رغم محاولات الملحدين الجدد التضخيم من شأنهم والظهور الإعلامي المكثف والتأكيد علي انهم في مصر بالملايين وان لهم شوارع ومقاهي خاصة إلا انه الدكتور عمرو شريف في كتابه ¢وهم الإلحاد¢ يري الصورة مختلفة من خلال رصده لجذوره وتطوره وكيفية مواجهته ومحاصرته وعدم الاستهانة به لأن معظم النار من مستصغر الشرر. يقدم الكتاب فكرة مختصرة عن الإلحاد الجديد ويؤكد أن الإلحاد المعاصر منتج أوربي في المقام الأول ومنه انتقل الي بلادنا ولهذا لابد وأن نعرف جذوره حيث انه من خمسمائة سنة كان الكتاب المقدس هو المصدر الرئيسي للمعرفة في أوروبا وتنبي رجال الكنيسة الكاثوليكية آراء ارسطو وبطليموس العلمية حول الكون والعلوم الطبيعية والحقوها بمفاهيميهم المقدسة ووسط هذا التضييق الديني اطل االالحاد براسه حيث تسببت هذه الاكتشافات في زيادة الصراع بين العلم والدين حيث تمرد الملحدون علي ثلاثيات الدين الثلاث وهي: - هناك إله خالق للكون - هناك خطة كونية وغرض كوني للخالق من الخلق وهي ما يطلق عليه ¢الغائية¢ - العالم يمثل نظاما اخلاقيا يحدده الاله الدين والعقل أدي تنكيل رجال الدين المسيحي في أروبا بالعلماء والمبدعين الي تبني موقف عدائي من الدين وأستمر هذا الموقف في تزايد حتي وصل الي المقولة الشهيرة التي اطلقها كارل ماركس في بداية القرن العشرين ¢ الدين أفيون الشعوب ¢ الا أن هناك من ارجع ظاهرة الالحاد الاوربي إلي الفيلسوف اليوناني ديموقريطس الأبديري الذي أرجع توالد العوالم وموتها إلي الضرورة دون أن يخلقها إله فقال عنه كارل ماركس : ¢إنه أول عقل موسوعي بين اليونانيين¢. ورغم سقوط الماركسية إلا أن ظاهرة الإلحاد ظلت ملحوظة بل ومتزايدة في المجتمعات الغربية وهذا يرجع إلي حد كبير في العلمانية التي كانت سبب في نزع القداسة من المقدسات ولكن عندما ننظر للحضارة الإسلامية فنجد أن ظاهرة الإلحاد تكاد تكون غير مقبولة عقليا فقد نجد شخصيات قلقة إيمانياً أو لديها بعض الشكوك في بعض الفروع في الدين ولكن لا نجد الإلحاد بمعني نفي وجود الله من الأساس. ويشير المؤلف الي أن التاريخ الغربي ضيق علي العقل والعلم وأعتبر أن أي مخالفة لهذا لدين المسيحي تعتبر هرطقة مما فتح الباب للتمرد علي الكنيسة وسبب في النهاية الإلحاد . وأوضح المؤلف انه مع تزايد التناقض بين العقل والنقل في التراث الغربي فإنه المقابل في تراثنا العربي والإسلامي نجد تقديرا واحتراما لدور العلماء لقد جاء الحديث القرآني عن العلماء الذين هم الأكثر خشية لله في سياق الحديث عن علوم الكون الطبيعية - وليس العلوم النظرية - في سياق الحديث عن الماء والسماء والنبات والجيولوجيا والإنسان والحيوان والحشرات وغيرها حيث قال الله تعالي : ¢أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتي مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدى بِيضى وَحُمْرى مُخْتَلِفى أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودى . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفى أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَي اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزى غَفُورى¢. عرض المؤلف بالوقائع انه بينما كان التجريب في الطبيعة وعلومها في الغرب المسيحي هرطقة يفر أصحابها من محاكم التفتيش و محارقها إلي الإلحاد كان التجريب في الحضارة الإسلامية عبادة يتقرب بها أصحابها إلي الله مؤكدا أن الإلحاد يفترس طمأنينة النفوس البشرية في مجتمعات غربية تتمتع بأعلي مستويات المعيشة والإشباع للشهوات فتشهد مع ذلك أعلي مستويات القلق والانتحار بينما يضمن الإيمان