تشهد مصر انتشارا مفزعا للفكر العلماني بين الشباب في ردة فعل عملية عنيفة علي تجربة الاسلاميين في العمل السياسي والحكم في مصر بعدما وصم البعض الاسلاميين بالشراهة للحكم والسيطرة . واستغل البعض الآخر فتاوي قديمة ومستهلكة وآراء شاذة وقضايا عفا عليها الزمن في التسويق للفكر العلماني بين شباب ماقبل العشرين بشكل يمثل خطورة حقيقية علي مستقبل هؤلاء الشباب الذين يؤثرون دون شك في مستقبل استقرار الوسطية الاسلامية في مصر وتمثل انحرافا فكريا . وشططا اجتماعيا لا يقل خطورة عن اليمينيين المتطرفين من منتسبي بعض الجماعات الارهابية التي تنتسب الي الاسلام . ولذا فإن المواجهة الفكرية بالحجج من الأزهريين الوسطيين ضرورة لا غني عنها . وغيابها واقتصار الدعوة الاسلامية في مصر علي تعليم كيفية الوضوء والاغتسال . وترك شباب الأمة فريسة سهلة لتلك الأفكار الغريبة علي مجتمعاتنا. وحتي لا أتحدث وأنظر بعيدا عن الواقع أسوق لكم تجربة عملية مع هؤلاء الشباب إذ ساقني قدري الي أن أحضر الصالون الثقافي لحركة علمانيون الذي يعقد اسبوعيا في وسط القاهرة ويدعون اليه كبار المحاضرين . ورحت الي هناك في صحبة أحد المحاضرين وكان صديقي الباحث في حركات الاسلام السياسي منير أديب والذي كان يحاضرهم عن داعش وخطورته . لكنني فوجئت أن المحاضر والذي جادلته كثيرا في جدوي محاضرتهم وأقنعني صراحة أن هذا جزء من المواجهة الفكرية وتصحيح الصورة المغلوطة وتوضيح المفاهيم . اضطر المحاضر في الندوة لأن يخاطبهم علي قدر عقولهم وبما يتقبلونه فراح كلما تحدث في مسلمات لدي كل أهل الاديان يعقبها بتعليق .إذا ما كنا جميعا نؤمن بوجود اله . واذا ما كنا جميعا نؤمن بوجود رب لهذا الكون . وما الي ذلك من عبارات . وحين عاتبته علي ترديد مثل هذه المفاهيم التي تصطدم اصطداما مباشرا مع عقيدتنا . فأجابني بأن هؤلاء بينهم ملحدون . وهم بالأصل علمانيون . وبعضهم ينكر فكرة الأديان علي جملتها . فلابد أن أستخدم في مخاطبتهم ما يتقبلونه . انتهت المحاضرة التي قدمت فيها أكثر من مداخلة وحرصت أن أكون معلقا علي كل ما يتاح لي التعليق عليه لأني اكتشفت نفسي ربما الأكثر تدينا بين الحاضرين ووجدتني أدافع عن الاسلام ووسطيته وسماحته . ورسالة الأزهر القامة التي تدافع عن وسطية الاسلام وتنشر صحيح الدعوة الي غير ذلك من المفاهيم . أما علي مستوي المحاضرة والمشاركين فكانت أسئلتهم في أغلبها طعونا قديمة في مسائل مستهلكة لكنها تمثل طعنا في الاسلام . طعنا في الأزهر وينشر الفكر المتطرف . وما لفت نظري أيضا هو أن أغلب من يطعنون في مبادئ وقضايا اسلامية هم في الأصل أقباط . بل وأغلب هؤلاء العلمانيين في ذلك الصالون أقباط أيضا لكن بينهم مسلمون . ومدير الصالون أحمد سامر مسلم علماني أيضا . والشاهد من هذه القصة أن الفكر العلماني موجود بشكل لافت كنتيجة ردة فعل فترة سيطرة الاسلاميين علي مقاليد الامور في البلاد واستغلال البعض فكرة المعارضة السياسية للاسلاميين في تكريس كراهية الاسلام وانكار وجود الاديان وبالتالي اعتناق الفكر العلماني بشكل يمهد للالحاد الكامل وانكار وجود اله خالق ورسالات سماوية للبشرية اختتمت بالدين الاسلامي الذي نزل علي خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم رسالة عالمية للدنيا كلها تبصرهم بأمور دينهم وتمنحهم التوجيهات الالهية التي تيسر لهم طاقة روحية تساعدهم في ممارسة أمور دنياهم بشكل أنقي وأرقي وأفضل. الأزمة الأكبر تتمثل في غياب المواجهة الفكرية مع كل هؤلاء . وغياب الشخصيات القادرة علي الدخول في مثل هذه الحوارات الشديدة الجدل المليئة بالغرائب . وتحتاج لنوعية مؤهلة جيدا فيما يرتبط بمقارنة الأديان وغيرها من الأمور في محاولة لتصحيح الصورة والمفاهيم . يقول الدكتور مصطفي مراد .أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر. إن مواجهة الأفكار العلمانية المتطرفة والالحاد مهمة أصيلة لأساتذة مقارنة الأديان . والفلسفة الاسلامية في جامعة الأزهر الذين يعكفون بطبيعة تخصصاتهم علي دراسة فلسفات الأفكار والثقافات والأديان الأخري مقارنة بالاسلام وتوضيح حجم الحقيقة المبالغ فيها في الاسلام مقارنة بغيره من الأديان والثقافات . ورغم أن الأزهر يملك الكثير من الكفاءات القادرة علي الدخول في المواجهة الفكرية لكل الافكار الشاذة الا ان أحدا لم يبادر ربما حتي الآن لخوض هذه التجربة المهمة في هذا الوقت الذي شهدت فيه البلاد ظهورا للتطرف اليميني واليساري علي السواء . ومواجهة التطرفين لا يقلان أهمية عن بعضهما البعض . أضاف : المواجهة الفكرية تحصن المجتمع من شيوع هذه الافكار الهدامة التي تفت عضد الامة وتنال من قوتها وتمثل سهاما مسمومة في عجز الأمة ربما لا يحسب البعض لها حسابا وهي التي تتسبب في انتشار كل هذا الخراب الدائر في المنطقة من حولنا . من جهته أوضح الدكتور عبدالله عبدالعليم الصبان .أستاذ ورئيس قسم الحديث في جامعة الازهر . أن الاسلام دين عالمي جاء ليبصر البشرية بدين رب العالمين علي لسان نبينا الكريم . صلي الله عليه سلم .وكم من أفكار غريبة حاربها الإسلام قديما وحديثا . بل إن الاسلام حين جاء للبشرية أحدث ثورة هائلة في مواجهة عادات جاهلية وأفكار بدوية ومعتنقات خاطئة . فحرم الخمر لضرره . والوأد لظلمه . وحرر المرأة لايمانه بحقيقة مكانتها . ولن تستقيم الدنيا الا باستمرار مهمة اسلامية اصيلة تتمثل في تصحيح المفاهيم ومواجهة الافكار الشاردة والواردة للابقاء علي أمتنا وسطية كما كتب الله لها أن تكون .