السينما المصرية التي عرفت بالتنوع والكفاءات والنماذج الموهوبة، تحتضر بعد أن أصبحت فى قبضة "السبكي"، هذا ما أشار إليه عدد من النقاد والمثقفين الذين رحبوا بقرار الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، بتأسيس الشركة القابضة للفنون والثقافة، بهدف النهوض بالحركة الثقافية بمنظور يرتقى بصناعة الفن، وهو الأمر الذي وصفوه بالحلم الذي طال انتظاره كونه تأخر لسنوات عديدة، وشددوا على ضرورة أن تستمر المدارس القائمة على الفكر الرفيع، وانتقاء النصوص الجيدة، وحشد المواهب الواعدة والطاقات، والاستعانة بالمؤسسات العلمية للنهوض بالسينما وإنهاء أزمة الإنتاج. وينص القرار الوزاري رقم 393 لسنة 2018 بإصدار لائحة النظام الأساسي للشركة القابضة للاستثمار فى المجالات الثقافية والسينمائية، على توجه الدولة العام لرعاية الثقافة دعما لصناعة السينما، وفى ظل العمل على النهوض بالمستوى الفني والمهني، وإعادة إحياء صناعة السينما والإبداع الثقافى السينمائي، وهيكلة المنظومة الثقافية التراثية لمصر، وتحقيقا للصالح العام ولإثراء المجتمع الثقافى والسينمائي؛ لما يلبى طموح شعب عرف بمأثوراته الثقافية والتي تناقلها العالم أجمع. وفى هذا الصدد، تم نشر القرار الوزاري بالجريدة الرسمية بالعدد رقم 133 تابع؛ بتاريخ 10 يونيو الماضي سنة 2018. وبناءا على هذه التعليمات فأن وزارة الثقافة تعكف على إنهاء الإجراءات الخاصة بتأسيس الشركة القابضة، وتفعيل الجمعية العمومية المقترحة، والعمل على إقامة الشركات التابعة، ومنها "شركة الصناعات التراثية، شركة السينما، شركة الثقافة العامة والفنية". دور وزارة الثقافة قال الدكتور خالد عبد الجليل، مستشار وزير الثقافة للسينما: إن الشركة القابضة للصناعات الثقافية هي شركة كبيرة ينبثق منها عدد من الشركات المهمة، ومن المتوقع أن يصلوا إلى ثمان شركات فى وقت لاحق، إلا أن ما تم تشكيله حتى الآن والاستقرار عليه هو شركتان فقط، هما: "شركة للسينما، وشركة للحرف التراثية". وأكد عبد الجليل، أن وزارة الثقافة لم تتخلى عن دورها بإنشاء هذه الشركة كما ذكر البعض، وإنما ستقوم بعمل الأمور التي لا تستطيع الوزارة القيام بها بسبب القيود التي تفرضها القوانين واللوائح التي تحكم عمل الوزارة، بينما هي سيكون لها حرية الحركة والتعامل مع القطاع الخاص". خاصة أن هذه الشركة تقوم فى الأساس على التسويق، موضحا لن تكون الشركة منافسًا للوزارة أو تسحب من اختصاصاتها. وتابع مستشارة وزيرة الثقافة، إننا نقوم بتقويم الرأي العام والذوق العام عن طريق ضخ عدد كبير من منتجاتنا الثقافية على الشاشات التليفزيونية ودور العرض السينمائية، بدلًا من أن تظل منتجات الوزارة حبيسة الأدراج دون أن يستفيد منها الجمهور، وهو أمر ينطبق على المسرح والنشر والموسيقى وغيرها من المجالات الإبداعية". قبضة السبكى بينما يري حسام عقل الناقد الأدبى، "أن الشركة القابضة إذا كانت تستطيع بما لها من لائحة وآليات وتخطيط استراتيجي لمستقبل السينما أن تنهي أزمة التمويل "الدعم"، وأن تدعم الكتابات الجيدة، وتنهض بعمل سينمائي طليعي فسيكون هذا على الرحب. وإما إذا كان الغرض من القرار مجرد سد الخانة البيضاء، أو الاستعانة بالطفيليين من خارج الوسط الفني الذين لا يملكون آليات سواء فى الكتابة أو التصوير أو الفنيات، أو التمثيل، أو كتابة الاسكربت أو السيناريو وغيره، فهذا سيؤثر بالسلب على السينما والثقافة والمجتمع". وشدد عقل، على ضرورة الاستعانة بالموهوبين الذين لديهم ميول سينمائية وتقديم الدعم لهم للنهوض بالعمل الفني والثقافى الذي تدهور بشكل كبير فى الاونة الاخيرة. وأضاف حسام عقل، أن العمل السينمائي يحتضر ويحتاج إلى تفكير خارج الصندوق لإنهاء الأزمة، لافتا إلى أن الخطاب السينمائي المصري الذي عرف بالتنوع والكفاءات والنماذج الموهوبة، أصبح فى قبضة "السبكي" الذي سيطر عليها بالفوائض ورؤؤس الأموال. وتابع الناقد الأدبي، أن هناك نقاط مضيئة فى تاريخ السينما المصرية يجب الاقتداء بها، مثل تجربة "عاطف الطيب، وشادي عبد السلام، وصلاح أبو سيف"، إلى جانب تجربة المخرج محمد خان، الذي قام بحل جزء من أزمة السينما قبل رحيله بفيلم "فتاة المصنع"؛ وهو عمل