لم يعد خافيًا علي أحدي هذا الإصلاح الذي يقوم به شيخ الأزهر أ د. أحمد الطّيب في المؤسسة الأزهرية. خاصة التعليم ما قبل الجامعي. لأنّ التدني الذي وصل إليه خريجو كليات اللغة العربية خاصة والكليات الشرعية عامة لا يخفي علي أحد. لأنّ جلّهم لم يؤسس بنيانه جيدًا بسبب عوامل كثيرة لا تخفي علي أحد - أيضًا -. وهؤلاء الخريجون هم الذين يتولون تعليم أبناءنا في معاهدنا الأزهرية وهم أولي الناس بتعليم أبناءنا في مدارسنا العامة والخاصة. وهم أيضًا الذين يتولون إلقاء الكلمات علي مسامعنا عبر الأثيرِ من خلالِ الإذاعة والتلفاز. وجلّهم يتولّي الآن تجديد الخطاب الثّقافي والنّقدي. جنبًا إلي جنبي مع تجديد الخطاب الدّيني. ولو ترك الأمر علي ما كان عليه فالله وحده هو الذي يعلم أبعاد الكارثة التي ستطبق علي هذه الأمة. ونخشي أن تغشانا طوارقها ذات يوم. وقد استحال تراثنا الذي ضَنِيَ به الأوائل خلال خمسة عشر قرنا من الزمان: ألغازًا وطلسماتي. إنّ الإصلاح الذي بدا من المرحلة الابتدائية حتي الثّانوية الأزهرية سيجنبنا الأخطاء اللغوية والنّحوية التي صارت تأخذ علينا الطّرق وتأتينا من كل مكان. وهي أخطاء بشعة مفزعة تشمل كل شئ ¢أخطاء نطقية صوتيّة في المخارج والصفات والأسماء والأعلام. وأخري في البنية. وثالثة في التّراكيب مع ضياع العلامات الإعرابيّة. ورابعة في الدلالة والمعني. وقد يقول قائل: وما دخل اللغة في الإصلاح التربوي. ومحاربة التطرف والغلو ؟. إنّ تفسير أصحاب الفكر المتطرف مبني علي جهلّ تام باللغة العربية وفنونها. ولو فسّرت الكلمة في سياقها الصحيح ما وجدنا هذا التطرف الفكريّ. وهذا اللغط! إنّ السوأة السواء أن يخطئ خريجو الأزهر في تلاوة القرآن الكريم. لأنه استعجم كلام ربنا - عز وجل - علي ألسنة بعض الإعلاميين والصحفيين بل وبعض المدرسين - أحيانًا -. فقد استشري اللحن الجليّ علي ألسنة الناس. حتي رأينا القوم يعدون من يقرأ القرآن ولا يحسن مخارج الحروف من السَّاسة حافظًا لكتاب الله - وبالطبع ليس من خريجي الأزهر الشريف -. وهذا هو الخطر الماحق الذي يجب أن نقف جميعًا أمامه ندرأه وندفعه. ومعنا كل المحبين للغة القرآن ولحصن العروبة والإسلام الأزهر الشريف. يجب أن تتآزر الجهود لحلّ هذه القضية التي صَارت بمثابةِ دينًا يُغتال وشريعة تنتهك. ولا بدّ وأن يقولَ كلّ غيور علي دين الله كلمة الحقّ في الأزهرِ ورجاله. وأن يوجه الشُّكر مقرونًا بالنصيحة - إن وجدت - للشيخ الجليل الإمام الأكبر د. أحمد الطيب. الرجل الذي لا يتتعتع ولا يتلجلج. ولا يفزعه سخط الساخط. ولا يخيفه تهديد هؤلاء السفلة الذين يظنون أنّ بأيديهم إغلاق الأزهر. أو هدم مؤسسةي عريقةي من مؤسساتِ الدولةِ المصريَّة. عُرفت بها مصر عبر التّاريخ. وقد قال رسولنا- صلي الله عليه وسلم- : ¢ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول الحقّ بحقّ إذا علمه¢. ولقد تابعتُ كغيري هذه القضية منذ زمني بعيد. وقرأتُ ما كتب عن نتيجة الثّانويّة الأزهرية لهذا العام. بيد أنني لم أرَ فيما قرأتُ من وضع يده علي أصل البلاء ومكمن الداءِ إلا شيخ الأزهر ورجاله . الذي وجّه بالإصلاح من المرحلة الابتدائية. وعمل علي عودة المتون في المرحلة الجامعيّة. لأنّه يدرك تمامًا أنه لا يجب أن نقسو كثيرًا علي شبابِنا. فهم نتاج البذور التي ألقيت والتعليم الذي أعطي لهم. ومجالات الثّقافة المغلوطة التي تلقوها في الشارع. والإعلام... إلخ. وهذا رجلى صادقى. عرف الحقّ فقاله. ولم يضيّع نفسهُ ويضيّعنا في متاهات التّفلسف والتّنظير والّلف والدَّوران. ثم إنّه - أحسن الله إليه - قد وضع القضيّة في حاق موضعها. عندما ذكر أنّه لا مكان لطالب لا يحفظ القرآن أو يتلوه حق تلاوته