لقد شدَّد الإسلام علي حرمةِ قتلِ النَّفس لِمَا لهَا من مكانةي عاليةي لديهِ. ووَضعَ الأحكام والقواعد التَّي تُحافظ عليهَا. وتمنعُ العدوان عليها. فنجدهُ مثلًا يَنفِي عن المؤمنِ مُجرد إرادةِ قتلِ أخيه. لأنَّ هذا لا يتوافق مع دينهِ ¢ الإسلام ¢. وإنْ حدَثَ ذلك فإنهُ لا بدّ أن يكونَ نتيجة خطأ لا عَمداً. قال تعالي في سورة النساء ¢وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ.... ¢ "الآية 92". إنَّ الإيمان الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي قد عقد الله بينه وبينه الأخوة الإيمانية التي من مقتضاها محبته وموالاته. مهما كانت الأسباب واختلافات وجهات النظر. بل يجب عليه إزالة ما يعرض لأخيه من الأذَي. وأيُّ أذي أشدُّ من القتلِ وهذا يصدق قوله - صلي الله عليه وسلم: ¢ لا ترجعوا بعدي كفارًا يَضربُ بعضكُم رقاب بَعضي ¢. فعُلم من ذلك أنَّ القتلَ من الكفرِ العمليّ وأكبر الكبائرِ بعد الشرك بالله. لذَا فإنَّ القتل العمد له الحكم الشديد في الدنيا والآخرة. وأخبرَ سبحانه بأنَّ جزاءه جهنَّم. قال تعالي: ¢ ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ¢ "سورة النساء /93". ولعظمِ قتل النَّفس بغير حقّي نجدُ أنَّ القرآن قرنها بالشركِ بالله تعالي. وكل ذلك حرصًا من الإِسلام علي سَلامةِ النفوسِ المعصومةِ من الاعتداء. قال تعالي: ¢ قل تعالوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ¢ "الأنعام /151". وأكد النبي - صلي الله عليه وسلم - حرمة دماء المسلمين. وأنها معصومة من الاعتداء. فقال - صلي الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: ¢ لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلا بإحدي ثلاث: النفس بالنفس. والثيب الزاني. والمفارق لدينه التارك للجماعة ¢. ومنعَ - صلي الله عليه وسلم - الاعتداء علي المسلم من الناحية المعنوية أو الجسديَّة. فقال- صلي الله عليه وسلم: ¢لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابرُوا ولا يبيع بعضُكم علي بيعِ بعض وكُونُوا عباد الله اخوانًا. المسلمُ أخو المسلم لا ظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوي ها هنا. ويُشير إلي صدره ثلاث مرات. بِحسْب امرئي من الشرِّ أن يحقر أخَاه المسلم. كل المسلم علي المسلم حرام: دمه وماله وعرضه ¢. "رواه مسلم". وحرمة هذه الثلاثة مشهورة معروفة ومعلومة من الدين بالضرورة. وجعلها لكل مسلم لشدةِ اضطراره إليها. فالدَّم فيه حياته. ومادته المال فهو مال الحياة الدنيا. والعِرْض به قيام صورته المعنوية - كما قال المناوي رحمه الله -. بل أكثر من ذلك فقد ورد المنع عن الحبيب المصطفي أن يُشار إلي المسلم بحديدة ونحوها. خشية أن تذلّ يد أو يحدث خطأ ما فيصاب المسلم بأذي. فقال- صلي الله عليه وسلم: ¢ إن الملائكة لتلعن أحدكم إذا أشار إلي أخيه بحديدة وإن كان أخاه لأبيه وأمه ¢. "رواه ابن حبان". فالإسلام يَنهي عن قتلِ النفس - أيّ نفس كانت: ¢... أنهُ من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً... ¢ "سورة المائدة /32". لأن النفس لها مكانة تعادل كل النفوس في حرمة الاعتداء. وضرورة الحفاظ عليها حتي ولو لم تكن مسلمة. فمن استحلَّ قتلها بلا سببي أو جنايةي فكأنما قتل الناس جميعا لأنَّه لا فرق عنده بين هذا المقتول وغيره. أي لا فرق بين نفسي ونفسي. ومن أحياها وحرَّم قتلها واعتقد ذلك. فقد سَلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار. وهنا نؤكِّد أن الإسلام عَصَم - أيضاً - أنفس المعاهدين والمستأمنين ومن في حكمهم. وأنَّ من أعطاهم الأمان من المسلمين أين كان ذاك المسلم وجب عدم نقض هذا العهد والأمان. قال - صلي الله عليه وسلم: ¢ ذمة المسلمين واحدة فمن أخْفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل ¢ "أخفر أي نقض العهد". لذا فالحكم علي المفسدين والقتلة يتناسب وجرمهم. فكما أن الفساد ضرره شديد وآثاره خطيرة كان الحكم علي صاحبه شديدًا ردعًا لمن تسوِّل له نفسه بترويعِ الآمنين والاعتداء عليهم. قال تعالي: ¢ إنما جزاء الذين يحاربون الله رسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض... ¢ "المائدة / 33". وقتل النفس - مسلمة أو غير مسلمة - بغير حق إفساد عظيم في الأرض لا يتوافق وديننا الحنيف. دين الإصلاح والإعمار والنهي عن كل فساد قل أو كثر. قال تعالي: ¢ ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها...¢ "الأعراف /56". وحذَّر قرآننا الخالد من تلبيس المجرمين المفسدين علي الناس أفعالهم بما يقولونه لهم من أنهم يريدون الخير وخدمة الأمة. قال تعالي: ¢ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله علي ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ¢ "البقرة 204-206". قال ابن جريج: ¢ سعي في الأرض ليفسد فيها ¢ أي قطع الرحم. وسفك الدماء دماء المسلمين. فإذا قيل لم تفعل كذا وكذا؟ قال: أتقرَّب به إلي الله - عز وجل -انَّ الإسلامَ مبناهُ علي الرفقِ واللينِ. وعدم العنف. لذا فليس فيه ما يدعو إلي قتل الأبرياء والاعتداء علي الأنفس المعصومة. فقد قال النبي- صلي الله عليه وسلم - لعائشة رضوان الله عنها وعن أبيها الصديق: ¢ يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق. ويعطي علي الرفق مالا يعطي علي العنف وما لا يعطي علي ما سواه هذه هي دعوة الاسلام لمن اراد الحقيقة اعتدال وسمو ويسر ووسطية لا تطرف ولا غلو. فالإسلام بنصوصه قد سبق غيره من الأنظمة والقوانيين في تأكيده حرمة الاعتداء علي الإنسان. بل قل كل الموجودات إلا إن وجد السبب الملجئ لذلك. وعلماء المسلمين قديمًا وحديثًا قرروا أنَّ الإرهاب الذي يتمثل في التفجير العشوائي. وسفك الدماء البريئة. وتخريب المنشآت. وإتلاف الأموال المعصومة. وإخافة الناس. والسعي في الأرض بالفساد أمرى لا يقرُّه شرع ولا عقل سليم.