عشق الموسيقى منذ الصغر، تمنى لو اقتنى ألة الكمانجة، لكن الفقر وضيق ذات اليد عرقل أحلامه، لكنه لم ييأس، ونجح فى تحدى الفقر وتعلم قراءة وكتابة النوته الموسيقية، واقتحم عالم الموسيقى وأتقن العزف على الجيتار والفيولينا والبيانو أنه المخرج سيد سعيد، الذى تعددت مواهبه، فهو كاتب سيناريو، وناقد سينمائى، قدم للسينما المصرية واحدا من أبرز أفلامها "القبطان" عام1997، الذى نال العديد من الجوائز من بينها، ذهبية مهرجان دمشق السينمائي. تخرج فى المعهد العالى للسينما قسم إخراج، ثم حصل على دراسات عليا فى الإخراج السينمائى، كما أخرج مسلسلين تليفزيونين هما "تمساح البحيرة"، و"رحلة إلى الشمس"، قام بتدريس السيناريو فى المعهد العالى للسينما لنحو عشرين عاما، تم اعتقاله فى الحقبة الساداتية بسبب أفكاره اليسارية. قبل خمس سنوات قام بإخراج فيلم آخر بعنوان "تعظيم سلاح" ولم يعرض، وظل حبيس الأدراج حتى يومنا هذا!!، وكان من المقرر عرض الفيلم ضمن فعاليات مهرجان "الأقصر للسينما العربية والأوروبية"، لكنه لم يعرض دون إبداء أسباب!!. حول رحلته مع الفن والإبداع، وتجربته السينمائية والتليفزيونيه وفيلمه الآخير كان هذا الحوار: الحالة الوجدانية ** كيف بدأت علاقتك بالإبداع؟ – بدأت حياتى ككاتب قصة وانا فى العشرين من العمر، من خلال مجموعتى "الموجه" التى كتب عنها فى مجلة المصور الناقد الكبير محمود أمين العالم: "شاب يتجه نحو الصدارة فى القصة المصرية الجريئة"، وكانت تلك الكلمات فى زمن يوسف إدريس!! أضاف ضاحكا حينذاك قمت بشراء كل أعداد المجلة من عند كل الباعة. اعترف أن الرغبة فى الكتابة نشأت داخلى لمواجهة العجز والفقر المدقع الذى عانيتهما منذ طفولتى، والكتابة ساعدتنى فى التعبير عن تلك الحالة الوجدانية الخاصة جدا، الورقة والقلم كانوا ملاذى فى التعبير، وبدون الكتابة ربما أصبحت مثل أولاد الشوارع أو اللصوص، كما أن انتمائى لليسار والفكر الماركسى حمانى من السقوط. ** كيف؟ – عندما انتقلت للقاهرة فى أوائل السبعينيات، ودخلت معهد السينما قسم الإخراج، كان ذلك بمثابة حلم أبعد من الخيال، حينئذ بدأت الحياة تختلف، وعملت فى مختلف المهن حتى أستطيع الإنفاق، إلى أن التقيت ببعض اليساريين الذين ساندونى إلى حد كبير، وأخذت أقرأ فى الماركسية بنهم، وتم اعتقالى إبان حكم السادات. ألوان الإبداع يقول سيد سعيد: على الرغم من انتمائى لأسرة فقيرة، إلا انى كنت من عشاق الموسيقى، وكنت فى حالة إندهاش من تلك الطلاسم المدونة فى النوته الموسيقية، ما دفعنى للإصرار على تعلم العزف، ودرست الموسيقى حتى أصبحت اقرأ وأكتب النوته، وأعزف على البيانو والفيولينه والجيتار، وقمت بشراء بيانو بأول نقود حصلت عليها فى حياتى، لأن المخرج الحقيقى يجب أن يكون ملما بكل الوان الإبداع، ومن بينها بالتأكيد قواعد الموسيقى، كذلك عشقت الفن التشكيلى، وأحببت الرسم وعملت العديد من الإسكتشات، علما بأن المخرج شادى عبد السلام وأنا نعتبر من القلائل الذين يرسمون إسكتشات