عجبت من الذين لا يراعون في مصر إلا ولا ذمة. ولا يعرفون قامتها. ولا مكانتها في الدين والتاريخ! فنسمعهم يلوثون اسم مصرفي قنوات غير مسئولة كل يوم. ونشاهد أعمالهم وهي تتنافر مع أخلاق أهل مصر الطيبين. وألسنتهم. وهي تجرح في المخلصين من العلماء أبناء هذا البلد الآمن. فالتطرف اللفظي سمتهم. والتخريب دأبهم. وقتل الأبرياء من جنود أبناء الكنانة وزهرة شبابها.وبث الفتنة بين أبنائها. هو قمة غايتهم. ومصدر سعادتهم! وهم بذلك يظنون أنهم يحسنون صنعا. وقد كذبوا وضلوا. فمصر التي لا يعرفونها مهما أصابها من هؤلاء الصداع فستشفي بإذن الله. ويظللها الأمن. والأمان. ولتأكيد ذلك عليهم أن يراجعوا كتاب الرحمن فلا يوجد وصف بالأمن. لأي من بلاد الدنيا سوي لمصر. والبلد الحرام. قال عز وجل لنبيه. ومن معه: "لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين" وذكر جل جلاله دعوة نبي الله يوسف لأبويه وإخوته مبشرا لهم بقوله: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". ولينظر العقلاء إلي مدي تطابق العبارتين من النبيين الكريمين في: الإيقاع والألفاظ. والحروف. والكلمات. وما فيهما من بشريات بالأمن للبلدين: مكة ومصر حفظهما رب الأرض والسماء. هذه مصر التي لا يعرفون من الذي آمنها. ومن الذي حكي عن أمنها وأمان أرضها؟! بل إن هؤلاء لم يقفوا علي ذكر مصر في الكتاب المقدس عند المسيحيين فقد ذكرت مئات المرات. ففي العهد القديم ذكرت باسمها صراحة "531 مرة" وذكرت في الأناجيل أكثر من "28" مرة. وهو ما لم يحدث لغيرها من البلدان والاماكن في الدنيا كلها. بل إن سفر الخروج يروي: خروج بني إسرائيل من مصر. وعبورهم إلي فلسطين. والمشاهد كلها من أرض مصر الآمنة. وفي سفر أشعياء يبارك الرب¢ شعب مصر وأهلها¢. ونعود إلي القرآن. كتاب الرحمن لنشاهد مصر التي لا يعرفونها ينزل بالإخبار عنها وعما وقع فيها من أحداث الأمين جبريل علي قلب الأمين محمد صلي الله عليه وسلم في مواضع عديدة. قد يظن البعض أنها تمثلت في بضع وثلاثين مرة صراحة وضمنا. كما يقال. وهذا غير دقيق عندي. فمصر قد جاء ذكرها في أكثر من ثلث القرآن. فمثلا في سورة البقرة نجد صفحات طوال تتحدث عن بني اسرائيل في مصر. وقصة القتيل. والبقرة. وحكاية موسي مع قومه وحوارهم المتدني معه "أتتخذنا هزوا" ورده المهذب عليهم: "أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين" وتمردهم اللامعقول في طلب رؤية الله عز وجل ورده الرائع عليهم الخ. وهذا في عرض قرآني يجذب الألباب وينشط العقول. وفي سورة المائدة نجد كشفا مجهريا رائعا إن صح التعبير لنفوس اليهود لم يسبق في أي كتاب سابق. ويقدم في صورة تقرير لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فيكشف حقيقة جبنهم. ومدي حبهم للحياة. وعدم طاعة نبيهم في العبور من مصر إلي الأرض المقدسة. وذلك لأن مصر يشعرون فيها بأمن وأمان لا يجدونه في غيرها. لذا عصوا نبيهم. وامتنعوا عن تنفيذ أوامره. وهذا في صفحات متعددة. وفي سورة الأعراف نجد حديثا فياضا عن موسي وبني اسرائيل في مصر. وفي سورة يونس والتي فيها قول المولي لموسي وأخيه: "أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا..." وفي سورة يوسف حديث عن اقتصاد مصر. وكيف بعث الله لها رجلا يحل مشكلة اقتصادها لا من جامعات غربية. ولا شرقية. إنما هو متخرج من جامعة التوحيد الإلهي مع إخوانه الأنبياء. إنه نبي كريم اصطفاه رب العالمين. وقدمت سيرته الذاتية في آيات بينات تشرق بالنور. والعفة. والهداية لمن أراد معرفة الهداية. ولذا نجح في وظيفته في مصر بفضل رب البرايا. وكذلك تري حديثا عن موسي. وفرعون في سورة طه. والشعراء. والنمل. وأفاضت سورة القصص عن ميلاد موسي في مصر. والإيحاء لأمه. ومتابعة أخته له. وسكنه في دار فرعون. وحفظ نيل مصرله. وتوجهه لمدين. وزواجه. ورجوعه لمصر. الخ. وذلك في أكثر صفحات السورة. وأيضا في سور المزمل. النازعات. والتين. وغيرها. كل ذلك يدلل علي أن الحديث عن مصر في القرآن أخذ مساحة كبيرة. وذلك لعظمة مكانتها. وقيمتها عند رب العالمين. ولذا أوصي بها. وبأهلها خيرا الرسول الأمين. عليه الصلاة وأتم التسليم. وهذا ما لا يعرفه المبطلون عن مصر المحروسة وللحديث بقية بإذن الله تعالي.