سينمائي خارج طاولة أفلام المقاولات والمنظومة السبكية، لذلك فقد حقق نجاحًا جماهيريًا، موضحًا أن كل هذه التجارب الرائدة فى العمل السينمائي كانت تستند إلى رأس مال واعي، "أي على وعي كبير باليات الفن السينمائي وطبيعة تكوينه"، سواء أن كان رأس المال موجهًا من الدولة أو من بعض الفنانين الذين يمتلكون الفوائض، وشدد على ضرورة أن تستمر هذه المدرسة القائمة على الفكر الرفيع وانتقاء النصوص الجيدة وحشد المواهب الواعدة والطاقات والاستعانة بالمؤسسات العلمية خاصة أكاديمية الفنون. وأكد عقل، أن الحل يكمن فى سقف التمويل، وتخليص عملة التمويل "الإنتاج" من هيمنة شريحة معينة من رأس المال، للخروج من تلك الأزمة. دعم الدولة بينما أكدت ماجدة موريس الناقدة السينمائية، أن قرار تأسيس هذه الشركة تأخر كثيرا كونه مطلبًا فى غاية الأهمية، خاصة أن شئون السينما تفتقد إلى أمور عديدة منها: دور العرض والإنتاج. موضحة أن هذه الشركة ألت إليها 24 دور عرض فى القاهرة فقط، منها ما تم هدمه، ومنها ما هو أيل للسقوط، بحسب تصريحات من وزارة الثقافة، لافتة إلى أن بهذه الشركة سيتم تأسيس سينما رئيسية لكل دور عرض فى المحافظات لعرض الأعمال التي ستنتجها الوزارة، أو الأفلام التي تشارك فى إنتاجها مع آخرين، مشيرة إلى أن هناك أفلام يجب أن تجد فرصتها حتى لا تلقي تلاعب الموزعين فى السينمات، إلى جانب الدعم التي يأتي من قبل الوزارة. وشددت ماجدة موريس، على ضرورة تنفيذ ما تم الإعلان عنه، ونشر فى الجريدة الرسمية، خاصة أن هناك مطالب كثيرة للسينمائيين تم الموافقة عليها ولم تلقى النور. منها مطالب المخرج السينمائي خالد يوسف الذي قام بعمل بحث وتقرير عن أحوال السينما، وقدم مطالب عدة لرئيس الوزراء السابق، شريف إسماعيل حينذاك، وبالفعل تم الموافقة على رفع الدعم للسينما من 20 إلى 50 مليون فى السنة، إلى جانب تولية بنك الاستثمار القومي إنتاج الأفلام الوطنية والتاريخية، إلا أن هذا الأمر لم ينفذ حتى الآن. وشددت، فى النسخة الأخيرة من الإعلان عن دعم الدولة للسينما لابد وأن يتم تنفيذها بشكل سريع، إلى جانب وجود جهد حقيقي لتفعيل تلك القرارات بهدف النهوض بالسينما، حتى تكون بادرة خير وتعود مصر كما كانت رائدة فى الفن والسينما، على أن يتم ذلك بالإعلان عن المسئولين ونظام العمل، حتى يقوم كل من لديه عمل فني بتقديمه، إلى جانب التنسيق بين كافة المحافظات، وحل مشكلات دور العرض، بالإضافة إلى نظام العمل واللوائح والقوانين. وأوضحت موريس، أن السينما بشكل عام تعاني من أزمة الإنتاج وهو الأمر الذي أجبر عدد كبير من المنتجين إلى مطالبة دعم فى المهرجانات الدولية، مثلما فعل المخرج الكبير محمد خان، عندما توقف عن استكمال أخر ثلاثة أفلام له، قائلة: "من الخزي والعار أن نتلقى مصر دعما وهي أكبر دولة رائدة فى تصنيع السينما فى الوطن العربي، إلى جانب أسم وتاريخ المخرج الكبير ". هامش الحرية فى حين وصف الناقد الفني، طارق الشناوي، القرار بالأمنية التي طال انتظارها، والتي سوف تحقق مردودًا ايجابيًا على السينما، مؤكدًا أن وزارة الثقافة لديها أصول كثيرة لا يتم الاستفادة منها بشكل أو بأخر لعوائق قد تكون قانونية أو إدارية، وتأسيس هذه الشركة سوف يحررها من تلك القيود، لصالح السينما بكافة عواملها لمواجهة التحديات التي تواجهها، خاصة أن السينما عنوان الثقافة. وشدد طارق الشناوي، على ضرورة أن يتم تنفيذ القرار عمليًا كما خرج نظريًا ولقي ترحيب وإشادة كبيرة فى الأوساط الفنية والعامة، بهدف النهوض بالسينما والفن، كما كان فى زمن ماضي عندما كان الفن مصدرا من مصادر الدخل القومي للبلاد. وتابع، أن هامش الحرية يساعد بشكل كبيرة على انتعاش السينما، وهو ما ينقصها الآن بجانب الإنتاج والدعم. وشدد الشناوي، على ضرورة أن تتطرق هذه الشركة للنهوض بالمسرح، والدراما، ودعم الأجيال الناشئة والفنون التشكيلية، كون ان هناك عددا كبيرا من الفنون تفتقر التسويق، لذلك فيجب من خلال هذه الشركة تمويل الفن والفنان والارتقاء بالذوق الثقافى العام، والأمر ذاته ينطبق على الفرق الفنية فى كل قطاعات وزارة الثقافة، والتي تقدم عروضا رائعة لا يتم تسويقها، مما لا يسمح لها بتحسين مظهرها أو تطوير برامجها.