تابع المصريون انتخابات المدير العام الجديد لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو" والتي تأسست عام 1945 وتضم في عضويتها 139 عضوا، بنفس الشغف والاهتمام الذي يتابعون به مباريات الفريق القومي لكرة القدم! . لقد تحولت المعركة الانتخابية لمنظمة هدفها الرئيسي هو "المساهمة بإحلال السلام والأمن عن طريق رفع مستوى التعاون بين دول العالم في مجالات التربية والتعليم والثقافة لإحلال الاحترام العالمي للعدالة ولسيادة القانون ولحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية". وذلك عبر خمسة برامج أساسية هي "التربية والتعليم العلوم الطبيعية العلوم الإنسانية والاجتماعية الثقافة الاتصالات والاعلام، ودعم مشاريع محو الأمية والتدريب التقني، وبرامج تأهيل وتدريب المعلمين وبرامج العلوم العالمية والمشاريع الثقافية والتاريخية واتفاقات التعاون العالمي للحفاظ على الحضارة العالمية والتراث الطبيعي (كنموذج إنقاذ آثار النوبة في مصر عند بناء السد العالي وتوجيه اليونسكو في مارس 1960 نداءً إلى العالم للمشاركة المالية والفنية لإنقاذ آثار النوبة ، ومشاركة أكثر من 40 دولة بتقديم إما مساعدات مالية أو المشاركة العملية) ، وحماية حقوق الإنسان . تحولت إلى معركة لعبت فيها السياسة والخلافات والصراعات بين الدول، وكذلك المال واستخدامه في رشوة بعض الحكومات أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة، الدور الرئيسي في ترجيح كفة المرشحين، وبالتالي في الفوز بهذا المنصب الدولي الرفيع. فلو كان انتخاب المدير العام لليونسكو على أساس "السيرة الذاتية للمرشح" فربما كانت الدول الأعضاء في اليونسكو والمجلس التنفيذي انحازت لمرشح قطر "حمد بن عبد العزيز الكواري" دون أن يقلل ذلك من جدارة المرشحين الآخرين " مشيرة خطاب" مرشحة مصر ، و" أودري أزولاي" مرشحة فرنسا، فكلاهما يملك سيرة ذاتية محترمة تؤهلهما لقيادة منظمة اليونسكو. فحمد الكواري حاصل عام 1970 على ليسانس في الدراسات العربية والإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة (متزوج من مصرية) ، وبدأ مسيرته المهنية عام 1972 قائما بأعمال سفارة قطر في لبنان ، ثم سفيرا لقطر في سوريا من 1974 وحتى 1979، انتقل بعدها سفيرا لبلاده في فرنسا حتى عام 1984 هو في نفس الوقت سفيرا غير مقيم لقطر في اليونان وإيطاليا وأسبانيا وسويسرا ، ثم تولى منصب مندوب دولة قطر لدى منظم الأممالمتحدة حتى عام 1990، فسفيرا لبلاده لدى الولاياتالمتحدة حتى عام 1992 ، وعين في نفس العام وزيرا للاعلام والثقافة، واستمر في هذا المنصب الوزاري حتى عام 1997، وخلال هذه الفترة اتخذ عدة قرارات لصالح حرية الاعلام والصحافة في قطر ، فألغى الرقابة على الصحافة والاعلام والطباعة ، وصولا إلى إغلاق وزارة الاعلام ، وشارك في تأسيس " مركز الدوحة لحرية الاعلام عام 2007″ وعين وزيرا للثقافة والفنون والتراث في أول يوليو 2008، وخلال فترة وجوده في وزارة الثقافة ، اختيرت العاصمة القطرية"الدوحة" عاصمة للثقافة العربية عام2010. وخلال وجوده سفيرا لقطر لدى فرنسا ( 19791984) مثل بلاده في منظمة اليونسكو ، وقبل ذلك اختير نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الأربعين ورئيس اللجنة السياسية الخاصة ( اللجنة الرابعة) في دورتها الثانية والأربعين ، وانتخب عام 1987 نائب رئيس لجنة مناهضة التعذيب بالأممالمتحدة ، وترأس حمد الكواري عام 2012 المؤتمر الثالث عشر للأونكتاد ( مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية) ويتقن الكواري ثلاث لغات هي: العربية والإنجليزية والفرنسية. وقد طرحت فكرة ترشحه لموقع مدير عام اليونسكو منذ عام 2015 ، عندما تلقت الجامعة العربية طلبا من قطر أن يكون مرشح العرب لهذا الموقع ، وتلقت أيضا ترشيحا مماثلا من اليمن للدكتور أحمد الصياد ، وقرر مجلس جامعة الدول العربية في 9مارس 2015 إحالة الترشيحين للمجموعة العربية بباريس (وتضم مصر والجزائر والمغرب ولبنان والسودان وقطر وعمان) وتكليفها بمتابعة موقف الترشيحات للمنصب المذكور ، وإفادة مجلس جامعة الدول العربية برؤيتها حول المرشح العربي الأوفر حظا لنيل المنصب بعد اكتمال الترشيحات ، على أن يتخذ مجلس الجامعة قراره في هذا الشأن. وفي أغسطس 2016 أعلن نائب الأمين العام للجامعة العربية " أحمد بن حلي " أن مجلس التعاون الخليجي أبلغه أن القطري " حمد بن عبد العزيز الكواري " هو مرشح المجلس لمنصب مدير عام منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة"اليونسكو". ولكن " تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن". فتدخل النظام الحاكم في قطر في الشئون الداخلية لدول عربية وما نشر عن تمويله لجماعات إرهابية، واستقباله وحمايته لشخصيات متورطة في الإرهاب ، سواء "الاخوان المسلمين" أو ميليشيات شيعية في العراق ، أو هيئة تحرير الشام في سوريا وأحرار الشام الاسلامية ، و" الحوثيون " في اليمن ، مرورا بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية "داعش" ،"إضافة إلى تأييدها إيران في مواجهة دول الخليج، كل ذلك أدى إلى قطع 7 دول عربية لعلاقاتها الدبلوماسية مع قطر ، هي " السعودية الإمارات العربية المتحدةالبحرين مصر ليبيا موريتانيا اليمن" وكذلك جزر المالديف ، وتخفيض كل من الأردن وجيبوتي والسنغال لعلاقاتها الدبلوماسية مع حكومة قطر . وفي ضوء هذه التطورات غيرت دول عربية من موقفها من انتخابات مدير عام اليونسكو فرشحت مصر " مشيرة خطاب" ورشحت العراق " صالح الحسناوي" ورشحت لبنان " فيراخوري" وسحبت العراق مرشحها لصالح مرشحة مصر ( وفعلت الصين نفس الشيء) وسحبت لبنان مرشحها دون أن تعلن تأييدها لأي من المرشحين إلا أن الأصوات الثلاثة التي حصلت عليها مرشحة لبنان لم تذهب لصالح المرشحة المصرية. واستخدمت قطر المال ورشوة المندوبين ودولهم بصورة غير مسبوقة ، لتسقط كافة المعايير الموضوعية في الاختيار لصالح السياسة والمال المشبوه ، رغم أن قطر ظلت متقدمة طوال جولات التصويت الأربع ، والتي حصلت مصر فيها على 18صوتا وهي نفس الأصوات التي حصلت عليها فرنسا ، فقد كان الفوز حليف فرنسا التي أخرجت مصر من السباق في تصويت خاص بين المرشحتين " أودري أزولاي" و" مشيرة خطاب" ، ثم نجحت فرنسا في الجولة الخامسة في الفوز بفارق صوتين (30 مقابل 28). ورغم هذه الهزيمة القطرية المستحقة ، فمعركة اليونسكو تعلمنا دروسا كثيرة ، وتكشف عن الفساد الذي ينخر في جسم عديد من المنظمات الدولية ، سواء كانت ذات طابع سياسي او ثقافي أو رياضي . وقبل ذلك كله تقول لنا أننا كعرب لم نعد " أمة واحدة ذات رسالة خالدة "كما كان يقال في ستينيات القرن الماضي .