متابعة: رانيا نبيل – محمد مختار – أحمد مجدى نظم حزب التجمع احتفالية فى حب دكتور رفعت السعيد، وحضرها شباب وقيادت الحزب وتلاميذ السعيد، وأفراد أسرته، وعدد من المفكرين والمثقفين والسياسيين، والقس يعقوب وليام نائباً عن إيبارشية الزقازيق بالشرقية. بدأ الاحتفال بعرض فيلم تسجيلي عن حياة رفعت السعيد وعدد من لقاءاته السياسية والدينية والدولية، ولقاءات تليفزيونية ومؤلفاته، وأهم المحطات فى حياته العملية والعلمية والسياسية وتاريخه النضالي أعدته عضو التجمع مارسيل سمير.. وقال الكاتب الصحفى نبيل زكي فى تكريمه للاحتفالية إن الدكتور رفعت السعيد، عرف كيف يملك القدرة على أن يحقق ما يتطلبه عشقه لوطنه من جهود وتضحيات حتى لو كان ذلك فوق طاقته وحتى لو كان هذا الطريق ممتلئا بالصعاب. وأوضح "زكي" دور رفعت السعيد فى كشف حقيقة جماعة الإخوان بتوقعاته السياسية التي أثبت الواقع صدقها. وأعلن نبيل زكي استقبال الحزب لرسالة من جامعة أثينا العالمية تؤكد أن الجامعة أعلنت عن درجة علمية تحمل اسم الراحل رفعت السعيد، وهي درجة "أستاذ كرسي" والتى ستمنح للطلاب المتفوقين. من جانبه تحدث الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، الذي عبر عن مدى حزنه الشديد لفراق صديقه رفعت السعيد والذي قال "إن حزب التجمع بدون رفعت السعيد وحش، ولكن العزاء فى اللي رباهم". وتابع عصفور: "أنا فى رقبتي دين خاص لرفعت السعيد، كنت أحبه وأعتبره أستاذاً حقيقياً، وأول مرة عرفت الإشتراكية والحركات الشيوعية كانت من كتابات رفعت السعيد، فقد كان موسوعة معارف مُذهلة". وتابع: رفعت السعيد على عكس لا بأس به من الشيوعيين، فقد أدرك مبكراً أن القضية ليست المحاربة من أجل تطبيق العدالة الاجتماعية فحسب، فإن القضية الأهم هي محاربة تحرير العقل الذي ينبغي أن يتم أولاً لكي يتحرر الإنسان لكي يستطيع أن يحرر من حوله ليحقق معهم الحرية والعدل، وكان من الطبيعي جداً أن يصطدم بالتيار الإسلامي، فكان السعيد عبقرياً بشكل فذ، فهو من أطلق عليهم "المتأسلمون" ونحن كسياسيين ومفكرين وخبراء ومثقفين أخذنا عنه هذا الإصطلاح والصيغة الفعلية "التأسلم"، وكانت عبقرية السعيد فى الاختيار حقاً واختيار قضية "التأسلم" السياسي وليس الإسلام العادي، بينما المبالغة وإدعاء الإسلام فى وقت واحد. فالتأسلم هو الانتساب إلى صيغة إسلامية لا تبتعد كثيراً عن سلفية ابن تيمية فى القرنين ال7 وال8 هجرياً وهما القرنان اللذان كان العالم الإسلامي يواجه فيهما أخطارا خارجية واضطر رجال الدين لأقصى درجة من التشدد وهو التشدد الذي وصل لذروته فى أفكار وفقه ابن تيمية، وهو الفقه الذي يعتنقه الآن الجماعات السلفية وهو الفكر الذي يجرم ويكفر من يُحيي المسيحيين أو يهنئهم. تحذيرات السعيد الأخيرة رفعت السعيد حذر من أن جماعة الإخوان المسلمين ليسوا وحدهم الخطر، إنما أي فكر إسلامي يتأسلم هو أيضاً خطر، وكان السعيد يرى أن مواجهة هذا الفكر المتطرف يكمن فى توعية المواطنين وتبصيرهم بخطورة هذا النوع من التأسلم السياسي سواء كانوا