كفل الإسلام للإنسان حرية الاعتقاد. وجاء ذلك في وضوح تام في القرآن الكريم: " لا إكراه في الدين" إن تاريخ الإسلام شاهد علي أن المسلمين لم يكرهوا أحدا في أي فترة من فترات التاريخ علي ترك دينه .وأنه لا صحة لدعوي المدعين بأن الإسلام قد انتشر بالسيف . فالمسلمون الذين فتحوا مكة هم أنفسهم الذين اعتنقوا الإسلام سراً. وعذبوا أشد العذاب وتركوا وطنهم وأسرهم. وهاجروا مضطرين. ولم يعرف في تاريخ المسلمين الطويل أنهم ضيقوا علي اليهود والنصاري أو غيرهم أو أنهم أجبروا أحدا من أي طائفة من الطوائف اليهودية أو النصرانية علي اعتناق الإسلام. يقول توماس آرنولد : ¢ لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين علي قبول الإسلام أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي¢. لقد كفل الإسلام أيضًا حرية المناقشات الدينية علي أساس موضوعي بعيداً عن المهاترات أو السخرية من الآخرين. وفي ذلك يقول القرآن: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وعلي أساس من هذه المبادئ السمحة ينبغي أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين. وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلي الحوار إلي أهل الكتاب فقال: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله . فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون". ومعني هذا أن الحوار إذا لم يصل إلي نتيجة فلكل دينه الذي يقتنع به. وهذا ما عبرت عنه أيضًا الآية الأخيرة من سورة "الكافرون" التي ختمت بقوله تعالي للمشركين علي لسان محمد صلي الله عليه وسلم: "لكم دينكم ولي دين". جاءت نصوص القرآن الكريم تقرر أن الخلاف باق بقاء الإنسان علي هذه الأرض . وأن التعدد والتنوع في أخلاق وسمات البشر مما مضي به القدر الإلهي. فسنة الله تعالي في خلقه أن تنوعت أجناسهم وألسنتهم وألوانهم كما تنوعت دياناتهم. ثانيا: لا إكراه في الدين : من المقرر عند الفقهاء أنه لو أكره أحد علي الإسلام فإنه لا يصح إسلامه . قال في المغني: ¢ وإذا أكره علي الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الإسلام حتي يوجد منه ما يدل علي إسلامه طوعا ¢. ولذلك فإنه إذا عاد إلي دينه بعد زوال الإكراه لم يحكم بردته . ولا يجوز قتله ولا إكراهه علي الإسلام . ونقل ابن قدامة إجماع أهل العلم علي أن الذمي إذا أقام علي ما عوهد عليه والمستأمن . لا يجوز نقض عهده ولا إكراهه علي ما لم يلتزمه". لقد أطلق الإسلام علي غير المسلمين الذين لهم ذمة أهل الذمة وعاملهم بها وهي تعني: العهد والأمان والضمان . والحرمة والحق . وهو عهد منسوب إلي الله عز وجل وإلي الرسول صلي الله عليه وسلم قال ابن الأثير : ¢وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم". * نصوص القرآن قاطعة في النص علي حرية العقيدة .. يقول الإمام محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا في تفسير قوله تعالي : "لا إكراه في الدين" أخرج ابن جرير من طريق سعيد وعكرمة عن ابن عباس قال : "لا إكراه في الدين" هذه الآية في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين . كان له ابنان نصرانيان . كان هو مسلماً . فقال للنبي صلي الله عليه وسلم : ألا أستكرههما » فإنهما قد أبيا إلا النصرانية . فأنزل الله الآية . فالإسلام دين الرحمة والعدالة والإنصاف وسعة الصدر والحلم وحرية الفكر وحرية العقيدة وهو ضد التعصب وسفك الدماء. ضد الظلم والاضطهاد والقسوة . وإن تجاوز بعض الأفراد أو بعض الجماعات من المسلمين في معاملاتهم لغير المسلمين إنما هي تصرفات فردية شخصية لا تمت لتعاليم الإسلام بصلة. ولا علاقة لها بمبادئ الدين.