لم يكن العام 2018عاما عاديا فى حياة جنود الإنتاج أو العمال فى مصر، والبالغ عددهم 28 مليون عامل بأجر، سواء من الناحية التشريعية أو الحقوقية، فقد بدأ العام بتفاؤل بعد أن أعلن وزير العمل، محمد سعفان، عن موعد إجراء إنتخابات عمالية طالما انتظرها العمال منذ أكثر من 10سنوات، وتأكيده أن الانتخابات سوف تجرى فى شهر مايو الذى وافق شهر رمضان، وهو ما دفع رئيس الاتحاد العام للعمال، جبالي المراغي، التعليق بالقول بأن شهر رمضان مبارك و ربما يكون فرصة لخروج انتخابات نزيهة بعيدة عن التلاعب والتزوير، تماشيا مع الأجواء الدينية للشهر، ودعا الرئيس السيسي العمال فى "خطاب مايو" إلى انتخاب المرشح الصادق الأمين حتى لا يدفعوا ثمن إختياراتهم. لكن جاءت الإنتخابات دون تغيير يذكر فى القمة رغم نداءات البحث عن الشباب فى التنظيم النقابي، فقد ظلت القيادات السابقة كما هي فى مواقعها متحدية بل ومعلنة أنه اختيار العمال ولا صوت يعلو فوق صوت العمال رغم أنف المعارضين، الذين شككوا فى العملية الانتخابية برمتها. وخلال العام وحتى اليوم، وبالتزامن مع ذلك وغيره من الاحداث العمالية، وضعت وزارة العمل منظمة العمل الدولية نصب أعينها مدافعة عن نفسها بقوة، وأنها أجرت الانتخابات فى إطار قانون للنقابات يتماشى مع الاتفاقيات الدولية عدا مادة أو مادتين، ربما يجرى التفاوض الآن لتعديلهما والخاصتين بالتمويل الأجنبي والأعداد المطلوبة لتأسيس اللجان النقابية فى المنشأة، وربما تدخل فى التعديلات مواد أخرى "فوق الحسبة" لخدمة بعض القيادات الحالية سواء فى "الاتحاد" أو فى "مجلس النواب" من ممثلي العمال، كمد الدورة النقابية لخمس سنوات بدلا من أربعة، ومواجهة دعاة تطبيق مادة سن الستين، والبحث عن حل لمادة الشخصية الإعتبارية التي سمحت باستقلالية اللجان النقابية والنقابات العامة عن الاتحاد العام. الرئيس السيسي حذر العمال من سوء الاختيار وطالبهم باختيار النقابي الصادق والأمين والمثقف فهل استجاب العمال لنداء الرئيس بحثا عن نقابيين لديهم الوعي والقدرة على الدفاع عن حقوق العمال فى مواجهة بعض رجال الأعمال، وأيضا للمشاركة فى معركة التنمية ؟.. رد قوي كعادتها لم تقف دار الخدمات النقابية والعمالية بقيادة كمال عباس، والمحامية رحمة رفعت، مكتوفة الأيدي، فأصدرت تقريرا حول ما دار أثناء الفترة التي أجريت فيها الانتخابات العمالية للدورة النقابية "2018 – 2022"، والذي يعتبر محل بحث وتحليل الآن فى المحافل العربية والدولية ذات الشأن العمالي، باعتبار هذه الانتخابات الحدث الأبرز والعملية التي ستفرز تنظيما نقابيا يبنى عليه كل آمال العمال وطموحاتهم، بل وآمال العملية الإنتاجية برمتها. رصد التقرير الأزمات التي لاحقت الانتخابات العمالية الماضية، والتي أجريت فى الفترة بين 16 مايو إلى 28 يونيو الماضي، قائلا: "بعد 12 عاما من الانقطاع عدنا إلى سيناريوهات الانتخابات النقابية العبثية"..وكشف التقرير أنه تم الاعتماد على فريق لرصد الأزمات، فضلا عن الاعتماد على ما ينشر فى الإعلام، بعد تدقيق المعلومات من مصدرها، بالإضافة إلى الشكاوى التي تقدم بها المرشحون..