كان عام 2011 محطة مهمة ليس فقط فى مسيرة السينما المصرية ولكن أيضاً فى تاريخ الوطن. فاجأت ثورة يناير الموسم السينمائى التقليدى الذى لم يكن تعرض فيه سوى ثلاثة أفلام فقط هى «الشوق» الذى أخرجه «خالد الحجر»، و«فاصل ونعود» الذى أخرجه «أحمد نادر جلال»، وفيلم «ميكروفون» وكان من المفارقات الغريبة ان تندلع ثورة 25 يناير مع العرض التجارى لفيلم خفيف رومانسى بعنوان «365 يوم سعادة». اختلطت كل الأوراق لدى صناع وموزعى السينما المصرية الذين يديرون الصناعة بدون أوراق أصلاً، انتهى موسم إجازات نصف السنة قبل أن يبدأ لأنه جاء فى قلب الثمانية عشر يوماً الحاسمة قبل خلع «حسنى مبارك». وبعد الخلع، دخلت السينما فى دوامة سوء إدارة المرحلة الأنتقالية، وبدأت مرحلة لجس النبض، ومعرفة مدى تغير ذوق المتفرج بعد الثورة، طُرحت فى الأسواق كل النوعيات تقريباً، وكان أول فيلم يتم عرضه بعد الثورة مباشرة هو فيلم «EUC» للمخرج «أكرم فريد». سنحاول الآن أن نلقى نظرة على الأفلام التى عُرضت فى هذا الموسم المتقلب، ثم نحلل بعض المؤشرات والملاحظات. الأفلام التى عرضت فى موسم 2011 عددها 27 فيلماً وهى: «الشوق»، «فاصل ونعود»، «ميكروفون»، «365 يوم سعادة»، «EUC»، «سفارى»، «الفاجومى»، «صرخة نملة»، «سامى أكسيد الكربون»، «حاوى»، «الفيل فى المنديل»، «المركب»، «إذاعة حب»، «فوكك منى»، «تك تك بووم»، «شارع الهرم»، «أنا باضيع يا وديع»، «بيبو وبشير»، «يا أنا يا هوّة»، «المسافر»، «كفّ القمر»، «سينما على بابا»، «إكس لارج»، «أمن دولت»، «أسماء»، «تحرير 2011.. الطيب والشرس والسياسى»، «هلّأ لوين» وهو إنتاج مصرى فرنسى لبنانى. كل الأصناف أول ملاحظة على هذه الخريطة السينمائية أنها جمعت كل الأصناف تأكيداً على ما ذكرناه من محاولة اجتذاب متفرج ما بعد الثورة فى ظل ظروف سياسية واقتصادية وأمنية مضطربة. شاهدنا أفلاماً ضخمة الإنتاج صنعتها وزارة الثقافة «المسافر» وأخرى ضعيفة الإنتاج مثل «فوكك منى» وتجاورت أفلام المهرجانات مثل «الشوق» و«حاوى» و«ميكروفون» جنبا إلى جنب مع أفلام «الهانص والدانص» مثل «شارع الهرم»، وقد كان نجاح الفيلم الأخير تجارياً مؤشراً لدى الموزعين على أن هذه النوعية مازالت مؤثرة وناجحة، وأن المتفرج المتوّتر يهرب إلى الافلام للفرفشة، ويكفيه التخبط الذى أديرت به المرحلة الانتقالية. عُرضت فى هذا الموسم مجموعة من الأفلام التى يمكن تصنيفها على أنها سياسية، كان بعضها قد بدأ تصويره قبل الثورة ثم أضيفت له مشاهد المظاهرات مثل «الفاجومى» للمخرج «عصام الشّماع»، و«صرخة نملة» للمخرج «سامح عبد العزيز»، وبعضها به إسقاط سياسى واضح مثل «كفّ القمر»، «وميكروفون» الذى يحكى عن جيل يريد انتزاع التعبير عن نفسه، وفيلم «الشوق» الذى يمكن تفسيره سياسّياً باعتباره «الشوق» إلى الحرية والهروب من الذل والمهانة، وفى