استضافت الرياض قمة جمعت الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة يوم 21 مايو الجاري، وهي قمة غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات بين العرب والمسلمين والولايات المتحدة. جاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية فى إطار أول جولة خارجية يقوم بها منذ دخوله البيت الأبيض فى 20 يناير الماضي، بدأها بالسعودية ثم إسرائيل وبيت لحم، ثم الفاتيكان فبروكسل لحضور قمة لحلف « الناتو «، واختتمها بزيارة لإيطاليا لحضور قمة مجموعة السبعة فى الفترة من 25 – 26 مايو الحالي. لم يسبق لرئيس أمريكي ان تكون السعودية وإسرائيل أول زيارات خارجية له، فعادة زيارة حليف غربي وثيق هي التقليد السائد فى البيت الأبيض، إلا ان اختيار ( ترامب) الخروج عن هذه القاعدة ينسجم تماما مع استراتيجية إدارته فى العمل مع إسرائيل من جانب والدول العربية الحليفة والشريكة من جانب آخر للوصول إلى سلام إقليمي حسب المفهوم الأمريكي، يتم فى إطاره التوصل إلى تسوية للقضية الفلسطينية. والوجه الآخر لهذا الطرح الأمريكي يتعلق بتحديد الأعداء والخصوم فى الشرق الأوسط. ومن اليوم الأول، أكدت إدارة ترامب فى العديد من المناسبات ان إيران هي الخصم الذي ينبغي احتواؤه وكذلك الميلشيات والقوي السياسية التي تعمل فى إطار السياسات الإيرانية فى الشرق الأوسط والخليج وشبه الجزيرة العربية، أما العدو فهو الجماعات الإرهابية، وفى مقدمتها « داعش « وجبهة النصرة سابقاً والتي أطلقت على نفسها اسم « فتح الشام « أو أحرار الشام. وقبل وخلال قمة الرياض أسهبت إدارة ترامب فى الحديث عن اهتمامها الكبير بمساعدة الفلسطينيين وإسرائيل على التوصل لاتفاق سلام دون تحديد آليات ذلك، والمرجعيات التي سيستند إليها هذا الاتفاق. ومما هو جدير بالذكر، تحاشي الرئيس الأمريكي عن الحديث عن حل الدولتين، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول شكل الاتفاق الذي تتحدث عنه الإدارة الأمريكية. فى كلمته أمام قمة الرياض تحدث ( ترامب) عن ان السلام ممكن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفى زيارتيه لإسرائيل وبيت لحم حيث التقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تناول الرئيس الأمريكي السلام الممكن بين الطرفين دون الدخول فى تفاصيل، وإن كانت بعض المصادر الأمريكية تتحدث عن إمكانية عقد مؤتمر للسلام فى الشرق الأوسط فى النصف الثاني من العام الجاري، وصرحت مصادر أمريكية أخري انه ربما طرحت الإدارة الأمريكية مبادرة سلام خلال 30 يوماً فى ظل تكتم ملحوظ عن التفاصيل، هذا وإن كانت هناك تفاصيل تم بحثها مع الأطراف المعنية. والحديث يدور عن مجموعة من الأفكار من شأنها حسب الرؤية الأمريكية ان تساعد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على استئناف محادثات السلام بصيغة تفاوضية جديدة،الا وهي تتابع المحادثات فى القضايا المطروحة للبحث، أو مايسمى بقضايا الحل النهائي، وبالتوازي مع جهود أمريكية لحمل الدول العربية الحليفة اتخاذ إجراءات بناء ثقة مع إسرائيل. فعلي سبيل المثال وليس الحصر، فتح المجالات الجوية العربية للطيران المباشر مع إسرائيل. ومما هو جدير بالذكر فى هذا السياق، ان الرئيس ترامب سافر مباشرة من السعودية إلى إسرائيل، فى سابقة من نوعها منذ قيام إسرائيل. وحاولت الحكومة الإسرائيلية وأجهزة الإعلام الإسرائيلية توظيف ذلك للحديث المكرر من جانب الإسرائيليين عن فوائد السلام بين بلدهم والدول العربية. وفى الوقت الذي لا نريد فيه استباق الأحداث والحكم المتسرع على النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية بالنسبة لتسوية القضية الفلسطينية، فاننا نخشي ان نواجه فى المستقبل المرئي خطوات متسارعة حول انشاء هيكل إقليمي يضم إسرائيل والولايات المتحدة من ناحية وبعض الدول العربية من ناحية أخري لاحتواء إيران ودحر الجماعات الإرهابية فى غياب تعامل جاد مع القضية الفلسطينية. وتجدر الإشارة فى هذا الصدد ان اعلان الرياض الذي صدر عن القمة العربية- الإسلامية- الأمريكية تحدث عن إنشاء قوة تحالف استراتيجي فى الشرق الأوسط مع اعلان التفاصيل فى عام 2018، وهي قوة لمن يرغب من الدول العربية والإسلامية. وليس من المستبعد ان تفكر واشنطن فى إيجاد صيغة ما للتعاون بين هذه القوة المقترحة وإسرائيل. بمعني آخر نخشي ان نري استراتيجية أمريكية واضحة المعالم فيما يتعلق بالاندماج الإقليمي بالشرق الأوسط مع استمرار الحديث عن الرغبة والتطلع إلى اتفاق سلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل دون ممارسة الضغوط الكفيلة بدفع إسرائيل للموافقة أولا للعودة إلى مائدة المفاوضات مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة، مثل اعتراف السلطة الفلسطينية بيهودية إسرائيل، ثم ثانية التفاوض الجدي لإبرام أتفاق السلام على اساس قرارات الأممالمتحدة ومبادرة السلام العربية لعام 2002،أي تفعيل صيغة الأرض مقابل السلام،وليس السلام مقابل السلام حسب رؤية اليمين المتطرف فى إسرائيل. السفير حسين هريدى