إخوانا أو سلفيين، ومن هنا كان السعيد منبراً أساسيا من منابر التنوير فى هذه القضية، وقد كشف السعيد فى آخر كتاب له عن الإخوان المتأسلمين أسراراً عديدة عن المعاملة الخاصة التي كان يُعامل بها سيد قطب فى السجن قبل الحكم عليه بالإعدام فى حين كان يعامل الشيوعيون معاملة سيئة تماماً، وعندما دخل سيد قطب السجن دخل بنوع من التكريم والتشريف، وهو ما دفع الشيوعيين يتساءلون عن هذا الشخص الجديد الذي يُعامل بكل هذا التكريم، إلى أن عرفوا ما السبب ومن المسئول وراء هذه المعاملة. وتابع عصفور، أن رفعت السعيد لم يتوقف عن تحليل هذه الجماعات وفكرها الظلامي الذي تركزت عناصره التي فى جملة واحدة وهي "العداء للدولة المدنية والديمقراطية والحديثة"، وقد حلل السعيد كل عنصر منها فى العديد من كتاباته، وقام بالتعريب عن كل الذين كتبوا عن التنوير بدءًا من الأوائل حتى آخر واحد منهم وآخرها مقال كتبه عن فخري كريم الكردي عن الإخوان المسلمين. فلم يكن رفعت السعيد يقتصر عن المعنى الضيق للفكر الشيوعي إنما كان يرى أن تحرير الإنسان يبدأ من تحرير العقل خصوصاً فى دولة فقيرة ومتخلفة، ومن ثم إذا أردنا أن نعيد العقول إلى صوابها فينبغي أن نواجه هذا بشدة ونقوم بالتنوير الفكري بكل معاني الكلمة ويعتبر هذا التنوير هو المقدمة البديهية لتوعية الناس بمعنى العدل والحرية والكرامة الإنسانية. تعلمنا من رفعت السعيد قال سيد عبد العال رئيس حزب التجمع، إن رفعت السعيد الذي وحد الناس فى حياته استطاع أن يوحدهم فى عزائه وفى يوم الاحتفال بذكراه، لذلك احتفت به أطياف الفكر الاقتصادي والسياسي كافة. وأضاف "عبد العال" أن رفعت السعيد ورفاقه من المناضلين الكبار هم المؤسسون الحقيقيون لحزب التجمع، وكنا مجموعة من الشباب الحالمين بالعدالة الاجتماعية فلم نجد إلا خالد محيي الدين والسعيد ورفاقهم الذين أعجبنا كثيرًا بانحيازهم الواضح لقضايا الوطن والعدالة الاجتماعية، ورفضهم الكامل للصهيونية والتبعية والتمييز بين المواطنين المصريين على أي مستوى، فالتجمع يؤمن كما كان يقول رفعت السعيد دائمًا أنه لا فرق بين رجل وامرأة أو مسلم ومسيحي، أو بحراوي وصعيدي فالجميع مصريون لهم نفس الحقوق. وأكد رئيس التجمع أنه عندما تم انتخابه رئيسا للحزب كان متاكدًا أن هناك كثيرين من زملائه وقياداته من هم أقدر منه بالمسئولية ولكن اختياره وضعه فى موضع المسئولية وهو ما جعله يستعين بخبرات رفعت السعيد والذي كان يجتمع معه يوميا لمدة ساعة للنقاش حول جميع القضايا وكانت المناقشات تتسم بالاتفاق والاختلاف دائما وهو الأمر الذي تعلمته من السعيد انك عندما تكون فى موقع القائد يجب ان تعتاد على التراجع والتوافق مع الزملاء إذا كان هناك رأي آخر. وذكر "عبد العال" إن السعيد علمنا حين كنا شبابا أنه لا يمكن مواجهة الفساد فى مصر إلا عبر الربط بينه وبين الإرهاب لأن الأمرين وجهان لعملة واحدة، وهو من نبهنا من البداية أن الإرهاب ليس الرصاص فقط ولكنه يبدأ افكارًا، وعلمنا ان الصمود فى مواجهة الصعاب هو أفضل طريق لمواجهة الإرهاب