سألني كثير من الزملاء الإعلاميين في الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية عن الفتاوي والآراء الغريبة في قضايا دينية مهمة التي تلوكها كثير من وسائل الإعلام ومنها - علي وجه الخصوص - الفضائيات في الآونة الأخيرة . فقلت إنها قضية شائكة وخطيرة وبخاصة أن قطاعا كبيرا من الشباب يتعرضون لها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بصفة خاصة وشبكة الإنترنت والوسائل الأخري بصفة عامة . وغالبا ما تظهر مثل هذه الأمور عقب الأزمات التي تمر بها المجتمعات فنري البعض يحملون الدين وتراثه وعلماءه ماهم منه براء . أما عن دوافع هذه الحملات المستعرة والمسعورة فإنها تنطلق من عدة محاور نوجزها علي النحو التالي: المحور الأول : وهو الوسيلة الإعلامية التي غالبا ما تكون بواعثها إما فكرية تخدم أهدافا معينة لصالح جهات معينة اومبعثها اقتصادي بحت تحاول تحقيقه من خلال أكبر حشد من الجمهور فتتلقي سيلا من الإعلانات وبالتالي فهي توظف جهودها للإساءة إلي الدين وثوابته وعلمائه الأجلاء وفكرهم المستنير واصفة إياه بأنه رجعية وتخلف وعودة للقرون الأولي حيث الجهل والجاهلية . وتسعي جاهدة لتحقيق أهدافها من خلال توظيف بعض من أطلق عليهم تجاوزا ¢شيوخ الفضائيات¢ ليظهروا في ¢فضائيات الشيوخ¢مقابل الشئ ولزوم الشئ ومن الذين يأكلون التراث أكلا لما فتراهم ينقبون عن الضعيف والمتروك مما ورد في التراث أو حتي يجتهدون من عند أنفسهم زورا وبهتانا ويفجرون قنابلهم الفكرية الغريبة علي الجمهور الذي يسارع إلي سماعهم ومتابعتهم من منطلق أن النفس البشرية تهوي كل ما هو غريب وشاذ أحيانا بينما يظن من يسمون علماء تجاوزا أن هذا الإقبال بسبب فكرهم العقلاني الذي ابتدعوه فيتمادون في غيهم لتحقيق شهرة إعلامية تعود عليهم بالنفع وبالتالي يتمكنون من إبرام تعاقدات بالدقيقة وليست بالساعة لتحقيق الثراء المطلوب علي حساب الدين وعلمائه. المحور الثاني : بعض مقدمي البرامج من الإعلاميين حيث تحول بعضهم من الصحافة إلي الفضائيات لأسباب لا تخفي علي أحد فتجنبوا الحديث في جميع القضايا باستثناء الدين الذي جعلوه طريقا لشهرتهم وارتفاع مقابلهم المادي في بورصة الإعلام فأخذوا علي عاتقهم تفسيره بعقلهم وفهلوتهم ورفع صوتهم واشتداد نبرتهم والتهجم حتي علي كل ماهو ثابت من الدين بالضرورة في الغيبيات والمعاملات والعقائد بل وينصبون أنفسهم في مكانة العالم المتبحر في علوم الدين رغم أن بعضهم مع احترامي للجميع لايعرف نواقض الوضوء أو الفرق بين الفرض والواجب والمستحب والمكروه .! وهم يدركون أن نجاحهم ليس في قدرتهم علي تقديم مثل هذه البرامج أوغيرها وإنما في معارضتهم والهجوم عليهم لأن ذلك يجعل لهم اسما ويحقق لهم ظهورا هم يتمنونه وهو مقصدهم لكنهم حتي لو حققوه فإنهم لن يستمروا فمصيرهم الهجر والنسيان حتي لو تمسكت بهم قنواتهم لأنهم لايعلمون أنهم في إمكانهم خداع الناس بعض الوقت لكنهم لم ولن يخدعوا الناس كل الوقت . وأن حكم الرأي العام أشد وأقسي من حكم القضاء وبالذات في مجال الإعلام. وللأسف أصحاب مثل هذه الأبواق يعلمون أولايعلمون أن الإعلام مهنة ورسالة . وأن التخصص الدقيق أصبح من أهم سمات وسائل الإعلام في الدول المتقدمة التي تخصص المنح الدراسية بالغة التكاليف للعاملين فيها من أجل الارتقاء بمستواهم في مجال التخصص من خلال إلحاقهم ببرامج الدراسات العليا في أعرق الجامعات فتري هذا متخصصا في الشئون الإفريقية فقط وذلك في شئون أمريكا اللاتينية وذاك في الأدب وآخر في الاقتصاد وغيره في الشئون العربية . وهذا هو سر الفرق الكبير بين إعلامنا وإعلامهم في جميع مجالاته لأنه أصبح يعتمد علي العلم والمعرفة ونحن نعتمد في بعض وسائل إعلامنا علي خفة الظل والفهلوة. المحور الثالث: وهو اقتصادي بحت ويكمن في بعض شركات الدعاية والإعلان التي تتفنن في تسويق مثل هذه القنوات ومقدمي برامجها لدي المعلنين بطرق وأساليب متنوعة مقابل مصالح خاصة لبعض مندوبيها بجانب عمولتها المستحقة وفقا لنصوص العقود المبرمة وعمولة مقدمي البرامج إياها التي بلغت مبالغ خيالية في البرنامج الواحد بالإضافة إلي رءوس الأموال التي يتم ضخها من هنا وهناك لمساعدتها في تحقيق أهدافها. المحور الرابع: وهو بعض الكتاب في الصحف المطبوعة والإلكترونية وغالبيتهم لهم اتجاهات فكرية تحررية فيريدون للدنيا ومن عليها أن يسيروا بحياتهم كما يريدون هم بعيدا عن الضوابط الدينية فيهاجمون الدين ويعتبرونه سبب تخلفنا تحت ستار الحرية رغم أن الحرية بريئة من فكرهم إلا إذا كانت حريتهم التي هي من عند أنفسهم وإلا فما رأيهم في مناقشة البرلمان الروسي قانونا وجد له دعاة ومتحمسين من عدد كبير من أعضائه يجرم الألفاظ الخادشة للحياء في الأعمال الأدبية والفنية حفاظا علي قيم وأخلاقيات المجتمع الروسي .! فماذا لو طالب البرلمان في مصر أو أي دولة عربية أواسلامية بمثل هذا القانون رغم أنه موجود في مواد بعض القوانين ؟ حتما سنري القوم يشمرون عن سواعدهم وهم يملأون الدنيا ضجيجا وبكاء ونحيبا وصراخا وعويلا علي حرية الإبداع التي تنتظر الموت بمثل هذا الإجراء . وكأن الإبداع لا يتحقق إلا في ظل حرية مطلقة تأتي علي قواعد الدين فتهدمها وقيم المجتمع فتزلزلها.