لم تكن هجرة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم إلا من أهم ما عرف تاريخ المغامرة في سبيل الحق والعقيدة والإيمان قوة وروعة. فلم تكن فراراً في سبيل دعوته. وإنما كانت نصراً مبيناً للإسلام ومتنفساً للمؤمنين. بعد ما أصابهم في سبيل الله بمكة. علي يد المشركين من قريش. وصناديد الكفر حول البيت الحرام من عسف. وفي الهجرة ما فيها من مشقة وعنت لاقاه المسلمون متمثلاً في هجرتيهم إلي الحبشة. تاركين أحب الأوطان إليهم. وأحب أرض الله إلي الله!!. عاد محمد صلي الله عليه وسلم من المنفي بشعب مكة وأصحابه بعد هلاك الصحيفة الظالمة. وجعل يذيع دعوته في مكة وفي القبائل التي تجيءإليها في الأشهر الحرم. ومع ما ذاع من أمر الرسول وكثرة أتباعه فإنه ظل هو وأصحابه. لا يسلمون من أذي قريش. وهو لا يستطيع منعهم من ذلك. ومما زاد من أسي الرسول صلي الله عليه وسلم الفاجعتان اللتان اهتزت لهما نفسه. وضاقت عليه الأرض بما رحُبت. وهما موت عمه وناصره "أبو طالب" وزوجه الحنون خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وكان ذلك قبل هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم إلي المدينة بثلاث سنوات وكان ذلك في عام واحد سماه الرسول صلي الله عليه وسلم عام الحزن. وحتي لا تتأثر الدعوة. وتتناوشها رياح الكفر تزوج الرسول صلي الله عليه وسلم بسودة بنت زمعة العامرية القرشية بعد أن توفي عنها زوجها. وابن عمها السكران بن عمرو وكانت قد هاجرت معه إلي الحبشة خوف الفتنة. وعقب رجوعهما إلي مكة توفي عنها زوجها. فلم يكن أجمل بالرسول مما فعل من الزواج بزوج رجل آمن به. لأنها لو تركت لقومها لفتنوها. وكرم نسبها بمنعها من التزوج برجل أقل منها نسباً وشرفاً فكان محمد صلي الله عليه وسلم.. منع كفار قريش محمد صلي الله عليه وسلم من تأدية رسالته. فكان يخرج في المواسم العربية يعرض نفسه علي القبائل ليحموه حتي يؤدي رسالته. فكان بعضهم يرده رداً جميلاً. وآخرون يردونه. هجرة الرسول إن قريشاً لتحسب ألف حساب لهجرة النبي صلي الله عليه وسلم إلي يثرب التي كثر المسلمون فيها حتي كادوا يصبحون اليد العليا. ويزيدهم قوة انضمام مهاجري مكة إليهم. وإذا بقي محمد بمكة وحاولوا منعه. فهم معرضون للأذي من اليثربيين دفاعاً عن نبيهم ورسولهم فلم يبق إلا أن يقتلوه ويستريحوا منه. لكنهم إن قتلوه فلن يفلتوا من يد بني هاشم وعبدالمطلب وتستعر الحرب في مكة فتكون شراً وبيلاً. ولكن لابد من الهجرة. وخاصة بعدها علم الرسول صلي الله عليه وسلم بنبأها بيتت قريش لقتله.. وتبدأ المغامرة بالهجرة متمثلة في قول الحق سبحانه وتعالي: "إلا تنصروه. فقد نصره الله. إذ أخرجه الذين كفروا. ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا. فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي. وكلمة الله هي العليا. والله عزيز حكيم" الآية 40 من سورة التوبة. تنفيذ المؤامرة بيت الكفار لقتل الرسول صلي الله عليه وسلم. ورصدوه علي باب منزله طول الليل ليقتلوه إذا خرج فأمر النبي فتي الإسلام الأول علي بن أبي طالب أن ينام علي فراشه. ودعا الله أن يعمي عليهم أثره فطمس الله علي أبصارهم فخرج إليهم. وقد غشيهم النوم. فوضع علي رءوسهم التراب نكاية بهم وتنكيلا. ثم نهض إلي مهمته فلما أصبحوا أخرج إليهم عليّ وأخبرهم أن ليس في الدار أحد. فعلموا أن الرسول قد فات ونجا. وتواعد الرسول مع أبي بكر علي الهجرة. فدفعا راحلتيهما إلي عبدالله بن أريقط وهو كافر لكنهما وثقا به. وكان دليلاً بالطرق فاستأجراه ليدلهما علي الطريق إلي المدينة. وخرج الرسول وصاحبه ترعاهما عناية الله من خوخة في ظهر دار أبي بكر. ونهضا نحو الغار في جبل ثور.. وساعد علي نجاح الرحلة عبدالله بن أبي بكر الذي كان يتسمع ما يقوله المشركون فيبلغهما به وكذلك أسماء ذات النطاقين التي أعدت لهما طعام الرحلة وعامر بن فهيرة الذي كان يرعي الغنم فيعفي آثارهما ويذهب إليهما ليلاً فيأخذان حاجتهما من اللبن واللحم. وقامت قيامة قريش فبحثت عنهما في كل مكان. ولكن طاش سهمهم. وخاب فألهم حين وصلوا الغار فوجدوا العنكبوت قد نسج بيته علي فم الغار. فأيقنوا أن لا أحد فيه. وما أمر الحمامة التي باضت علي نسج العنكبوت ورقدت علي بيضها إلا آية من آيات الله التي ردتهم عن الغار خائبين إلي غير ذلك مما هو كثير عن الرحلة المباركة.. وربما كانت لنا عودة مع الهجرة المباركة.. والله من وراء القصد وهو المستعان.