لم أشاهد أى احتفال بالذكرى الأربعين لاغتيال الروائى يوسف السباعى، وكنت أتمنى لو أعاد التليفزيون المصرى عرض روايته البديعة "أرض النفاق" التى نشرها عام 1949م ثم تحولت فى الستينيات الى فيلم سينمائى بنفس الاسم، بطولة الفنان الراحل فؤاد المهندس. الفيلم، كما الرواية، يثير الضحكات والأهم من ذلك يجعلنا نتأمل ما تفعله بنا الحياة، و نحلم بأن نتغير كشعب وكأفراد. هذه الرواية الى جانب "السقا مات" ترفع الأديب الكبير والروائي يوسًف السباعي الذى أغتيل على يد فلسطينيين متعصبين، الى مصاف الكُتاب العالميين. تقول الرواية أن رجلا مر بحانوت لتاجر وجد عنده "زكيبة" مكتوب عليها "مسحوق شجاعة" يكفى لعشرة أيام، و رفض البائع أن يأخذ منه مالا قائلا " الحساب يوم الحساب". و من باب الفضول أذاب الرجل المسحوق فى الماء وشربه ثم نزل الشارع وقد تغير حاله. أصبح شجاعا لا يخشى فى الحق لومة لائم، و صار ينتصر للضعيف و يواجه الجميع بحقيقتهم. ولأننا مجتمع لا يحب الصراحة و يعشق النفاق فقد واجه الرجل متاعب كثيرة مع الجميع وانتهى الأمر بفصله من عمله. عاد الرجل إلى الحانوت مستغيثاً بالتاجر ليعطيه مسحوقا أخر يزيل آثار الأول. قال للتاجر: أريد مسحوق جُبن، مسحوق نفاق، ومكر، فأجاب التاجربأن هذه البضاعة قد نفذت كلها وقد بيعت منذ زمن، لأن عليها طلب كثير.!! قال الرجل: أعطني أي شيء غير الشجاعة. قال التاجر: لم يعد عندى سوى مسحوق المروءة، فأخذه صاحبنا وشربه، و كانت العاقبة أوخم. صار قلبه يرق للجميع وخلع كل ملابسه ليعطيها لشابٍ محتاج، ولم يجد سوى قميص نوم أم الشاب فلبسه و عاد به للبيت، و عندما رآه أهله شكوا فى قواه العقلية وقرر أن يودعوه مستشفى الأمراض العقلية، فهرب من البيت بسرعة وعاد مرة أخرى للتاجر مستغيثاً، وطلب منه أن يقضي بقية العشرة أيام عنده حتى ينتهي مفعول المسحوق. وفى الليل رأى الرجل "زكيبة" مكتوب عليها " مسحوق أخلاق" قال التاجر لو شربه الناس سيذهب عنهم الرياء والنفاق. ثم أضاف "ولكن يمكن إذا انكشفت حقيقتهم وظهرت حقارتهم وكذبهم لبعضهم أن تحدث المشاكل فيما بينهم". لم يهتم الرجل بما قاله التاجر فلو حصلت هذه المشاكل ستكون مؤقتة. وفى منتصف الليل بعد أن تأكد من نوم التاجر تسلل فى هدوء حاملا " الزكيبة" وهرول مسرعاً نحو النهر. استيقظ التاجر ولحق به، وتعاركا عند النهر، فسقطت "الزكيبة" وذاب المسحوق فى ماء النهر. فى اليوم التالى شرب الناس المياه وظهرت عليهم آثار "مسحوق الأخلاق" فتغير حالهم. صار المرشحون للانتخابات يصارحون الناس بحقيقتهم، واعترف خطيب المسجد أنه كان يَدُس قطعة من الحشيش داخل عمامتهُ، وأنه يكرر خطبته العديد من المرات. جلس الرجل مع التاجر فى مقهى يتأملان الناس، وتحدثا عما فعلاه، فسمعهم أحد المخبرين، وتم القبض عليهما وفى النيابة وقف إلى جانبهم المحقق الذى كان شرب ماء الأخلاق،، فتحولت القضية للنائب العام، وأوشك الحكم عليهم بالإعدام، ولكن بعد المرافعة التي تقدّم بها الرجل، حصلا على البراءة، واُطلق سراحهما، وخرجا من المحكمة محمولين على الأكتاف والناس تهتف "يسقط النفاق والمنافقون، لا نفاق بعد اليوم، يسقط أعداء الأخلاق".