في اللقاء الاول من نوعه. مع رؤساء تحرير الصحف منذ ان تولي مشيخة الازهر .. كان الدكتور احمد الطيب حزينا ومهموما في كلمته التمهيدية قبل بدء الحوار الطويل الذي استمر قرابة الاربع ساعات متواصلة ..شعرنا جميعا بأن في حلق الشيخ مرارة من بعض وسائل الاعلام التي كانت تهاجم الازهر عامدة متعمدة- علي حد قوله- وان الشيخ مدرك تماما ان هناك جهات رسمية ترفع سيفها تجاه الازهر وتتهمه بالتطرف والارهاب تارة وانه يدعم الاخوان تارة اخري. اللقاء بدأ هادئا كعادة شيخ الازهر. لكن سرعان ما احتدت المناقشات. بعد ان واصل بعض الحاضرين اتهامه للأزهر برعاية الأخونة من داخله وانه قام بتبرئة داعش من اتهامها بالكفر. تحدث الزملاء عن كل شيء يخص الازهر. عن مناهجه التي قالوا عنها انها تغذي التطرف وعن سوء العملية التعليمية وعن النيران الصديقة التي كانت وراء الحملة الشعواء علي الازهر. وعن موقفه من الابداع والثقافة. وعن دوره في الخارج. وعن تفريغ المناهج من مضمونها ومحتواها. وعن الفرقة والخلاف والتناحر. وعن موقفه السلبي في العديد من القضايا. وعن احتضانه لما يسمونه بعملاء الاخوان وعن سلبيته في مواجهة قضايا الالحاد. وعن ضعف الازهر بصفة عامة. وتحدث الاعلاميون بصراحة شديدة عن الدكتور محمد عمارة والدكتور حسن الشافعي باعتبارهما من اقطاب الجماعة الارهابية. وعن قناته الاعلامية التي لم تر النور بعد. وعن عدم تكفيره لداعش التي تعيث في الارض فسادا. وعن مصادرته للفن والثقافة ..والعديد من التساؤلات الاخري والاتهامات المباشرة والصريحة للأزهر وشيخه الجليل . لكن أشهد بأن الرجل كان صامدا. استقبل كل هذه الخناجر بصدر رحب. واجاب علي كل الاسئلة في هدوء احيانا وانفعال وشدة احيانا اخري. لكنه لم يخرج عن أدبه الجم وعفة لسانه في كل ما تحدث رغم ضراوة الاتهامات وشدتها علي حد قوله إلا انه قال: لم اكن اتوقع ان يتحول لقاء التواصل الي اتهامات! تحدث شيخ الازهر في بداية كلامه عن طرق التربية والتكوين في الازهر. مؤكدا انها تقوم علي فكرة التعددية وقبول الاخر. وان الازهر لا يتعايش مع اي دعاوي للتطرف والتكفير وكل قادة الجماعات والحركات الارهابية والتكفيرية تقريبا لم يتخرجوا في الازهر الشريف باستثناء واحد وهو خارج البلاد. اشار الي ان بعض الجهات تتصور ان إضعاف الازهر ضروري للمساهمة في نشر الحداثة. وهذا وهم كبير لان إضعاف الازهر سبب رئيسي في نشر التطرف والفوضي في المجتمعات. قال: ان الازهر بتاريخه العريق حافظ علي التراث والمعاصرة والتنوع بين المسلمين بشكل عام وحفظهم من حروب عقديه ..فالسنة والشيعة لم يلتقوا في حروب مسلحة بفضل الازهر وهو ليس مؤسسة كهنوتية ولكنه مؤسسة تعليمية لها تاريخها الطويل في الحفاظ علي ثقافة المسلمين وربطهم بالجمع بين الاصالة والمعاصرة فهو الذي حفظ اللغة العربية علي مدي 1400 سنة والتي مازال يقرأها الناس إلي الآن. الأزهر والإبداع أما عن وقوفه في وجه الابداع كما يقال من بعض المثقفين وفي الوزارة المعنية. فقد أكد د. الطيب ان الازهر لم يكن يوما حائلا أمام الابداع فهناك الملايين من الافلام والكتب التي تطعن في المقدسات وكل ما علي الازهر أن يقول رأيه فيها بكل شجاعة ..