الديني طمأنينة النفوس في أكثر المجتمعات الإسلامية فقراً فلا تجد فيها أثراً لانتحار الملحدين. يحاول المؤلف في الفصل الأول : نشأة الإلحاد المُعاصر حتي خمسمائة عام مضت كان المصدر المعرفي الرئيسي في أوروبا هو الكتاب المقدس وكذلك تبني رجال الكنيسة آراء فلاسفة اليونان خاصة أرسطو حول الكون والعلوم الطبيعية وألحقوها بمفاهيمهم المقدسة وكان من قناعات هؤلاء القساوسة أن الأرض ثابتة وهي مركز الكون ولكن أصدر العالم الفلكي والرياضي البولندي كوبرنيكوس أن الأرض مجرد تابع يدور حول الشمس وأكد ذلك العالم الايطالي جاليليو ووصل العلم إلي ذروته مع العالم البريطاني اسحق نيوتن الذي كان مسيحيا أريسياً يقول بنبوة المسيح ورغم ذلك فنجد أن الأسباب الرئيسية في الإلحاد لم تكن مشكلة علمية علي الإطلاق بل هي مشكلة نفسية فلسفية ترجع لأسباب أهمها : 1 - ما تعرض له العلماء من اضطهاد علي أيدي الكنيسة 2 - طرح نظرية التطور الداروينية التي قالت أن الإنسان قد نشأ تطوراً فرأي الكثير أن الإله ليس له صلة مباشرة بالكون 3 - بعد توصل نيوتن لقوانينه سادت النظرة المادية وصار ينظر للنظام الشمسي بل ولجسم الإنسان باعتبارهما كالساعة الزنبركية التي تُملأ ثم تُترك لتعمل تلقائياً دون الحاجة لإله . 4 - نجاح العلم في التنبؤ بالظواهر الطبيعية. 5 - ارتباط القيم الأخلاقية بمصالح البشر المادية وتلاشي دور الآلهة في وضع منظومة أخلاقية للحياة وغير ذلك من الأسباب . وبدخول القرن العشرين ظهرت مقولة الدين أفيون الشعوب التي أطلقها كارل ماركس وهو يقصد بها أن الحُكام والأغنياء يستغلون مفهوم الدين لتخدير الفقراء وأيضا مقولة فيلسوف الإلحاد نيتشه : ¢هل مات الإله؟¢ والتي ظلت عنوانا يتكرر في الصحف اليومية حتي الآن. الالحاد الحديث لم يكتف المؤلف بالآراء السابقة بل انه استمر في عرض جذور الفكر الالحادي المعاصر حتي السنوات الأخيرة فمثلا في عام 2006 ظهر في الغرب اصطلاح ¢ الالحاد الجديد ¢ الذي لم يكتف باحياء مفاهيم الفلسفة الوضعية المنطقية بما فيها من نظرة مادية بل رفض التعايش بين الالحاد والدين ولم يكتف بنقض الالوهية والمفاهيم الدينية وطرحها للتحليل العلمي والموضوعي لكنه تنبي اسلوب الهجوم والانتقاص والسخرية وقد قامت هذه المفاهيم العدائية علي كتابات ظهرت في الولاياتالمتحدة وبريطانيا بين عامي 2014-2007 لمجموعة من الملاحدة وقد استغل هذه الكتابات عدد من كبار الناشرين الغربيين ووقفوا وراءها طباعة وتسويقا حتي لاقت رواجا كبيرا وقرأها الملايين واحتلت قوائم اعلي المبيعات. تسييس الالحاد يشير المولف الي أن وراء الالحاد الجدي أبعادا سياسية كشفت عن وجهها في السنوات الاخيرة واهمها الترويج للخوف من الاسلام او ما يطلق عليه ¢الاسلاموفوبيا¢ اذ أن هذه الفترة تتنبي مفاهيم صمويل هننجتون التي طرحها في كتابه ¢ صراع الحضارات والتي تؤصل للعداء للاسلام في نفوس الشعوب لذلك فإن الالحاد الجديد ليس جديدا. يركز كثير من الملاحدة الشبان - الذين يروج لهم الاعلام- في هجومهم علي الالوهية والدين علي التشكيك في مصداقية القرآن الكريم والانجيل وينكرون نسبتهما الي الله تعالي ويدور التشكيك حول عدد من النقاط اهمها : - تعتبر نظرية التطور الدرويني اهم الاعمدة التي يستند اليها الملاحدة فهي بزعمهم تنفي الاحتياج للاله كما تثبت خطأ مفهوم الخلق الخاص الذي تطرحه التفاسير التراثية للقرآن وسفر التكوين. - تتحدث العديد من كتب التفسير عن اية السيف التي تنسخ عشرات الايات التي تؤكد حرية العقيدة في القرين بل وتصل الي حد قتل من لا يؤمن بالاسلام مما يدمغ الاسلام بالارهاب لا.