لقد فتحَ الإسلامُ باب التجديد والإبداع للمؤهّلين في جميع التخصصاتِ بلا حَجْر. إلا علي الجهلة وأنصَاف المتعلمين. وحضَّ علي اقتباس الحكمة وقبُول الحقّ. بغضّ النظر عن قائله وفاعله. وللأسف قدّم بعضُ الدعاة بسبب التخلف الاختياري صورة مشوهة ضد الإسلام. باعتباره مسئولا عن هذا التخلّف والجمُود في الخطاب الديني. وقد جرّب بعض الناس التجربة الليبرالية - كما يحلو للبعض أن يسمّيها - في النصف الأول من القرن العشرين. وباءت بالفشل. كما فشلت الاشتراكية وغيرها من النظريات الاقتصادية والسياسية. لأنها لا تراعي خصيصة البلاد العربية والإسلامية. ووجدنا تغييرًا للخطاب الديني في الشّكل. فلم يتعرض للاستبداد والتبعيّة والاعتمادِ علي العدوّ. حتي تمخّض في بداية القرن ما يسمّي بالثوراتِ العربيّة. ممّا كان سيؤدي إلي التّدخل السّافر من فئة ضالة هي ذَنَب للقوي العالميّة لتعلن الشرق أوسط الجديد. عبر تغيير في الخطاب الدينيّ يتّفق ورؤيتها السياسية ومصالحها الشخصية. وجنَّدت دعاتها لإبرازِ هذا التغيير في الخطاب الديني. ولكنه للأسف كرّست الضّغينة والبغضَاء بين أبناءِ الأمّة لاعتمادِ خطابِها علي الأنانيّةِ المطلقةِ. وعلي التَّرهيبِ المطلق لكلّ فئاتِ المجتمعِ. وتنحيةِ التَّرغيبِ جَانبًا. وغلقِ بابِ التَّوبةِ. وإيصادِ بابِ الرأفةِ والرَّحمة. وفضحِ رجال المجتمع عبر منابرهم المتعددة. رغم أنّ النبي - صلي الله عليه وسلم - كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ... إلخ. فكان تدهورًا للخطابِ الدينيّ. وعدّ تزويرًا وليس تنويرًا. حتي غدا كثيرى منَ الدعاةِ يتوجَّسُون خَوفًا وهَلعًا منَ الدعوةِ إلي النَّهضةِ الدِّينيّة الشَّاملةِ في مصرنَا الحبيبَة ِ. عبرَ تغيير الخطابِ الدينيّ وتجديدهِ حسْب مقتضياتِ العصْر. ويعتبرونَ الدَّعوة الإسلاميّة المتضرّر الأكبر من هذَا التَّجديد. ولو أمعنُوا النَّظر فيما يُراد من التَّجديدِ لعلمُوا أنَّه دعوةى لصحوةي شاملةي تحاصِرُ كلّ المشاريعِ الاستعماريّةِ في المنطقةِ التي تُريد أن تَفرض علينا مشاريعها الثَّقافية والسِّياسيّة. كالمشروع الشيعيّ الإيرانيّ. والصهيونيّ الإسرائيليّ... ويبدُو لي أنَّ تجديدَ الخطاب الدينيّ سيؤدّي إلَي تقزيمِ نفوذهمَا في المنطقةِ العربيَّةِ. لأنَّ التجديدَ الذي نُريده ُسيرفعُ هذا التخلّف الذي لحقَ بنا. وينهضُ بالأمَّةِ ويُحسِّن صُورةَ الإسلامِ المشوَّهةِ بسببِ هذا التخلّفِ. ويهئُ الأمَّة للدورِ الحضَاريّ الذي يَجبُ أنْ تقُومَ به ِ. ويُساعدهَا علَي إزالةِ العوائقِ والتحدّيات المستقبليَّة التي تُحَاكُ خيُوطهَا. وبدرتْ للمتابعِ الفَطِن مَعَالمهَا الأوليّة... ومهمّة التجديدِ في الخطابِ الدينيّ مُهمّةى ثقيلَةى ينوءُ عن حملهَا علي فئةي بعينِها. كالأئمةِ مثلًا. لذا يلزمُ وضْع خطط استيراتيجيّة يشاركُ فيها جَميع المتخصّصين في الأزهرِ الشريفِ والأوقافِ. والسياسةِ والاقتصاد. والإعلامِ والتربيةِ بل ورجالِ الأمن. وتكون بمثابةِ مشروعي وطنيّي وقوميّي. يقومُ علي ركائز إسلاميّة أصِيلَة. وتجديدُ الخطاب الدّيني لا بدّ وأنْ يزيل أوضار المخلفاتِ. ويُزحزح سَائر الانحرافاتِ. ويَعود بالمسلمِ إلي رَونق الأصَالة ولباب الحقيقةِ. لبثّ رُوحِ النَّهضة في مسيرةِ الخطابِ الدينيّ. بمَا يَستجيبُ لضروراتِ المرحلةِ ويستوعبُ متطلباتِ الواقعِ. من غيرِ إفراطي ولا تفريط ي. ولا بدَّ وأن يستوعبَ الخطابُ الدينيّ الواقعَ المعاصر ويحاول معالجةِ مشاكلِه. وذلكَ بعرضِ العقيدةِ الصَّحيحة والعبادةِ والمعاملةِ والأخلاقِ. علي نحوي يتكيّفُ مع حياةِ الإنسانِ المعاصرِ. ويُلامسُ شجونهُ. ويُجيبُ علَي تَساؤولاته. ويُحقّق طمُوحَاته . ويُشبعُ أشواقهُ في غيرِ معصيَةِ الله - عزَّ وجلّ -. ونستطيعُ حينئذي القضاء علي ثقافةِ التَّخلفِ التي انتشرتْ في المجتمعِ ليس علي المستوي العاديّ فقط. بل علي مستوي بعضِ المثقَّفين والأكَّاديميّين للأسفِ الشديد. ويصبحُ لزامًا علي المجدّد إزالة كلّ ما زيد في الشريعة أو أضيفَ إليها مِن أخطاءي أو بدعي. أو سلوكيّات تضرُّ بالمجتمع وأمنه . وعلي المجدّدِ أن يبحثَ في خطابهِ عن كيفيّة الملائمةِ بينَ ما هو قديمى أو ثابتى. وما هو متغيّر. وبصيغة أخري ¢ الأصالة والمعاصرة ¢ . الأصالة بما تحمِل من ثوابت لا تتغيّر ولا تتطوّر من دين وقيم وأفكار الأسلافِ السَّديدة. والمعاصرة والتجديد بما تَحمل من عِلمي وحضَارة غربيَّة . وحينئذي تصدق عبارة ¢ الإسلام دينى لكلِّ زماني ومكاني¢. ولا بدّ من تغييرِ الحالِ التي عليهَا بعض الدُّعاة من ¢ حفظي للنصُوصِ ¢ دونَ فهمي أو شَرح أو تَطبيق. فبعضهُم جعلَ شغله الشّاغل حفظَ الرّواية فلا تراهُ إلاَّ وهو يلُوك بلسانهِ ألفاظًا غريبَة لا يَعرف معنَاهَا. وبالطبع لا يستطيعُ توضيحهُ للسَامعِ. ولا يَسري شئ ممّا يقُوله في حياته العمليّة. فقد تحوّل الخطاب الديني إلي حفظِ نصوصي فقط. أقربُ ما تكُونُ في دراستِها للرياضيات أو الجغرافيا للأسفِ الشَّديدِ. بيد أنّهم قلّوا أن يفهموها ويُحيوها بحيث تتمثل حيّة في أشخاصِهِم. فيجمعُون بينَ العلمِ وفهمهِ فهمًا صحيحًا والحرصِ علي العملِ بهِ. وحينئذي لا يكونُ خطَابهُم أجوفًا. ولا دعوتهُم جوفَاء مجرّد تَرديد لكلماتي وجملي ينفصلونَ عنها في الواقعِ.