وأشار إلى أن البيئة التشريعية للعملية الانتخابية ملائمة للكثير من الانتهاكات، حيث إن الجدول الزمني لتوفيق الأوضاع والعملية الانتخابية ضيق، فلم تعلن على سبيل المثال كشوف المرشحين الأولية، وهو ما أدى إلى حرمان الكثيرين من حقهم فى التظلم من استبعادهم. وتناول التقرير المطول الذي صدر بقرابة ال 100 ورقة رصد للانتهاكات والتجاوزات فى انتخابات اللجان النقابية بمرحلتيها، راصدا بعض النقاط منها التعنت مع النقابات المستقلة وبقاء الوجوه القديمة دون تغيير وغيرها.. "السيناريو العبثي" وللعلم فإن هذا التقرير المعنون ب"السيناريو العبثي" هو محور نقاش على مائدة لجنة الخبراء فى منظمة العمل الدولية برئاسة غاي رايدر والتابعة للأمم المتحدة بجنيف والتي ستقدم تقريرها للمنظة فى منتصف يناير 2019 المقبل حسب تصريحات هذا الأسبوع لوزير العمل محمد سعفان، فالتقرير الدولي المنتظر وحسب معلوماتنا يعتمد بنسبة قد تصل إلى 95% من "السيناريو العبثي" المترجم الى اللغتين الانجليزية والفرنسية إضافة إلى العربية طبعا والذي وزع بها فى مقر" الدار" بشارع قصر العيني بالقاهرة خلال مؤتمر صحفى حضرته قوى نقابية وسياسية خاصة من التيارات الإشتراكية فى مصر. ولم يستطع أحد من المراقبين حتى الان أن يتكهن ويستنتج بهل منظمة العمل الدولية سوف تضع مصر على قائمة الملاحظات القصيرة المعروفة إعلاميا بالقائمة السوداء فى الحقوق والحريات النقابية، ومن سيكتب له الإقناع والانتصار: "تقرير عباس" أم "تقارير سعفان"، فوزارة القوى العاملة هي الأخرى بعثت كافة المعلومات عن عالم العمل والعمال خلال العام 2011 مركزة على الانتخابات مؤكدة أن التغيير كان بنسبة كبيرة خاصة فى القواعد ووصل حسب "الوزارة" إلى 80 % رغم بقاء غالبية الوجوه القديمة غير أن الوزارة ترى ذلك مؤشرا هاما ساعية لخطة تدريب العمال وتثقيفهم وتوعيتهم طامحة الى مستقبل افضل وبلا شيوخ.. الوفد الدولي ورغم مستقبل عالم العمل والعمال الذي يتأرجح الآن بين المتشائمين والمتفائلين وحالة من التخبط والصراع والقرارات المتضاربة،فإن أخطر 4 فقرات من اللقاءات الرسمية المغلقة فى لقاء وفد منظمة العمل الدولية مع وزير العمل و"الاتحاد العام" و" النقابات المستقلة" و"دار الخدمات"، والذي زار القاهرة مؤخرا ضم: كارين كيرتس إدارة معايير العمل الدولية، ودان ريس مدير برنامج العمل الأفضل، ووائل عيسى بمكتب نائب المدير العام للمنظمة للسياسات، وصموئيل اصفه بمكتب أنشطة أصحاب الأعمال، ونظام قاحوش بمكتب أنشطة العمال بالمنظمة، بحضور إريك أوشلان القائم بأعمال مدير مكتب المنظمة فى القاهرة.. وهي: "1".. شدد وزير العمل محمد سعفان على أن كل الأصوات التي تعالت بعد بيان الحريات النقابية، لم تستطع توفيق أوضاعها، وليس لها وجود على الساحة النقابية".. مؤكدًا " أن كل ما يخرج عن الإطار القانوني يعدُّ أمرًا خارقًا للقانون وللاتفاقيات الدولية". "2"..عبد المنعم الجمل نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر للعلاقات الدولية قال ان كثيرا من أصحاب الاعمال كانوا "أيضا" عائقا لتشكيل تنظيمات نقابية بشركاتهم وأنه بدأ اصحاب الاعمال على المستويين العام والخاص بمحاولات لتهميش دور التنظيم النقابي لمنعة من القيام بالدور المنوط به"..