العبادة في الإسلام تطهير للنفس. وتهذيب لجوانيات الإنسان. وطاعة محببة للخالق سبحانه وتعالي. وتحسين للمظهر. وتوافقه مع المخبر.. وحتي تقبل العبادة عند الله. لابد أن تكون خالصة صادقة. تدفع الإنسان إلي مكارم الأخلاق. وطهارة المسلك. ونبل المقصد.. منها ما يجب علي الإنسان مهما كانت حالته الصحية أو الاقتصادية أو العملية مثل الصلاة إذ أنها صلة بين العبد وربه. يتهيأ لها بوضوء يعاهد الله فيه علي الاقبال علي الخير والبعد عن المحرمات لمساً ونظرة وسيراً وشما وذوقاً. وهي ما يتمثل في غسل اليدين والوجه والقدمين والمضمضة والاستنشاق. ثم يتجه الإنسان إلي الله في الصلاة التي تجمع الحركة الجسدية والفكرية والروحية. هي عبادة يومية لا تسقط عن الإنسان أبداً.. ومنها ما يجب علي الإنسان عند الاستطاعة الصحية مثل الصوم الذي يسقط عن المريض فلا جناح عليه في الإفطار عند عدم الاستطاعة لمرض أو سفر. ويفرض علي الصحيح في شهر رمضان كل عام. وما يجب علي الإنسان عند الاستطاعة المادية مثل الحج إلي بيت الله الحرام هو فرض علي من استطاع إليه سبيلا مرة في العمر وهو ما فعله سيدنا رسول الله - صلي الله عليه وسلم - والحج في زمننا لمن يقيم خارج البلاد السعودية عبء مادي ضخم لا يقوي عليه الأعم الأغلب من المسلمين لتكاليفه الباهظة ومن ثم فقد وضع القرآن الكريم والسنة النبوية شرطاً هو لمن استطاع إليه سبيلا.. والسبيل قد يكون مادياً وقد يكون صحياً وقد يكون مجتمعياً. والاستطاعة المجتمعية أظنها تتمثل في تواجد طالب أداء فريضة الحج في مجتمع تتوفر له حاجاته الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وعلاج. وحين يكون المجتمع به من المشاكل الاقتصادية الخانقة التي حرمت الملايين من تناول طعام يقيم أودها. أو مسكن يقيها البرد والحر ويحفظ عرضها. ومن علاج يقضي علي أمراض مستعصية منتشرة في مجتمع فقير لا يجد ما يدفع به الآلام المبرحة والأمراض المخيفة من فيرس سي أو السرطانات التي أصابت أعداداً هائلة من المصريين. فلا شك أن إنفاق ملايين الجنيهات من أفراد أدوا الفريضة مرة في العمر مثلما أراد الإسلام أو اعتمر مرة كاف لأداء ما عليهم من فروض وسنة في الحج والعمرة ولا داع إطلاقا لمعاودة أداء فريضة الحج مرات عديدة تصل إلي عشر مرات أو تزيد وأداء العمر عشرات المرات في مجتمع يعاني الفقر والحرمان. وتسكن الملايين منه في عشوائيات لا تصلح إلا لسكن الحشرات والزواحف والقوارض. من يشاهد برنامج "واحد من الناس" تقديم المذيع الإنسان المتميز عمرو الليثي يعرف مدي انفصال الآلاف التي تحرص علي معاودة أداء فريضة الحج والزيارة عشرات المرات تاركين هؤلاء المساكين يعانون أشد البلاء ويقاسون من الفقر الذي أهلكهم بالمرض والجوع والعري عن المجتمع الذي يعيشون فيه.. وإذا كان الرسول - صلي الله عليه وسلم - قال المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. وقال خير الناس أنفعهم للناس. كما قال لا يؤمن أحدكم إذا بات شبعاناً وجاره جائع. فإن الرسول في ذلك وضع القواعد الإسلامية الصحيحة لتكافل المجتمع وتعاونه وتعاضده. فالله سبحانه وتعالي يتسامح في حقوقه إذا ما تاب العبد إليه وطلب منه الغفران. إلا أنه لا يقبل التسامح في حقوق العباد التي أهدرها الإنسان القادر. لا أقول بإسقاط فريضة الحج عن الناس. وحاشا لله أن أقول ذلك. لكني أري أن من أدي الفريضة مرة فالأفضل أن يكتفي بذلك. ويدفع ما لديه من وفرة في المال لأسرة في شكل عمل يعيد إليه الحياة أو في علاج مريض عجز عن مصاريف العلاج الباهظة التي يكتوي بها الفقير والغني. أو يعين شاباً أو شابة علي الزواج. أو يساعد في تعليم أطفال ترغب العلم ولا تقدر عليه. الالاف من أطفال الشوارع والمتسولين الذين يزدحمون في إشارات المرور. لماذا لا تجمع حصيلة الأموال الفائضة لدي من يريد الحج أكثر من مرة أو العمرة مرات. فتقام لهم أعمال يلتحقون بها فينتفعون ونحفظهم من الضياع ونحفظ المجتمع من التمزق والانحطاط. نقرأ في الصحف إن طالبي أداء العمرة في رمضان هذا العام يصلون إلي ثلاثة وثمانين ألف شخص وأظن أن نصفهم علي الأقل أدي عمرة مرة.. كم ينفق هؤلاء في سفرهم المتكرر إلي السعودية وفي الحج أيضا أعداد هائلة الفريضة مرة. وفي تكرارها إنفاق لمئات من الملايين من الجنيهات. المجتمع في حاجة إليها لبناء هذا الوطن ونهضته. ولن يكون ذلك إلا برعاية الإنسان تعليما أو إطعاما وسكناً وعلاجاً.. أعرف رجلا طيب الخلق رحمه الله لم يحضر فرحة عيد الفطر أو عيد الاضحي مع أسرته لمدة ثمانية وأربعين عاما متوالية لتواجده في الحج والعمرة طوال هذه السنين. وكان بجواره أعداد هائلة من المحتاجين.