كان يومًا شاقًا ليس فقط من حرارة الطقس التي قد تقترب من 40 درجة مئوية، بل لأننا سنتحاور مع هؤلاء البسطاء الذين كابدوا الفقر طيلة فترة زمن طويلة، ولايجدون أحدا لكى ينظر إليهم نظرة أمل فى أن يعيشوا حياة كريمه مثل باقى البشر.. إنهم فقراء العصر.. الجهاز المركزى للتعبئه العامة والإحصاء قال فى تقريره الأخير، إن نسبة الفقر العامة فى مصر تقدر ب26.3%، إلا أن إقليم الصعيد يعد الأكثر فقرا داخل الدولة، حيث تتراوح نسب الفقر به 50 فى المئة، ويعيش أكثر من 2 مليون فقير فى مقابر السيدة نفيسة، والنصر، والبساتين، وغيرها بالقاهرة، بحسب آخر إحصائية لجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وأكدت أن سكان المقابر لعام 2015 فى 25 محافظة من محافظات مصر، بلغ عددهم خمسة ملايين مواطن.تجولت "الأهالى" فى بعض مناطق القاهرة لرصد معاناة الفقراء وقاطنى المقابر لا يجد لقمة تجولت "الأهالى" فى حى الدلتا للبحث عن البسطاء لنروى مشاكلهم ونبحث لهم عن حلول، فقبلنا عم "عزت عبدالمنعم"51 عاما بائع خبز يقطن بشقة غرفتين هو وأخوه، مطلق ولم يعل أطفالا، ففى النظرة الأولى له تشعر بالسعاده لأن تجاعيد وجهه لم يطفيها الفقر فتغطى ضحكته المبتسمة الممزوجة بالرضا والإيمان، يقضى يومه بالكامل على "الرصيف" جالس على مقعد متحرك، فهو معاق وتم بتر ساقه الأيمن بسبب مرض السكر الذى أصابه منذ عشر سنوات، كان متزوجًا وتم الطلاق منذ فتره طويله، ومصدر رزقه الوحيد هو بيع الخبز البلدى والمساعدات الخيرية وعلى حد قوله "ذهبت إلى أحد الجوامع لكى يساعدونى ماديا وصحياَ ولكن لم يساعدنى أحد"فالمساعد ربنا" ولم يوجد لدى أى مصدر رزق آخر ولاحتى معاش شهرى لأننى كنت بائع أدوات نظافه، وذهبت لعدة مستشفيات وجمعيات خيرية لكى أتعالج ولكن لاحياة لمن تنادى وأعرب عبد المنعم، أن كل ما اتمناه هو جهاز طرف صناعى لقدمى، ويصرف لى معاش حتى ولو بسيط لأن الزلة إلى الناس بتوجع القلب" نورة.. بدون علاج من عم عزت لأم نورة، سيدة مسنة قاطنة بحى السلام بيتها المتهالك يروى قصتها تعيش بمنزل به غرفتين إحداهما ترقد فيها ابنتها"نورة" فهى مسنة لاتجد من يحتويها بالرعاية الصحية ولكن كتب عليها أن تخدم ابنتها "نورة"الفتاة التى تبلغ من العمر 38 عاما فهى أكبر أخواتها، فهى تعد من الأموات ولكن تعيش فى هذه الحياة ولكن ليس بمفردها فهى تعيش بالفقر والمرض معاَ، فهى مصابة بجلطة فى المخ مع ضمور عضلات المخ وتليف بالكبد فى على حد وصف والدتها تدعى "سعدية على"من مواليد 1950 أنا أبنتى تعيش بنبض القلب فقط فجميع أجهزة جسدها تالفة مصدر رزقى هو معاش زوجى الذى يبلغ 611 جنيها شهريا فقط وابنتى تحتاج لدواء ب300 جنيه شهريًا غير تكاليف متعلقتها الشخصيه، فهى تحتاج إلى ب100 جنيه حفاضات وغذاء، فهى تعيش بمعاش زوجها المتوفى منذ أكثر من عشر سنوات وايضاَ تعيش على بعض من المساعدات الخيرية من الجيران، وأعربت أم نورة عن أن كل ماتتمناه هو توفير الرعايا الصحية لابنتها لأنها من المفترض أن تتعالج "علاج طبيعي" ولكن الظروف الماديه أكبر من العلاج. فقر ومرض توجهنا بعد ذلك إلى منزل السيدة"رضا منصور" والشهرة "أم كمونة" فهذه السيدة مشهورة جيدًا بفقرها بين جيرانها، فمنزلها المتهالك عبارة عن "عشة" تجتاحه القمامة من خارجه وعفش متهالك من داخله عبارة عن سرير خشبى متهالك أطرافه ودوره مياه لاتصلح للاستخدام الآدمى، ومطبخ به بوتاجاز لايعمل ولاتوجد ثلاجة ولاغسالة، فعندما طرقنا بابها الخشبى المتهالك، وانتظرنا كثيرا ففتحت لنا سيدة ذات جلباب لبنى عيونها منتفخة فاعتذرنا لها عن قدومنا فى هذا الموعد نظرًا لأنها كانت غارقة فى السبات، وعلى حد قولها إحنا بنام للتخلص من وجع المرض ووجع الجوع فدموعها انهالت على وجنتيها قائلة: أنا مريضة منذ أكثر من 5 سنوات بمرض القلب وتصلب الشرايين متزوجة وزوجى مسن يبلغ من العمر 88 عامًا وهو مصاب بالشلل ولدى ولد يدعى سيد عمره 19 عاما وهو أيضا مريض بالرئة ولم يقدر على تحمل متاعب الشغل فهو يحتاج من يعالجه ووصفت أم"سيد" منزلها "بالخرابة" نظرا لشدة تهالكه ورائحته التى