ذاع في الأوساط الثقافية في الآونة الأخيرة آراء لبعض المتجرئين علي النص القرآني بالتأويل» ملوحين بآراء تفسيرية لبعض آيات النص القرآني المبارك . مدعين بأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل. ضاربين بأصول القواعد التفسيرية السالفة عرض الحائط . فأتوا بنتائج تشي بمحض الجهل . ولا غرو في ذلك فهؤلاء الشرذمة القليلة لطالما يظهرون علي سطح الحياة الفكرية وسرعان ما يزولون و لا يبقي إلا جهد علمائنا الذين فتح الله - سبحانه وتعالي - لهم أبواب العلم. قال تعالي : "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" "17" "الرعد". وشاءت أقدار السماء أن يكون بيننا عالم من أبناء الأمة الإسلامية جاهد طيلة حياته التفسيرية محاربا لتابوهات التخلف و الرجعية التي نشأت في مجتمعاتنا بفعل الجهل أو العمالة أو التزييف . والتي تؤول جميعها إلي الفهم الخاطئ لمراد ديننا الحنيف . وهو الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي نستعين بلطيفة من خواطره التي ساقها للمتلقين بغية رد الفهم الخاطئ لمراد النص القرآني المبارك » ففي معرض تفسيره لقوله تعالي : "وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَي فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ "87"" "الأنبياء: 87" وقوله تعالي: "فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ..." بيَّن أن البعض ينظر في الآية نظرةً سطحية. فيقولون: كيف يظن يونس أن الله لن يقدر عليه؟ لافتاً إلي أن هذا الفَهْم ناشئ عن جَهْل باستعمالات اللغة. فليس المعني هنا من القدرة علي الشيء والسيطرة. ولو استوعبوا هذه المادة في القرآن "قَدَرَ" لوجدوا لها معني آخر. كما في قوله تعالي: "لِيُنفِقْ ذُو سَعَةي مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله..." "الطلاق: 7" فمعني قُدِر عليه رزقه يعني: ضُيِّق عليه . ومنها قوله تعالي: "إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ..." "الإسراء: 30". وقوله سبحانه تعالي: "فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ ربي أَكْرَمَنِ وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ ربي أَهَانَنِ" "الفجر: 15-16". إذن: فقوله: "فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ..." "الأنبياء: 87" أي: أن يونس لما خرج من بلده مُغاضبا لقومه ظنَّ أن الله لن يُضيِّق عليه. بل سيُوسِّع عليه ويُبدله مكاناً أفضل منها. بدليل أنه قال بعدها "فنادي فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين" "الأنبياء: 87". لافتا المتلقين إلي أن الحق - سبحانه و تعالي - يريد تنفيس كربته. وتنفيس الكربة لا يكون إلا بصفة القدرة له. فكيف يستقيم المعني لو قلنا: لن يقدر عليه بمعني: أن الله لا يقدر علي يونس؟ رد الشيخ علي من أوجدوا شبهة في قصة يونس- عليه السلام- في قوله تعالي: "فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلي يَوْمِ يُبْعَثُونَ" "الصافات: 143-144". فكيف يلبث في بطن الحوت إلي يوم يُبعثون. مع أن يونس سيموت. وسيأتي أجَل الحوت ويموت هو أيضاً. أم أن الحوت سيظل إلي يوم القيامة يحمل يونس في بطنه؟! وفات هؤلاء أن الخير في أمة محمد إلي يوم القيامة بيد علماء أَهلَهم الحق - سبحانه و تعالي - بقدرته للحفاظ علي دينه الحنيف . قال تعالي : "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" "9" "الحجر". فقد ألهم الحق - سبحانه و تعالي - الشيخ الشعراوي إلي نظرية "الاحتواء في المزيجات" . والتي تكون خير راد لهذه الفرية » مستشهدا بمثل مشاهد للرائي: أنه لو أذاب فرد قالباً من السكر في كوب ماء. فسوف تحتوي جزئيات الماء جزئيات السكر. والأكثر يحتوي الأقل. فقالب السكر لا يحتوي الماء. إنما الماء يحتوي السكر. فلو مات الحوت. ومات في بطنه يونس- عليه السلام- وتفاعلت ذراتهما وتداخلتْ. فقد احتوي الحوتُ يونسَ إلي أن تقوم الساعة. وعلي هذا يظل المعني صحيحاً. فهو في بطنه رغم تناثر ذراتهما. فالترحم علي مولانا الإمام - الشعراوي - موصول و علي علمائنا الذين كشفوا من خلال إفاضات النص القرآني المبارك ما يحاك له قِبل أعدائه الراغبين النيل منه بالتشكيك. أو بالطعن فيه. أو بدفع الأمة العربية إلي الانصراف عنه بالفهم الخاطئ» حتي يضلوا السبيل القويم الذي خطه المصطفي - صلي الله عليه وسلم - بوحي الهادي جبريل - عليه السلام - نقلا عن رب العزة.