بينما أشارت باقي القيادات من "الاتحاد العام" إلى رغبتهم فى إجراء بعض التعديلات على القانون الجديد بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية، وأنهم يسعون إلى ذلك بالفعل من خلال فتح حوار اجتماعي". "3" قالت "كارين كيرتس" مديرة إدارة لجنة المعايير الدولية "إنه سيتم تقديم تقرير إلى لجنة الخبراء بالمنظمة بالخطوات التي ستقوم بها مصر لخفض عدد عضوية اللجان النقابية إلى 50 عضوا، معربة عن تقديرها لما قامت به الحكومة المصرية فى المرحلة السابقة من أجل ذلك"..وقالت: "إن 150عضوا اللازم لتكوين اللجنة النقابية مازال يعتبر عائقا كبيرا أمام العديد من المنظمات لتمارس عملها النقابي، مؤكدة أنها على ثقة تامة أن الوزير سيعمل على خفض هذا العدد بالتعاون مع لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري." "4".. تحدث ممثلون عن النقابات المستقلة عما واجهوه من تعنت غير طبيعي وغير منطقي من قِبل مديريات القوى العاملة فى القاهرة والمحافظات لصالح الاتحاد العام وقياداته والضغط بكل الطرق من أجل انضمام نقابات مستقلة لهم..وهنا ردت "كارين كيرتس" وقالت:" أشيد بكفاح النقابيين المستقلين وشجاعتهم فى ظل ما واجهوه خلال مرحلتي توفيق الأوضاع والانتخابات النقابية من انتهاكات"..وأضافت:"أطالبكم بالتواصل مع منظمة العمل الدولية لنقل الصورة كاملة، كما أعدكم بأن الوفد سيرفع تقريره للجنة الاتصال المباشر للوقوف على ملابسات الوضع النقابي فى مصر". تكتل وبعيدا عن التقرير "الدولي المنتظر" لتقييم وضع مصر العمالي، فيجب هنا البحث عن النتائج والمناخ الحالي فى ظل تنظيم عمالي تتصارع قمته الآن وتعاني الانقسام بين تكتلين هما "مجموعة التغيير" و"مجموعة المراغي" الأمر الذي ترتب عليه حالة من عدم الاستقرار إلى حد ما فى مواجهة بعض العواصف التي تواجه التنظيم نفسه كأزمات الجامعة العمالية وأمانة المرأة إضافة إلى كيفية إدارة ممتلكات وأصول الاتحاد الباقية بعد بيع معظمها، وكذلك ملف "العربي والدولي والأفريقي" فى قطاع النقابات العمالية.كما أنه لا يغيب على أحد معركة منتظرة مع رجال الأعمال فى مجلس النواب، فرغم تطمينات قيادات لجنة القوى العاملة فى المجلس الذين هم فى نفس الوقت قيادات الإتحاد العمالي بأن قانون العمل المرتقب سيحمي العامل من بطش رجال الاعمال، ومن الفصل التعسفي، ويحقق التوازن بين أطراف الإنتاج الثلاثة من حكومة وأصحاب أعمال وعمال، غير أن رجال الاعمال يخططون لنسف مشروع القانون الحالي وتغيير مواده لصالحهم. وبحسب قول مستشار الغرف التجارية والصناعية عبدالستار عشرة أن "العقد شريعة المتعاقدين" وأن صاحب العمل هو الوحيد الذي يملك سلطة بقاء العامل أو التخلص منه حسب الانتاج والتدريب، ثم يأتي تصريح النائب ورجل الأعمال محمد فرج عامر، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، وقوله إن قانون العمل الجديد بصيغته الحالية "غير داعم للاستثمار" بسبب الأعباء التي يضيفها على المستثمرين وأصحاب الأعمال. وأوضح أن القانون أضاف أعباء مالية مبالغ فيها على أصحاب الأعمال، حيث أسرف المشروع فى تقرير الصناديق وما يشكله من أعباء على المنشآت كصندوق أموال الغرامات وصندوق التدريب المهني، كذلك صندوق العمالة غير المنتظمة، ناهيك عن التزايد فى الإجازات وعددها وأنواعها لتصل إلى أكثر من 190 يوما فى السنة إذا اضفنا إليها يوم الراحة الأسبوعية. وانتقد رئيس "صناعة النواب"، تحميل صاحب العمل المفلس، صرف تعويضات للعمال فى حالة التوقف الكلي أو الجزئي، وإلزام صاحب العمل بمنح العامل مكافأة فى حالة عدم تجديد عقد العمل محدد المدة بعد انتهائه. الجبهة الداخلية إن الحفاظ على سمعة مصر عماليا فى الداخل والخارج وزيادة الإنتاج ووقف موجات الغضب والاحتجاجات العمالية التي ظهرت عام 2018 بين الحين والاخر يتطلب أولا مواجهة الصرخات والطعنات التي يتعرض لها هذا العامل الذي يدفع ضريبة ممارسات وتجاوزات ونتائج عديدة..فهل يصدق أحد أن حجم عضوية العمال المنضمين لنقابات هو 2 مليون و800 ألف عامل فقط من قوة عمل تصل إلى 30 مليونا..فمن يحمي هؤلاء الهاربين من التنظيم العمالي سواء بقصد أو بدون؟ !.. وهل يصدق أحد أن السياسة المصرية وبصمت من المعنيين بالدفاع عن العمال قد نجحت فى القضاء على نسبة ال50% عمال وفلاحين من كافة المجالس النيابة ك" النواب" و"المحليات" وغيرها؟. المواجهة أن تحسين سمعة مصر العمالية وإعادة دورها المحوري عربيا وأفريقيا ودوليا فى هذا الملف، مرتبط بمدى مصداقية رص الصفوف، وتجديد الدماء، و تقوية وتماسك الجبهة الداخلية عماليا وصناعيا واقتصاديا ومواجهة التفريط فى ما تبقى القطاع العام، وقبل ذلك تجديد الخطاب العمالي ووضع خطة عملية وحقيقية لتثقيف وتوعية العمال بحقوقهم وواجباتهم..ولنبدأ بتنفيذ روشتات الإصلاح، وبجذب تلك الملايين الحاشدة من العمال الهاربة من الانضمام إلى نقابات لأسباب عديدة منها –ربما- عدم ثقتها فى النقابات الحالية، أوربما بفعل القوانين الموالية لرجال الأعمال، والتي تعطي صلاحيات واسعة لصاحب العمل، كذلك السعي نحو عودة دور مصر النقابي الرياضي عربيا ودوليا وأفريقيا خاصة فى ظل التكتلات العمالية العالمية والتي تتخذ من بروكسيل والأردن وجنيف وتل أبيب مقرات لها للسيطرة والتحكم فى الحركة العمالية وتسخيرها لخدمة سياسات بعينها، وهو الأمر الذي يتطلب دعم مصري عملي للتكتلات العمالية القومية والعروبية والمناهضة للتطبيع مع اسرائيل والراعية للوحدة النقابية والتي يقودها الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والاتحاد العالمي للنقابات ومنظمة الوحدة النقابية الافريقية،فى مواجهة مخططات التفكك والتمزق والتعددية العشوائية التي تقودها منظمات كالاتحاد الدولي للنقابات ituc، و هستدروت اسرائيل العمالي، والاتحاد العربي للنقابات المستقلة..وقبل كل ذلك وضع خطة للتحرك العملي والحقيقي وسط العمال فى مواقع العمل دفاعا عن حقوقهم والاستماع الى مطالبهم وذلك لتلبية مطالبهم، منعا لموجات غضب أو إحتجاجات تخدم أهداف المنظمات الدولية المعادية تستخدم العمال كفريسة سهلة لضرب الانتاج والاستقرار.