اليوم غرة ربيع الأول.. كل عام وأنتم بخير.. فقد هلت ذكري مولد الحبيب عليه أفضل الصلوات وأغلي السلام.. وأياً كانت آراء المؤرخين هل ولد الحبيب في الثاني عشر من ربيع الأول أم توفاه الله في هذا اليوم.. فإن للذكري دلالة ومعني ومغزي أياً كان اليوم أو التاريخ.. لأن ذكري الحبيب تهل علينا كل يوم.. وكل ساعة.. في الصلوات الخمس.. في سماع القرآن الكريم.. في الصلاة والسلام عليه.. في التأدب بآدابه والالتزام بأوامره والانتهاء عن نواهيه عليه أفضل الصلاة والسلام. ** ولعلها مناسبة أن تعيد قراءة سيرة خير الأنام.. قراءة عصرية تتفق مع العصر.. ولكن هل يجوز أولا أن نعيد قراءة السيرة المحمدية؟ وهل يمكن أن تختلف السيرة المحمدية بقراءتها العصرية عن قراءة التراث؟ نعم يجوز أن نعيد قراءة سيرة خير الأنام قراءة عصرية لماذا؟ لأن هذه السيرة المحمدية ميدان مفتوح للقراءة والتحليل ونموذج فريد من الابداع والرؤية نكتشف معه وبه كل يوم مزيد من العطر المحمدي في الاداب والأخلاق.. فهو عليه الصلاة والسلام كما قال عن نفسه "انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. وكما قال عنه سبحانه وتعالي "وانك لعلي خلق عظيم".. فالأخلاق في سيرة الحبيب لا تنضب.. ومع كل جديد نجد له زادا وموعدا مع الابداع والعطاء. وتفسير ذلك بسيط جدا وهو واضح وجليّ في القرآن الكريم فهو بشر "يوحي اليه".. وهو انسان "لا ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي" وهو من سلالة بني آدم لكن "علمه شديد القوي". ** يقول الله سبحانه وتعالي "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".. وهذا الوعد الالهي يؤكد ان الصالحين من اتباع محمد عليه الصلاة والسلام سيرثون الأرض وهو ما نشاهده جليا علي أرض الواقع فان عدد المسلمين يتزايد بينما عدد الملتزمين بالأديان والعقائد والأفكار الأخري يتناقص.. ولكن العبرة ليست بالعدد. لأننا قد نكون كما توقع الحبيب يوما "غثاء كغثاء السيل".. انما يجب أن نعرف ان عباد الله "الصالحين" هم الذين سيرثون الأرض.. والصلاح والتقوي يكون في اتباع هدي محمد صلي الله عليه وسلم لذلك كان لابد في كل زمن أن نعيد قراءة السيرة المحمدية لنستنير بها في كل عصر وأوان. ** ولعل السؤال البسيط الذي يمكن أن يكون مدخلا لهذه القراءة العصرية هو: ماذا لو كان محمد صلي الله عليه وسلم يعيش بيننا الآن؟ هل كان سيركب الطائرة والسيارة والباخرة أم يركب الناقة؟ هل كان سيتناول طعامه بالشوكة والسكين أم يتناوله بيده الشريفة فقط؟ هل كان سينقل رسالته ودعواه عبر الانترنت والفضائيات والصحف أم سيكتفي بالدعوة في المسجد النبوي؟ هل كان سيعد للعدو عدته من أسلحة نووية وكيماوية وحربية متعددة أم سيحارب بالسيف والرمح.. وهل يركب الطائرة والمدرعة أم يكتفي بالخيل؟ من يقرأ سيرة الحبيب وهديه الشريف سيجد أنه كان يفضل كل خير للبشرية ويتمسك بكل ما هو خير ومفيد لبني الانسان ويساعد علي الفهم والوعي والعمل.. والقرآن الكريم دستور الاسلام مليء بأوامر الله سبحانه وتعالي بالتفكر والتدبر والقراءة والفهم والعمل والتقوي والاخلاص وكلها هي مفاتيح التطور والانجاز في كل عصر وأوان. ولأنها السيرة الشريفة للنبوة الخاتمة الخالدة والرسالة التي بعثها الله لاكتمال رسالاته فان عطاءها مستمر حتي يوم القيامة.. ومعجزتها القرآن الكريم يحتاج الي من يغوص في أعماق كل جيل ليجد المزيد من اللآئي والأحجاز الكريمة والمعاني الرائعة التي تليق وتتفق مع كل عصر ومع كل زمان بأحكامه ومعارفه