أما حراس الابداع فيصادرون علي الازهر رأيه باسم الحرية فكيف لقامة ثقافية كبيرة تدعو للابداع وفي نفس الوقت تريد أن تفرض رأيها علينا بالقوة وتصادر رأي الازهر؟! عشنا طويلا في هذا الصراع مع حرية الابداع وأجريت اجتماعا مع المثقفين وصدرت وثائق وهي محل دراسات وتعقد لها ندوات في اوروبا وللاسف لم تجد لها المكان المناسب عندنا من منطق: لا كرامة لنبي في وطنه. لسنا فوق النقد تطرق د. الطيب الي نقد مؤسسة الأزهر بكل ما فيها. مؤكدا أن الازهر لم يكن فوق النقد وهو ضد الكهنوت وضد قداسة الشخص مؤكدا ان كل انسان يُؤخذ منه ويُرد إلا صاحب الشفاعة. عليه الصلاة والسلام. المناهج التعليمية تحدث شيخ الازهر عن ضعف مناهج الازهر التعليمية. في معرض رده علي الاسئلة. مشيرا الي انه معترف تماما بان المناهج الازهرية اصابها الضعف وهذا ليس في الوقت الحالي فقط ولكن منذ زمن طويل فقد أهمل الازهر. وضرب لنا مثلا منذ ان كان رئيسا للجامعة كان ينفق علي الطالب الازهري جنيه واحد فقط وفي المقابل خمسة وعشرون جنيها في اي جامعة اخري وكأنهم كانوا يعملون علي قاعدة "اتركوها تموت" والحقيقة التي لا مراء فيها أنه كانت هناك فلسفة متعمدة في التفرقة بين الطالب الازهري وغيره من طلاب الجامعات الاخري في الوقت التي كانت الحركات والجماعات الاخري المتطرفة تدعم انصارها دعما شديدا وكنا نجد طوابير تستقطب الطلبة لشراء متطلباتهم وكنا لهم بالمرصاد وهم يدفعون لهم ما يحتاجونه ..ورغم ذلك ففي الوقت نفسه كانت هناك مجهودات كبيرة تبذل في اطار التطوير والتحديث منها: الغاء المذكرات الجامعية الهشة واعتماد الكتب الازهرية التراثية. وفي نبرة اسي وحزن قال شيخ الازهر- ردا علي سؤاله باتهامه بأخونة الازهر ورعاية الاخوان بالمشيخة-: بعد ان سقط النظام الاسبق كان مطلوبا مني الذهاب للتحرير. فرفضت رغم انني مع الثورة. فقالوا: انني ضدها ..وبعد ان تقلد الإخوان الامور تحسبنا الخطر واجتمعنا في المشيخة وقررنا البدء في اعداد مشروع القانون 103 علي اساس ان شيخ الازهر من هيئة كبار العلماء ليختار منهم رئيس الجمهورية واستطعنا الحصول علي موافقة المجلس العسكري علي هذا القانون قبل انعقاد البرلمان وحصَّنا الازهر من الاختراق. التلويح بالاستقالة ثم تحسبنا لمحاولة اخري حيث انذرونا بانهم سيعيدون القانون من جديد للتغيير وأول من يُضحي به هو شيخ الازهر. وحذرتهم بالاستقالة وعليهم تحمل المسئولية. واقعة اخري تحدث عنها الامام وهي جامعة الازهر التي ظلت ثمانية اشهر بدون نواب. فقال: وانا صامت لانهم يريدون نوابا علي هواهم. فرفضت رفضا قاطعا. ولوَّحت باستقالتي مرة ثانية. وأخيرا وافقوا علي ترشيحاتي ولم يدخل نائب واحد منهم الجامعة. اما المعركة الثالثة فهي اختيار المفتي الذي جعلناه في القانون 103 من اختيار شيخ الازهر وكانوا يجهزون لأشخاص بعينها ومعروفون بالاسم وتم ترشيح اخواني وحصل علي صوت واحد مقابل 22 صوتا لمرشح الشيخ. فالأزهر لم ولن يُخترق علي مستوي شيخه او رئيس جامعته او نوابه او عمدائه الا عميد واحد تم فرضه فرضا! عمارة والشافعي وفي رده علي وجود د. محمد عمارة ورئاسته لتحرير مجلة الازهر. قال الشيخ مدافعا عن عمارة: إنه اول من رد سيد قطب واول من رد علي ابو الاعلي المودودي ي ووقف ضد الشيعة. واتهم د. الطيب الشيعة بانهم وراء الهجوم علي د. عمارة. لان علماء الشيعة حينما جاءوا إلينا قلت لهم: لسنا ضدكم بشرط عدم نشر التشيع. وهذا هو مقصودهم نشر التشيع ود. عمارة يساعدنا كثيرا علي ذلك في الوقوف ضد هذا التيار الجارف وهو لم يكن يوما من الاخوان؟ أما د. حسن الشافعي فكان من الاخوان وسجن 9 سنوات ومع ذلك خرج وقدم استقالته وهو الآن ضد الاخوان ..صحيح ان عمارة والشافعي قالا ما قالاه يوم فض اعتصام رابعة لكن الدماء التي كانت مسألة وقتها من الطرفين كانت تزعج أي انسان يخاف علي هذا البلد في هذه اللحظة الرهيبة التي قالا فيها هذا الكلام فقط ودكتور حسن اختفي تماما من الازهر وهو الان رئيس مجمع اللغة العربية فلا يجب المزايدة علي الازهر ..ومجلة الازهر التي يرأس تحريرها د. عمارة أراجعها بنفسي حرفا حرفا ولا توجد فيها شبهة افكار اخوانية. وعن اوقاف الازهر تحدث الشيخ قائلا: انها قليلة جدا ولا تستحق ان تضم الي الازهر بعد ان تم حصره وهي الآن تديرها الاوقاف ونحصل علي حصتنا منها. النيران الصديقة! وتحدث الشيخ عن خطورة النيران الصديقة التي تصوب سمومها نحو الازهر من آن لآخر قائلا: نحن نقف لها بالمرصاد ونواجهها بشجاعة وليس معني ان وزير الثقافة او غيره يهاجم الازهر ان اشكوه لرئيس الجمهورية ولكن علينا توضيح الامور ومعالجتها فهذه مهمتنا للذود عن الازهر وقضاياه. اما عن خطورة وزير الثقافة فانه لا يفرق بين المؤسسة التي ينتمي اليها وبين رأيه الشخصي. كذلك لم يغفل الامام الاكبر الحديث عن دور الازهر في الخارج لكنه قال: لدينا علماء في كل الدنيا ولدينا بعثات أزهرية بعد ان كانت بالأقدمية جعلناها بالكفاءة فأصبح يتقدم لها المتميزون ويتم اختيارهم دبلوماسيا وتحريريا وشفويا وزالت بعض الشكاوي التي كانت تأتينا من الدول المبتعثين اليها. المعاهد الأزهرية اعترف فضيلة الامام بعدم السماح بإنشاء معاهد ازهرية جديدة لأنه وجد ان بعض المعاهد فيها ما يسمي ب¢مقاولين¢ معاهد بناء وتعيين ودفع مبالغ مالية!! وتم انشاء معاهد اشبه بحظائر الطيور ..لكننا الان جئنا بهيئة الابنية التعليمية واي متبرع يريد بناء معهد لابد من انشائه طبقا للرسومات الهندسية المطلوبة والمواصفات الدقيقة .وبدأت بعض الدول العربية الصديقة بمساعدتنا في انشاء معهد نموذجي متكامل بكل محافظة وتم اخطار المحافظين بالموافقة علي الارض من الدولة. قناة الأزهر.. والإلحاد تحدث الشيخ عن قناة الازهر التي لم تر النور بعد قائلا: هي في الطريق وفي القريب العاجل سترون قناة عصرية عامة فيها كل ما يحتاجه المسلمون في مصر والعالم. اما عن الالحاد فقد اكد شيخ الازهر أن الالحاد ليس وليد اليوم ولكنه بدأ منذ الخمسينيات. واشار إلي انه لا يفزعه الملحد ف¢ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر¢ ونحن واجبنا التصدي للمقولات المغلوطة التي يروجها الملحدون عن الاسلام ..واوضح ان الالحاد لديه الان مؤسسات يعمل من خلالها .وقد قمت بالرد علي هذه الموجة الالحادية في 12 حلقة للتليفزيون المصري. وتحدث الشيخ عن مسألة تكفير داعش التي تقتل وتخرِّب باسم الدين فقال: انا لست ¢فقيه ما يطلبه المستمعون¢ فالازهر يتبع المذهب الاشعري الذي لا يُكفِّر من يصلي الي القبلة ويشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ..فالتكفير مقابل الايمان ..وداعش لا يمكن تكفيرها لكن الحكم علي عملهم من القرآن في قوله تعالي ¢إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله...¢ الآية. ونحن مأمورين بالتصدي لهم وقتلهم وإبادتهم حدا لا كفرا.