في الأزهر الشريف. وجعل شغله الشّاغل عندما كان رئيسًا لجامعة الأزهر عودة المتون إلي مدرجات الجامعة لتحلّ محلّ المذكرات والمختصرات. ولتطبع في ثوبي قشيبي يناسبُ العصر. لأنّ الاستعاضة ببعض المذكراتِ والمختصرات غير السديدة قد حجبت كوي النّور عن هذا الجيل. وحلأهم عن موارد العلم... وجعلهم عرضة لأصحابِ الفكر المتطرّف. يجلسون بين أيديهم ليجيزوهم في مصنفاتهم وكتبهم. زعمًا أنّها كتب تراث الأمّة. وأمّا دعوي التّيسير والتّسهيل علي الطلاب فأمر كلنا ننادي به وننشده في تعليمنا عامة. ونعمل عليه ليل نهار. لكنّنا للأسفِ انتهينا بسبب بعض الخطوات غير الموفقّة إلي هذا الذي نشكو منه ونضيق به. ثم عدنا لنتضجّر من الإصلاح الحقيقيّ نسأل الله السلامة. وينبغي أن نعلم أن فكرة التَّسهيل والتَّيسير علي النَّاشئة معروفة لدي القدامَي في جلّ المصنفات. ففي القراءات نظم التيسير للشاطبي فيما عرف بالشاطبية ¢حرز الأماني¢. ونجد ابن الجزري ينظم طيبة النشر في القراءات العشر. ثم يضع النّشر عندما يري الهمم قد فترت. وفي النحو نجد ابن السراج ت 316ه يؤلّف كتابًا كبيرًا في النحو هو ¢الأصول ¢ثم يضع إلي جانبه مؤلفا صغيرًا جدًّا هو الموجز. وأبو علي الفارسي ت 377ه عالم النحو المعروف يؤلّف ¢الإيضاح ¢وهو متن صغير سهل العبارة إلي جانب كتبه الكبار: ¢الحجة والتذكرة والشعر والشيرازيات.... والعلامة الّلغوي تلميذه النجيب ابن جني 392ه يؤلف بجوار كتبه البديعة: الخصائص. وسر صناعة الإعراب. والمحتسب في توجيه شواذ القراءات. رسائل موجزة في اللغة والنحو والصرف مثل ¢اللمع. والملوكي في التصريف¢. والأمثلة كثيرة. ويكفي أن نذكر أنهم كانوا يختصرون في العنوان. أي في الكتاب. وتأمل أسماء كتب التراث فستجد العجب العجاب من اختصار. وفوائد وقيم تربوية. ونكات بلاغية. ومما لا شك فيه أن شيخ الأزهر وأساتذة جامعة الأزهر وجميع الشيوخ ينتمون جميعًا إلي جيل عظيم جيل يعرف بيننا ب ¢جيل المتون والحواشي¢. وأنعم به من جيلي يقتدي به. نعم كلهم من جيل الحفظة الكرام. حفظة القرآن الكريم. والمتون. والمنظومات في جلّ الفنون. وهذا شئ يعرفه القاصي والداني. فهؤلاء جميعًا تربوا علي مقررات الأزهر مثل: شذور الذهب. وشرح الأزهرية في المرحلة الإعدادية. وحفظ الألفية وشرح ابن عقيل في المرحلة الثانوية. وعلي حفظ عيون الشعر العربي من الجاهلي إلي العصر الحديث. ودراسة مختصر الزبيدي علي صحيح البخاري في الحديث. وتفسير الإمام النسفي. ودراسة علوم البلاغة مختصرا من بغية الإيضاح. وعلي الجوهرة في التوحيد. ومتن العشماوية وشرحها. وتوضيح أبي الحسن في الفقه المالكي. والشرح الصغير للشيخ الدردير في المرحلة الثانوية... إلخ. عن طريق دراسة هذه المصنفات في المرحلتين الإعدادية والثانوية تحصن الطالب من الوقوع فريسة في براثن الإرهابين والمتطرّفين. لأنه لو سمع بعض المصطلحات الفقهية أو الحديثية أو العقدية فلن يستغربها. ولن يُنزلها علي غير معناه. حتي ولو لم يكن مجتهدًا. فإنّ الغرابة مستحيلة في حقّه. ثم إنّ الخطر كل الخطر أن يَصدر التَّشكيك في مقررات الأزهر. لأن الذين كتبوا بعض المقررات أو يكتبون بعض المقررات بعض زملاءنا الذين برعوا في تخصصاتهم. من أصحاب المسيرة الأصيلة الضخمة في الأزهر الشريف. هضموا كتب التّراث. وفقهوا ما فيها. واطّلعوا علي بعض الثقافات الأخري. فنقّوا واختاروا لطلابنا ما يناسبهم. ووضعُوا نصب أعينهم نوع الحصيلة التي اختاروها لتكون هي ماضينا المبثوث فينا. نعوذ بالله من سوء الاختيار لأنّه يبث في أبنائنا الضّعف والشّلل في وقت أحوج ما نكون فيه إلي القوّة وانطلاقة الحياة. ودحر الفكر الإرهابي من عقول خاوية خالية من أي فكر إلا ما رحم ربي.