والفساد، مضيفًا أن رفعت السعيد كان ملتزمًا دائما بأن المعركة مع الإرهاب معركة أساسية تتعلق بالوطن ولا يجب أن نتركها، وأن الاخوان المسلمين كاذبون حتى وإن بدوا غير ذلك. واختتم رئيس الحزب أن كل عضو فى حزب التجمع كان مرتبطا بعلاقة شخصية فريدة مع الدكتور رفعت السعيد، فالرجل كان دائمًا يفتح بابه أمام الجميع فى كافة الأمور حتى الشخصية، فهو كان معادلة صعبة فأنت تستطيع أن تختلف معه بشدة فيسمعك ويلين مع الإصرار على وجهة نظره، خاصة إن كان يرى أن رأيك ليس فى صالح الوطن، وكان السعيد دائما يؤكد على المعادلة التي صاغها بعناية اننا يجب ان نكون ضد الفساد والإرهاب فى آن واحد لنحمي مصر. ظاهرة تحتاج لدراسة وتحدث الدكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ، خلال الاحتفالية، أنه من الصعب جداً أن يزور أي إنسان حزب التجمع بعد رحيل رفعت السعيد، ومن الأصعب الحديث حول السعيد كمؤرخ فى غيابه، لأنه كان مؤرخا وظاهرة تستحق الدراسة، خاصة أن دراسته الأولى لم تكن التاريخ لكنه تحول للتاريخ وحصل على الدكتوراه فيها فى كتابات متعددة سياسية وصحفية ومتنوعة، وأصبح الهم الأكبر للسعيد هي الكتابة فى التاريخ لدرجة لفتت الأنظار له، وبرزت كتاباته حتى فى جريدة الأهالي عندما اختبار تبويبا لمقاله الأسبوعي باسم "صفحة من تاريخ مصر" وهو أمر مثير للنقاش، وكان منهجه فى هذا العمود فى غاية الأهمية، فقبل ذلك كانت هناك عزلة بين المؤرخين والمجتمع ويتحصن المؤرخ بمجاله، حتى تغيرت الأمور بعد ذلك فى 1968 وبدأ المؤرخ ينزل للشارع ويحاور المواطنين وهذا ما طبقه رفعت السعيد بشكل جيد وبدأ فى قراءة الحاضر فى ضوء الماضي وقليلون جداً من يمتلكون هذه الرؤية، ولا نستطيع تناول رفعت السعيد إلا فى ضوء جيل الستينيات وتتبع ما حدث لهذا الجيل من بعد هزيمة 67، وكافة الكتب التي خرجت فى هذه الفترة تستحق الدراسة. فنجد أن السعيد عن جدارة هو مؤرخ اليسار المصري عن حق، سواء من خلال رسائله فى الدكتوراه أو أعماله وموسوعته أو الدراسات التي كتبها حتى عن تاريخ الصحافة اليسارية، وأصبح السعيد مصدراً لمعظم الباحثين الأجانب الذين عملوا فى هذه الحركات. انتقاده لليسار وتابع عفيفى قائلاً: إن السعيد انتقد الطرف المحايد من بعض تيارات اليسار من القضية الفلسطينية، ولم يكن اليسار هو مجمل اهتمامات السعيد السياسية، وكان من الكتابات الهامة جداً عن رموز التنوير فى مصر والإسهام الكبير فى دراسة الجماعات الإسلامية المتطرفة وهو عمل فى تأريخ هذه الجماعات وهو من أوائل من تنبأوا بسقوط هذه الجماعات مبكراً جداً، وذلك من وجهة نظر تاريخية، وطرح تساؤلاً عن عدم اختفاء هذه الجماعات رغم سقوطها. وتابع: أن السعيد بحسه السياسي والصحفى نقل قضيته فى محاربة المتأسلمين والمتطرفين إلى معارك تاريخية وجدل واسع جداً. وتساءل محمد عفيفى حول هل المؤرخ عندما يعمل فى الميدان السياسي فى صالحه أم ضده؟ وفى الحقيقة هذا الأمر ليس فى صالح المؤرخ، لأن الناس أحياناً تهتم بالإنتاج السياسي عكس الإنتاج التاريخي، وهو أمر وقع فيه الكثيرون، لكن رفعت السعيد تأثر كثيراً بالزعماء كما كان يقول سعد زغلول "هل من واقعة نحن لها" أعمال السعيد التاريخية فى غاية الأهمية لكن ربما لم تأخذ الحظ الكامل فى المعارك السياسية. تراث وقالت الكاتبة الصحفية فريدة النقاش، إن الراحل الدكتور رفعت السعيد دأب على الكتابة بحب عن الراحلين من حزبنا "حزب التجمع"، ومن الأصدقاء والصديقات، متابعة حتى أن البعض منهم كان يطلب وهو على قيد الحياة أن يكتب رفعت السعيد رثاءه بعد الموت كما لو أنه هو "رفعت السعيد"، لن يموت أبدًا، ولكن الموت علينا حق. وأضافت "النقاش"، أن الحديث عن التراث الفكرى لرفعت السعيد بالغ الصعوبة، فهو بالغ الثراء والتنوع الذى تركه لنا، مضيفة أن هذا التراث سيتبقى لزمن طويل موضوعًا للدراسة والبحث، وسوف نكتشف فيه كل يوم مناطق جديدة يتغنى بها الجدل حول مستقبلنا، وذلك سواء اتفقنا أو اختلفنا مع الرؤى والأفكار فيها. وتابعت، أن مناقشتى المتواصلة مع رفعت السعيد كانت حول موضوع انشغل به ولأكثر من ربع قرن وهو يقرأ ويحلل الأفكار الأساسية لمن اطلق عليهم "المتأسلمين"، قائلة وأنا اسميهم "دعاة اليمين الدينى"، وذلك حول مفهوم وصحيح الدين الذى استخدمه فى كل كتاباته عن المتأسلمين بداية من حسن البنا، والذى كتب عنه كتابًا تأسيسيًا مازال يُطبع ويوزع حتى الآن، وصولا إلى محمد مرسى الذى وجه له مجموعة من الرسائل فى العام الذى تولى فيه الأخير رئاسة الجمهورية، مواصلا التعامل مع الواقع القائم على اعتبار أن السياسة هى فن الممكن وعلى من يتشوقون لتغيير الواقع للأفضل أن يستخدموا كل ما هو متاح ويقربهم من هدفهم. وكشفت "النقاش"، أنه تبين لنا هشاشة مفهوم "صحيح الدين" إذا ما أدرجناه فى سياق الصراع الاجتماعى السياسى، مضيفة، وحينها نكتشف فيه وجهًا أخر لإدعاء "الإخوان" أنهم هم المسلمون، وإدعاء الجماعات الدينية المسلحة الأخرى أنها هى التى تمتلك صحيح الإسلام، وتكفر الآخرين من التيارات والقوى التى تمارس السياسة تحت راية الدين وفى يقينها هى الأخرى أنها وحدها هى التى تملك صحيح الدين، قائلة: وأما تكفير الآخرين من الخصوم الذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة، ويدافعون عن العلمانية التى تولى اليمين الدينى تشويهها، فهو أمر مفروغ منه. صحيح الدين وأكدت، أن الدين كله صحيح بالنسبة للمؤمنين به، والذين لا تتشكل رؤاهم وأفكارهم ومواقفهم انطلاقًا من الدين وحده حتى ولو أعلنوا ذلك، بل إن الموقع الاجتماعى والمصالح التى ترتبط به يسهمان بقوة أيضًا فى هذا التشكيل حتى وإن أنكروا هم ذلك، متابعة أن ذلك يدلنا على الفروق الجزرية بين القراءة الحرفية للنصوص الدينية، والقراءة النقدية التى تضع النصوص فى سياق كما فعل علماء الإسلام الكبار حين وضعوا عشرات الكتب عن أسباب النزول. ولفتت "النقاش"، إلى أنه عند التطرق إلى موسوعته عن تاريخ الحركة الشيوعية، والتى بذل فيها جهدًا خارقًا، وكان عبئا أكبر من أن يتحمله فرد كل على أثقاله كما كتبهم، ولكنه تحمل وحفظ هذا التاريخ الثرى