك التنظيمات، استغلالًا لظروفهم النفسية والسياسية، ويتم تأهيلهم فى البداية على أيدي محترفين فى القضايا الفقهية، ثم يتم تحويلهم بعد ذلك لشكل أيديولوجي، إلى جانب المسلمين الوافدين من الشيشان عن طريق التأويلات والتفسيرات. وأكد الباحث فى الشئون الإسلامية، أن الشباب الأكثر عرضة للانضمام لتلك الجماعات هم من الطبقات المتوسطة والفقيرة، والمجتمع الذي يستخدم الفن والموسيقى والأدب والثقافة، أقل عرضة للاستقطاب، موضحا أن الايديولوجية الدينية اقتحمت كل الطبقات، خاصة أن هناك كتبا فقهية كثيرة ل فتحي يكن، سعيد راشد، القرضاوي، والغزالي تستخدم فى عمليات التجنيد والاستقطاب، إلى جانب الكتب التراثية القديمة ك"جهاد الطلب وحرب الردة"، وتأسيس فكري ونفسي ووجداني لهذه المجموعات. وأشار إلى أن التقارير الأمريكية أكدت أن 22% من الشعب السعودي يدعم داعش معنويًا، إلى جانب 10% من المجتمع العربي يؤيد الفكر الداعشي. وشدد عيد، على ضرورة وجود مواجهة فكرية تشمل المناهج التعليمية سواء الأزهرية أو العامة، إلى جانب إصلاح الخطاب الثقافي، مثل تطوير الفن بإنشاء أعمال وروايات دينية لتنمية الفكر النفسي والوجداني، وعرض ما يفيد المجتمع ويرتقي بعقول الأجيال الناشئة، علاوة على إنشاء مراكز ثقافية فى المحافظات الحدودية، مثل العريش وسيناء، التي تعاني من التهميش، مؤكدًا أن القوة الناعمة والتنمية فى تلك الأماكن تساعد بشكل كبير على تطهيرها من الإرهاب وتنميتها. الأوضاع السياسية والخلافة وفى نفس السياق، أكد ماهر فرغلي، الباحث فى الشئون الإسلامية، أن فكرة الخلافة والشريعة لدي الجماعات التنظيمية قادرة على ضم عناصر جديدة فى صفوف المقاتلين، خاصة أن هذه الفكرة لديها مناصرون ومؤيدون، إلى جانب استغلال الأوضاع السياسية، وذلك من خلال فشل بعض الأنظمة السياسية فى الشقين الإقتصادي أو الثقافي، لطرح مشروعها الفكري للتجنيد، مؤكدًا أن العنصر الذي يتم استقطابه لديه قابلية للتطرف نتيجة لظروف نفسية أو اجتماعية أو إقتصادية. وأضاف، أن هناك نوعين من الخطابات لتلك الجماعات: خطاب عام، وهو يوجه للجميع وينشر عبر وسائل الاعلام المختلفة، لتأييد التنظيم، وخطاب استقطابي وهو يوجه لعنصر محدد ويتم عن طريق الدعوة الفردية والتي تتم عبر التعرف على الفرد وتشخيص همته للدين، واستقطابه وتعليمه ان الاسلام شامل كامل، ومن ثم إن الاسلام غائب، ولكي يعود لابد من جماعة تعيده عن طريق الخلافة. وشدد على ضرورة وجود مواجهة إعلامية تناهض المنصات الإعلامية للتنظيمات، إلى جانب مواجهة ثقافية وفكرية، وهذه المواجهة تحتاج لتنظيم خطة واستراتيجية كاملة. وتابع، أن المراصد الخاصة بالإفتاء والأزهر، لم تواجه تلك التنظيمات الإرهابية، خاصة أن ليس من اختصاصها أن تعلن عن انتشار داعش فى أماكن معينة، أو إستراتيجة تنظيم القاعدة تتفاقم، أو مستقبل داعش والسلفية الجهادية والإخوان، ولكن عليها فقط أن تصحح المفاهيم المغلوطة، ورصد الفتاوى والرد عليها بالفتاوى المضادة. المواجهة الفكرية وفى السياق ذاته، أكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار المفتى، أن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء أصدر العام الماضي فقط نحو (53) دراسة وتقريرًا وإصدارًا علميًّا خلال العام 2018، لمواجهة وتفكيك الفكر المتطرف والرد على ادعاءات المتطرفين، وتناولت تلك الدراسات تحليلًا مضمونًا لمختلف الإصدارات، إلى جانب إصدار موسوعة من الفتاوى والتي تضم 1000 فتوى باللغتين الإنجليزية والفرنسية، لتفنيد مزاعم التيارات المتطرفة وما تسوقه من مفاهيم خاطئة وفتاوى مغلوطة، كما تم إصدار موسوعة لمعالجة قضايا التطرف والتكفير باللغات الأجنبية أبرزها الإسبانية.وأكد أن الدار قامت بتأسيس "المركز الاستراتيجي لدراسات التشدد" وهو مركز بحثي وعلمي لإعداد الدراسات العلمية والاستراتيجية المعنية بمكافحة وتفكيك الفكر المتطرف ومقولاته وأحكامه، ذلك عبر عدد من الإصدارات والمنشورات والكتابات العلمية، يرتكز على أسس علمية رصينة ويعالج مشكلات التشدد والتطرف الخاصة بالمسلمين حول العالم، ويقدم توصيات وبرامج عمل لكيفية مواجهة تلك الظاهرة الآخذة فى الزيادة، ومحاربتها والقضاء عليها، آخذًا فى عين الاعتبار الخصوصيات والسياقات المرتبطة بتنوع الحالات وتعددها، واختلاف المناطق والبلدان، ويكون الذراع البحثية للمؤسسة الإفتائية الأكبر فى العالم فيما يتعلق بقضايا التشدد والتطرف التي تضرب العالم أجمع وتهدم الإنسان والعمران.