لايطيق إنسان أن يعيش فيها، فقالت: نحن نعيش أنا وزوجى المريض وابنى على"معاش مبارك" الذى لايتعدى ال300 جنيه شهريًا فنحن نفطر يوميًا ب3 جنيهات فأذهب كل يوم للمطعم اشترى 3 ساندوتشات تحت الحساب وفى نصف اليوم ممكن اشترى "قطعه جبن" من السوبر ماركت تحت الحساب أيضاٌ فأنا أحتاج إلى عمليه زراعة صمام فى القلب وسوف أجريها على نفقة الدولة ولكن كل ما أحتاجه مبلغ 800 جنيه لإجراء الفحوصات الطبية قبل إجراء العملية.. وعندما سألناها عن الحكومة والبرلمان والقرض الدولي وأسعار الدولار ضحكت وقال: "لا اعرف عنهم شيئًا". منزل بلا دفئ دمعة شاردة وتغيب عن التفكير وذهول فى وجه "أم محمد" عند بدء الحديث معها تجاعيد وجهها تروى أساطير وحكايات ترتدى جلباب أسود وخمار ملون يغطى على حزن عينيها تبلغ من العمر 74 عاما إحدى قاطنى حى مدينة السلام تبدأ حكايتها منذ بداية ولادتها فى هذه الأرض بالرغم من أنها أم لثلاثة أبناء ولكن تعيش وحيدة "فالوحدة أفظع من الفقر" ولكن ترى هذه السيدة تعيش وحيدة فقيرة لديها بنات متزوجات وولد، أما عن الآخر فلم يبتسم له القدر فهو مريض نفسيًا وعصبيًا بمستشفى الأمراض العقلية. عند التحدث مع "أم محمد" تشعر بعجز لسانها عن النطق ووبدأت حديثها "دة الصبر مرار والناس صبار" فهذه الأم من المؤكد وراء حزنها سبب عميق بداخل قلبها فابنتها لم تكن باره بها فلاتسأل عليها ولاتزورها وإذا توجعت الأم لا تتصل بأبنتها بل تأتى إلى جرانها لكى يسعفوها.. منزلها بسيط بابه محاط بغبار الزمن وصفته "أم محمد" على قولها "كنت بقفل الباب على بناتي بطوبة" مملوء بمقاعد خشبية مضى عليها زمن طويل والأرض مفروشة بقصاقيص من القماش فهذه السيدة لا تملك حيلة للعيش الكريم فكانت تعمل ممرضة بأحد مستشفيات التامين الصحى ولاتملك مصدرًا، واجهت هذا الفقر بشراء الخضار المتبقى من البائع لأنه رخيص الثمن مثل "الخيار المكسر" أما عن اللحمة فكانت مثل العيد تأتى فى العام مرتين، تنهيدة فى كلمات "أم محمد" مع دموع متفرقة فى الحديث وتتمتم بكلمات أعتقد إنها شكر وثناء لله فعجبا لوجهك "ياأم محمد" يحمل الحزن والرضا معًا. فترى إنها سيدة مسنة لاتقدر على قسوة الحياة فهل تقدر على المجتمع فالفقر هو أسوء أشكال العنف. جيران الأموات اتجهت "الأهالى" إلى مقابر السيدة عائشة لبحث حالة الفقراء هناك فعندما تمر من عليها يرتجف جسدك ولكن كيف حال الذين عيشون بجانب الأموات؟ الهدوء الذى يسود المقابر لم يعد فترة طويلة فصراخ أهالى الموتى يجعله ملىء بالتناقض، أطفال متسخة ملابسهم ولكن عيونهم الضاحكة لاتمنعهم من ممارسه اللعب واللهو، قادنى الحديث مع أم سعاد، سيدة تبلغ من العمر 52 عاما أرملة ولديها 4 أبناء جميعهم شهدوا صرخه ميلادهم فى المقابر ولكن الرعب والخوف من ظلام الليل هو أشد من حالة الفقر التى تعانى منها هذه السيدة على حد قولها: أنا بخاف أخرج أبنائى بعد المغرب لأن هناك لصوص وقطاع طرق فنحن نفتقد الأمان والمال ونحن تعبنا كثيرًا من الإعلام لأن كل فتره يأتى لنا أحد بحجة المساعدة ولكن لم نلمس هذه المساعدة فى حياتنا. وتوجهنا إلى "عم فتحى" 48 عاما "تربى" قائلاَ: المقابر هى منزلنا الوحيد ولا يوجد أى مكان آخر يحتضننا نحن من المؤكد نريد أن نعيش مثل باقى البشر داخل منازل بها أبواب لنشعر بالأمان ولكن "ليس باليد حيله" فأنا متزوج ولدى 3 أبناء ولا يوجد مصدر رزق آخر للصرف على أبنائى كل ماأريده مكان يحتضنى أنا وأسرتى.. قادنى الحديث مع السيدة" أم تامر" إلى داخل الحوش المكون من غرفة واحدة مظلمة تشمل "سرير وبوتاجاز وخزانة ملابس خشبية وكنبة متهالكة وبعض الصور المعلقة بالحائط لاولادها وخارجها مرحاض مثير للاشمئزاز وحوض للغسيل وحبل ممتد وسط الغرفة حاملاً بعض الملابس المنشورة" وتعانى الأم الحزينة التي تبلغ من العمر 60 عامًا من أمراض مزمنة كالقلب والسكر والضغط قائلاً: إن المقابر هى المكان الوحيد الذى يصلح أن نقطن بداخله لأننا ليس لنا مكان آخر وأكثر مايقلقنى هم أبنائى لإننى أخاف عليهم من اللصوص وغير الشرفاء نحن نعيش فقط على بعض المساعدات الخيريه "والرحمة".