من الضياع، ومن مؤامرات القوى الرجعية المذعورة من النهوض الشعبى والتى خططت لطمسه.. وأضافت أن رفعت السعيد كتب أيضًا مرارًا عن ما وصفه بالاشتراكية الحقة، وكأنه يقدم وجهًا آخر لفكرة صحيح الدين، فوقع فى المعيارية، وكانت هذه المعيارية التى رأت فى تجربة الاتحاد السوفيتى الإشتراكية الحقة، قد ضيقت ساحة النقاش حتى أن كثيرين من الإشتراكيين تجنبوا توجيه أى نقد لها رغم الأخطاء الفادحة والظاهرة فيها، وهى التجربة التى أذهلتهم سقوطها السهل بعد ذلك.. وقالت، إن تاريخ الحركة الشيوعية المصرية الذى حققه رفعت السعيد فى عدة أجزاء مع الماضى "وإن كان قريبًا"، فإنه أضاء لكل من المناضلين من أجل الإشتراكية، وكذلك للباحثين فى تاريخ مصر الحديث مناطق جديدة عبر منهجه فى معالجة التاريخ باعتباره من صنع الجماهير، وبحث فى تاريخ مصر الحديث من وجهة نظر الجماهير لاكتشاف. العلاقة بالجماهير وأكدت أن العلاقة بالجماهير ظلت هى بوصلة رفعت السعيد، وهى العامل الحاكم والمرشد الهادى لتحليله لأدوار الفئات المختلفة من الطبقة الوسطى وتذبذباتها، موضحة أنه هو الذى عالج كثيرًا موضوع المثقفين وتحولاتهم، وهى قضية انشغل بها حاضر الصراع المحتدم حتى الآن حول مستقبل مصر، والتى كان العالم كله قد انشغل بها وخاصة فى مراحل الانتقال. وتابعت "النقاش"، ان رفعت السعيد الباحث والمفكر والمناضل، ترك لنا تراثا هائلا وغنيًا مثل غنى حياته العملية بما فيها حتى سنوات السجن الطويل والتعذيب، وذلك ليكون بوسعنا أن نستخلص من كل هذا جدول أعمال كبيرا نضعه نصب أعيننا ونحن نكافح من أجل أهداف الموجات الثورية الأخيرة "عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة انسانية – دولة مدنية". عاشق لمصر من جانبه قال حسام بدراوي إنه لم يحضر لمشاركة الحزن والألم على فقدان رفعت السعيد ولكن للاحتفال والبهجة بذكرى رفعت السعيد وابتسامته المميزة، وشغفه بما يقتنع به، وقوة حجته فى النقاش وعشقه لمصر وتاريخها وشعبها وحضارتها، مضيفا أنه تعرف على السعيد فى بداية التسعينيات، عندما كانوا شركاء إحدى الحلقات فى برنامج تلفزيوني، تأخرت على الموعد لأنني كنت أجري عملية ولادة لإحدى الحالات، وعندما علم السعيد بسبب تأخري فانقلب غضبه من تأخري إلى ابتسامة وقال إنه يحترم أنني وضعت عملي كطبيب فوق أي اعتبار، ومنذ هذه اللحظة بدأت صداقتي بالدكتور رفعت. وأضاف "بدراوي" أذكر أنه فى عام 1995 كنت مرشحًا مستقلًا لانتخابات البرلمان فى مواجهة مرشح من الحزب الوطني وإسماعيل سراج الدين من الوفد، ورئيس حزب التجمع الحالي سيد عبد العال، وفزت فى الجولة الأولى مكتسحًا فى عدد الأصوات ولكنني فوجئت برفعت السعيد يقول لي، سوف تسقط فى الجولة الثانية ولم أعرف كيف قرأ المشهد ولكنه وصفه بعناية شديدة وقال إن حزب الوفد عقد صفقة مع الرئيس للاستحواذ على الدائرة وهو ما حدث تمامًا، ومنذ ذلك الحين وأنا أعتبر ان الدكتور خبرة كبيرة بل كنت ألجأ إليه بالنصيحة فى الأمور التي لا أجد لها حلًا، وهو ما حدث عندما وقع الاختيار على