وعلومه. فلا تتناقض هنا أو هناك لأنه كل من عند خالق الكون "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير". ** ان السيرة النبوية ليست سيرة انسان أو نبي عادي بل هي سيرة خير خلق الله كلهم كان عليه الصلاة والسلام قرآنا يمشي علي الأرض وسنته تبيانا للاعجاز القرآني.. وسيرته هديا وروحا وعملا وفكرا وتشريعا.. وتعاملا من وحي القرآن.. ومن هدي الله سبحانه وتعالي انه بشر.. وانه خير خلق الله كلهم.. انه انسان غير انه نبي الله وحبيب الله وصفي الله ومصطفاه.. لا يكتمل ايمان عبد الا بشهادتين الأولي هي انه لا إله الا الله والثانية هي أن محمداً رسول الله.. هو عبدالله.. وما أشرفها من عبودية.. ورسوله وما أعظمها من أمانة.. هو حبيب الله وكفاه فخراً أن يكون الحبيب.. فاذا كان ابراهيم خليل الله.. وموسي كليم الله وعيسي يشفي باذن الله وأحيا بأمر الله وهو روح الله.. فان محمدا عليه الصلاة والسلام هو حبيب الله.. قال له الله: "وأنت يا محمد حبيبي" وعده الله الشفاعة.. ونسأل الله العظيم ان يهبه الوسيلة والفضيلة ويبعثه مقاما محمودا الذي وعده "ان الله لا يخلف الميعاد". قراءة عصرية في سيرة خير خلق الله.. تشير بسهولة ويسر الي اكتمال وكمال دين الله الذي أرسله للبشر جميعا علي قلب محمد عليه الصلاة والسلام.. الذي أخبرنا الله عنه في قرآنه الكريم "ان الله وملائكته يصلون علي النبي" وأمرنا الله كمؤمنين أن نصلي الله ونسلم تسليما "اللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد". ** قراءة عصرية في سيرة خير البرية لن تلغي أنه بشر كان الله يوحي اليه.. روح في جسد مثل كل البشر من بني آدم.. يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتزوج النساء.. لكنه في نفس الوقت امام اولي العزم من الرسل والأنبياء روحه مرتبطة برب الأرض والسماء.. ميزه الله سبحانه وتعالي كما ميز اخوانه من الرسل والأنبياء بالفطرة السليمة.. وكمال الروح.. أشرقت روحه بنور علم الله.. وأنارت بالأمانة علي مكنون سر الله.. هو الخاتم.. فتميز بميزة من عند الله سبحانه وتعالي ليكون شاهدا علي العالمين ونهاية عالم الشهادة وبداية عالم الغيب. سيرة خير الخلق موجودة في القرآن.. فهو اليتيم الذي رعاه الله.. فكانت روحه كلها حب وعطاء ورحمة.. بل جعله رحمة مهداه من عند الرحمن الرحيم.. لم يجعله رحمة للمؤمنين فقط بل جعله الله رحمة للعالمين. كان فقيرا فأغناه الله.. لذلك انحاز الي الفقراء والمحتاجين حبا وشوقا ورغبة وايمانا واحتسابا بل ان الله أغناه ليعول كل من يعولهم فتحمل كل المسئولية وكان خير راع لرعيته. تحمل صابرا كل الإيذاء من الكافرين وعندما خيره الله ليعذبهم.. دعا الله أن يرحمهم لعل يخرج من أصلابهم من يوحد الله.. وعندما فتح مكة نسي كل ايذاء.. وتناسي انهم أخرجوه من أحب بلاد الله اليه وقال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء. وبرغم كل ما تحمله في سبيل دعوته من عمل شاق وجهاد وبكل أنواعه.. وايذاء من كل من رفض دعوته الا انه عليه الصلاة والسلام كان بشوشا يمزح ولا يقول حين يمزح الا حقا.. ويسامر أصحابه.. ويداعب زواره وفي دعابته لا يكذب أبدا.. يقدم اليسر علي العسر ويهتم بكل انسان.. يرحم المرأة والطفل وكل ضعيف. سيرته عليه الصلاة والسلام نموذج فريد لما يحلم به العالم المتحضر من حقوق للانسان وحقوق للمواطن والوطن والعقيدة.. وكل حريات البشر المسئولة الداعمة للحق والخير والجمال. عليك صلاة الله وسلام يا خير خلق الله "والي عدد قادم بإذن الله"