نهاية الموسم عُرض فيلم «تحرير 2011» الذى يتناول وقائع الثورة من خلال ثلاث وجهات نظر مختلفة ومتكاملة، والذى يُعتبر أول فيلم مصرى وثائقى طويل يعرض تجارياً «نظير تذاكر» قى الصالات المصرية. من المؤشرات الايجابية التى تظهر فى هذه الخريطة أن السينما المصرية مازالت تضخ إلى الساحة وجوهاً جديدة فى مختلف فروع الفيلم السينمائى، هناك مخرجون لأول مرة مثل اللبنانى «سعيد الماروق» مخرج «365 يوم سعادة»، و«محمد شورى» مخرج «شارع الهرم»، ومريم أبو عُوف مخرجة «بيبو وبشير»، و«تامر بسيونى» مخرج فيلم «يا أنا يا هّوة»، و«أحمد ماهر» مخرج فيلم «المسافر»، و«آيتن أمين» التى شاركت فى إخراج الفيلم الوثائقى «تحرير 2011». ولدينا وجوه جديدة فى الكتابة للسينما مثل سيد رجب الذى كتب فيلم «الشوق»، و«هيثم الدهّان» و«أحمد الدهان» اللذان كتبا فيلم «المركب»، و«أحمد حجازى» مؤلف فيلم «يا أنا يا هوّة»، و«أحمد ماهر» ممؤلف فيلم «المسافر»، و«هيثم دبّور» الذى قام بالمعالجة السينمائية لفيلم تحرير 2011. الظريف أن اثنين من الممثلين أتحفا السينما المصرية بكتابة القصة والسيناريو والحوار للفيلمين اللذين قاما ببطولتهما وهما «محمد سعد» كاتب فيلم «تك تك بووم» عن فكرة لإسعاد يونس»، و«طلعت زكريا» مؤلف فيلم «الفيل فى المنديل»، والفيلمان بالمناسبة من أسوأ وأضعف أفلام الموسم. أجيال مختلفة كل الأجيال تقريباً ظهرت فى أفلام الموسم من «إبراهيم نصر» فى «اكس لارج» إلى «يوسف شعبان» فى «الفيل فى المنديل»، ومن «أحمد سلامة» فى «شارع الهرم» إلى «صفية العمرى» فى «بيبو وبشير» ومن «عمر الشريف» فى «المسافر» إلى «رغدة» فى فيلم «المركب»، ومن «أحمد بدير» فى فيلمى «سفارى» و«شارع الهرم» إلى «جيهان فاضل» فى «الفاجومى». ظهر ايضاً العديد من الوجوه الجديدة من مختلف الأعمار تقريباً، فمن «جنا» فى فيلم «سامى أكسيد الكربون» والطفل «سليم» فى «فاصل ونعود» إلى أطفال فيلم «أمن دولت»، ومن شباب فيلم «ميكرفون» مثل «أحمد مجدى» و«محمد صالح» و«ياسين قبطان» إلى «أيمن قنديل» و«أمجد عابد» بطلى فيلم «أنا باضيع يا وديع»، ومن «ميرهان» شقيقة «روبى» فى فيلم «الشوق» إلى «ملك قورة» فى فيلم «EUC»، ومن الأردنى «ياسر المصرى» الذى قام بدور ضاحى فى فيلم «كفّ القمر» إلى «رامز أمير» فى فيلمى «المركب» و«سفارى». الموسم الذى استوعب «عمر الشريف» فى المسافر هو الذى أتاح بطولة ثانية لنضال الشافعى فى «يا أنا يا هوّة» بعد فيلم «الطريق الدائرى»، وبطولة ثانية ل «عمرو عبد الجليل» فى فيلم «صرخة نملة»، وبطولة أولى لشريف سلامة فى فيلم «إذاعة حب»، وفُرصاً جديدة لكل من «آسر ياسين» بطل «بيبو وبشير» وروبى بطلة «الشوق»، و«إيمى سمير غانم فى فيلمى «إكس لارج» و«سينما على بابا»، وريم البارودى فى فيلمى «الفيل فى المنديل» و«يا أنا يا هوّه»، وهيثم زكى فى «كفّ القمر». من المؤشرات الإيجابية أيضاً استمرار الأفلام الكوميدية التى حقّق أحدها وهو «إكس لارج» إيرادات ضخمة فى موسم عيد الأضحى؛ غاب «عادل إمام» و«محمد هنيدى» و«أحمد عيد» و«أحمد آدم»، ولكن حضر هانى رمزى بفيلم «سامى أكسيد الكربون»، وأحمد مكى بفيلم «سينما على بابا»، وأحمد حلمى بفيلم «إكس لارج» بل إن المطرب «حمادة هلال» قدّم فيلماً كوميدياً هو «أمن دولت». على مستوى الإنتاج اختلط الحابل بالنابل، فمن فيلم من إنتاج وزارة الثقافة «صندوق التنمية الثقافية» هو «المسافر» إلى أفلام السبكية التجارية من «شارع الهرم» إلى «فوكّك منى» و«الفيل فى المنديل»، إلى الإنتاج المتميز لمحمد حفظى عبر أفلام مثل: «أسماء» و«تحرير 2011»، و«ميكروفون» الذى اشترك فى إنتاجه مع الممثل «خالد أبو النجا»، ولا ننسى إنتاج السينما المستقبل «ميكروفون وحاوى»، بالإضافة إلى انتشار الممثلة «بشرى» فى مجال القيام بدور المنتج المنفذ لأفلام مثل «EUC»، و«سامى أكسيد الكربون»، و«بيبو وبشير»، و«أمن دولت»، و«أسماء». فى التحليل الأخير، يبدو بوضوح أن السينما المصرية تحاول إعادة ترتيب أوراقها، وإعادة اكتشاف جمهورها ومجتمعها، وخصوصاً وسط المخاوف من وصول جماعات ظلامية إلى السلطة فى العلب أفلام كثيرة أُنتجت، ولكن الصورة لم تتضح بعد حتى الآن. قائمة الأفضل وقد اخترتُ هذه الأفلام لتكون الأفضل، والترتيب هنا وفقاً «لتوقيت العرض» من الأقدم إلى الأحدث: «الشوق»، «ميكروفون»، «حاوى»، «المسافر»، «كف القمر»، «أسماء»، «تحرير 2011». وهذه هى اختياراتنا للأفضل فى فروع وعناصر الفيلم السينمائى: ? أفضل فيلم: أسماء. ? أفضل سيناريو: «عمرو سلامة» عن فيلم «أسماء». ? أفضل إخراج: «أحمد عبد الله» عن فيلم «ميكروفون». ? أفضل إخراج «عمل أول»: «أحمد ماهر» عن «المسافر». ? أفضل ممثل: «عمر الشريف» عن «المسافر» و«ماجد الكداونى» عن «أسماء». ? أفضل ممثل مساعد: «سيد رجب» عن دَوْريه فى فيلمى «الشوق» و «أسماء». ? أفضل ممثلة: «سوسن بدر» عن «الشوق»، و«هند صبرى» عن «أسماء». ? أفضل ممثلة مساعدة: «منحة زيتون» عن دورها فى فيلم «الشوق». ? أفضل وجه جديد «رجال»: الأردنى «ياسر المصرى» عن دوره فى «كف القمر». ? أفضل وجه جديد «نساء»: «ميرهان» عن دورها فى فيلم «الشوق». ? أفضل تصوير: «نستور كالفور» عن فيلم «الشوق». ? أفضل ديكور: «أنسى أبو سيف» عن فيلم «المسافر». ? أفضل مونتاج: «هشام صقر» عن «ميكروفون» و «عمرو صلاح» عن فيلم «أسماء». ? أفضل موسيقى تصويرية: «هشام جبر» عن فيلم «الشوق». ? أفضل ملابس: «دنيا نديم» عن فيلم «المسافر» و«بسيمة الغامرى» عن فيلم «سيما على بابا». ? أسوأ الأخبار: إلغاء مهرجان القاهرة لعام 2011، ووفاة بعض أشهر نجوم العصرالذهبى مثل كمال الشناوى وهند رستم وعمر الحريرى. وكل عام والسينما المصرية وجمهورها بألف خير.