فى 4 فبراير 2011 لأكون امينًا عامًا للحزب الوطني وكانت أسرتي منقسمة حول القبول والاعتذار فاتصلت برفعت السعيد وقال لي اقبل فأنت من الممكن أن تحاول أن تنقذ الاوضاع وان لم تقبل سيأتي غيرك ربما يعصف بمصر أكثر من ذلك وكان رأيه هو الذي رجح اختياري ولكن الوقت لم يسعفنا للتصرف فيما بعد. وقال "بدراوي" أذكر أحد المواقف الحكيمة للدكتور رفعت السعيد، عندما كنت أجلس معه فى وجود ابو زوجتي اللواء حسن أبوباشا وزير الداخلية الأسبق، وكنت رئيسًا للجنة التعليم فى البرلمان وتلك اللجنة بها 17 عضوا من جماعة الإخوان المسلمين وكنت أحكي عنهم، فالتفت السعيد وقال لي: "لا تقبل يا حسام أي وساطة بين الإخوان والدولة، فهم دائمًا كاذبون وسيستغلونك سياسيًا"، ولكنني تعجبت من كلامه، لكن وكأنه يقرأ الغيب فوجئت بمحمد مرسي والذي أصبح فيما بعد رئيسا لمصر، يجيء لي ويطلب مني التوسط لجماعة الإخوان المسلمين لدى جمال مبارك لأنهم ينوون تأييده للرئاسة فتذكرت كلام الدكتور ورفضت على الفور ولكن تعجبت مما قاله السعيد فيما بعد ولم أفهم كيف قرأ المشهد قبل أن يحدث هكذا. واختتم بدراوي كلامه قائلًا، إننا لن ننسى الإنسان، المؤرخ، الكاتب، الموسوعة، السياسي المحنك، الصديق الذي لا مثيل له، بل سيعيش معنا بما فعل وبما قال، فقد كان فى تناسق حقيقي بين ما يقول وما يفعل، وتناسق إنساني بين ما يعتقد وما يكتب. الفتن الطائفية وقال الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ المعاصر، إن رفعت السعيد دخل مدرسة التأريخ من خلال منهج التفسير التاريخى والمادية الجدلية، موضحًا أنه فى مقدمات الكتب التى كان يكتبها، كان يتحدث بأنه بعد أن أصبح عضوًا فى هذه الحركة، يريد أن يعرف طريقة الوصول إلى أبعد الأسئلة حول هذه القضايا، مشيرًا إلى أنه من خلال المتابعة لما كتبه رفعت السعيد، فهو كان نموذجا للباحث المبتسم. وتابع الدسوقى، إنه عندما أصبح سياسيًا مسئولا عن مواقف وله العديد من الكتابات، فهو لم يتخل عن المفهوم الخاص به، موضحا أنه من هذا المنطلق تصادم مع العديد من الكتابات الأخرى والتى كان أصحابها وهم تحت جناح السلطة السياسية، قائلا إن رفعت السعيد كان نموذجا للإنسان الذى يتميز بالاستقامة، وتحمل العديد من المواقف المعادية له، وذلك من خلال مواقفه من الفتن الطائفية والتأسلم السياسى، موضحًا أنه كان مشغولا بهذه القضية وقد نظم فى حزب التجمع مؤتمرًا عن الوحدة الوطنية، وظل باستمرار يشعر بالقلق من حوادث الفتنة فى مصر، وحتى أيامه الأخيرة ظل يدافع ضدها. وأضاف أستاذ التاريخ المعاصر، أنه فى عام 1990، شارك رفعت السعيد فى تأسيس جمعية للدفاع عن الوحدة الوطنية، وهو من اقترح تسميتها جمعية دراسات الوحدة الوطنية، واختتم قائلا، أن رفعت السعيد لديه علم ينتفع به وهى أعظم صدقة جارية من الممكن أن تقدم للأجيال القادمة. قال المناصل اليساري المخضرم جمال غالي ان رفعت السعيد اصغر سنا منه، ومع ذلك كان يتميز بقدرات قيادية غير عادية. وروي جمال غالي كيف انه فى مطلع الخمسينيات تم طبع 300 