لأعمالهم قبل التصوير. الصراع الطبقى يواصل سيد سعيد: قدمت فيلما فى مشروع التخرج حمل عنوان "الشهد والقضية"، وقد أدركت منذ اللحظة الأولى أنه يجب أن يكون للمخرج رؤية للعالم، وأن يكون ملما بمختلف ألوان الفنون إضافة إلى قضايا الصراع الطبقى، لأنى لم أرغب فى أن أصبح مجرد مخرج، بل أسعى دوما نحو التفرد فى الإخراج، التفرد فى الفن هو الأساس بالنسبة لى، لأن الاستنساخ لا قيمة له، فلدينا فى القصة القصيرة على سبيل المثال يوسف إدريس والباقى استنساخ، وكذلك الأبنودى فى شعر العامية، فى نظرى التفرد هو الطريق الوحيد للإبداع. البعد الجمالى ** ما أسباب عزوفك عن الدراما التليفزيونية؟ – تجربتى مع التليفزيون لم تكن بالإيجابية، الأفلام فى نظرى أكثر خلودا من الدراما، خاصة أن التليفزيون جهاز يتبع الدولة ولا يسمح بحرية التعبير التى أطمح إليها، بينما الفيلم يبقى إلى الأبد، ومن خلاله أستطيع أن أقول ما أريد، فضلا عن اهتمامى بالبعد الجمالى، والتكوين، والإضاءة، وتلك الأبعاد لا تظهر فى الأعمال التليفزيونية، باختصار الشاشة الصغيرة لاتمنح المبدع الفرصة للتعبير بحرية، فضلا عن أن التليفزيون يوجد به الكثير من المحاذير الأخلاقية والسياسية ما جعلنى أهجر التليفزيون، ولست نادما. سينما المؤلف **قبل عشرين عاما حقق فيلمك "القبطان" نجاحا كبيرا.. لماذا هذا السكون والتوقف عن الإخراج خلال تلك المدة الزمنية الكبيرة؟ – أنا من أصحاب نظرية "سينما المؤلف" لذا كتبت سيناريوهات عديدة، لكن المشكلة التى تواجهنى تتعلق بالإنتاج، للأسف المنتجون يريدون أفلاما بشروط السينما التجارية، وهو ما لا أقبله إطلاقا، لأن السينما والموسيقى بالنسبة لى هما بمثابة قدس الأقداس، لا استطيع تشويههم لحسابات المنتجين. المؤكد أن رحلتى مع النضال والسياسة جاءت على حساب الفن إلى حد بعيد، فقد انضممت إلى تنظيم "حدتو"، ثم إلى "حزب العمال"، مع ذلك كتبت ثلاث روايات، ولدى نحو سبعة مشروعات كتب تم تنفيذها ولم تنشر بعد، بخلاف العديد من الدراسات والأبحاث التى تطرح الأسئلة حول الحياة والكون، وجماليات الفن، ولغات التعبير السينمائية، منها على سبيل المثال: "ماهى السينما"، "ماهو الإبداع"، دائما ما أطرح الأسئلة وأسعى للإجابة عليها من خلال التفكير والتأمل. طلعت حرب ** ما أسباب منع فيلمك الأخير "تعظيم سلاح" من العرض حتى الآن؟. -مشكلة هذا الفيلم أنه قبل خمس سنوات، كانت هيئة الاستثمار ترغب فى عمل سلسلة أفلام عن رواد الصناعة فى مصر، على ألا تزيد مدة الفيلم عن 15دقيقة، وقد نفذ تلك الفكرة المركز القومى للسينما، باعتباره منتجا منفذا، ووقتذاك كنت أتمنى أن أقوم بإخراج فيلم كبير عن حياة طلعت حرب، وبالفعل أنجزت الفيلم وبلغت مدته نحو ساعتين، وأخذت منها 15 دقيقة لهيئة الاستثمار، وفيما بعد تعاقدت مع المركز القومى للسينما على الفيلم، وهنا دب الخلاف بين الجهتين هيئة الاستثمار من جهة تقول الفيلم يتبعنى، والمركز يكرر نفس المقولة، وتاه الفيلم بين الطرفين حتى يومنا هذا!!.