نسخة من منشور ثوري، وقام اعضاء التنظيم اليساري السري بتوزيع مائة نسخة فقط من هذا المنشور فى احد المواقع الهامة، ولكن رفعت السعيد دعا إلى توزيع كل المنشورات بلا تردد مهما كانت النتائج فى هذا الموقع مما ترتب عليه ان اكبر عدد من الناس بل اكثر من الثلثمائة قرأوا هذا المنشور، وكان ذلك فى مدينة رأس البر الساحلية. جرس إنذار فى كلمته قال نبيل زكى، إن رفعت السعيد كان عاشقًا لهذا البلد، وكان يستشهد بكلمات رفاعة الطهطاوى عن مصر صانعة الحضارات، موضحًا أن مساهماته الفكرية القيمة فى معركة التنوير ستظل باقية مع الزمن، متابعًا أن البعض قال فى وقت مبكر أنه يبالغ فى التحذير من خطورة الجماعة الإرهابية وإنه لا داعى لهذه المبالغة، بل وصل البعض إلى ما هو أبعد من ذلك إلى مخاطبة رفعت السعيد بأن جماعة الإخوان المسلمين هى جزء من النسيج الوطنى، ولكنه ومع ذلك فقد اكتشف هؤلاء متأخرًا، أن رفعت السعيد كان يدق أجراس الخطر، وكان يُعلن نوبة صحيان، لكى نقف على أهبة الاستعداد لمواجهة هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الوطن أو الوطنية، وهم لا يعترفون فقط بالمواطنة أو التعددية أو الدولة المدنية، ولكنهم أيضا لا يعترفون بالوطن، مستشهدًا بتصريحات المرشد العام السابق فى هذا الإطار. وتابع "زكى"، أن خصومه قبل أصدقائه شهدوا بأن كلماته ومداخلاته البرلمانية كانت القول الفصل وصوت الحكمة والتتويج الحر لمناقشات صاخبة وجدل ساخر، مؤكدًا أن كلماته كانت صوت الضمير الوطنى الذى يحسم كل نقاش، لافتًا إلى أن صموده وشجاعته خلال سنوات الاعتقال الطويلة كانت تضرب الأمثال، وقد لعب رفعت السعيد دورًا بارزًا فى إحياء ذاكرة الوطنية وله العديد من المؤلفات فى هذا المجال، مضيفًا أنه أشاد بالرعيل الأول من رواد التنوير، وقدمهم للمصريين أفضل تقديم بحب وعشق لهؤلاء الذين ساهموا فى بناء العقل المصرى. حزب التجمع وأضاف، أن حياة رفعت السعيد ثرية تطلق إشعاعاتها فى كل اتجاه وعلى كل من حوله وتشع بأضوائها إلى ما لا نهاية، لافتًا إلى أنه عرف كيف يملك القدرة على أن يحقق ما يتطلبه عشقه لوطنه من جهود وتضحيات حتى ولو كان ذلك فوق طاقته، قائلًا، كم كان صعبًا هذا الطريق الممتلئ بعطر العشق للوطن والفكرة والناس والمستقبل، وأن رفعت السعيد كان يقول أن هذا العشق المتجدد لمصر، هو الذى منحه القدرة على احتمال ما لا يحتمل، متابعًا أنه يتعفف عن ملذات الحياة الدنيا، وفى نفس الوقت يتغنى بذلك وبحسب تعبيره هو ب "العملاق المحلق فى أعماق التاريخ الراسخ للزمن الجامع المانع المتألق المسمى مصر". وعن علاقته وحزب التجمع، قال زكى، إن رفعت السعيد كان له تشبيه رائع يعتبر درسًا فى الحياة السياسية، وهو أن الرئيس السادات عندما أطلق حزب التجمع، كان الحزب أشبه بعصفور ساقه مربوطة بخيط مشدود فى يد السادات، حيث فسر ذلك بأن الطائر عندما يحلق والمقصود به حزب التجمع، فسوف يكتسب خبرات وقدرات تتجاوز بكثير جدًا ما يراهن عليه هذا الممسك بالخيط، موضحا أن هذا ما حدث ونجح رهان رفعت السعيد.