حينما نتحدث عن الشهور الهجرية فإننا نتحدث بشكل أدق وأعمق عن الشهور القمرية التي عمل بها العرب وغيرهم من الأمم قبل الإسلام. وإذا كان التاريخ الهجري الذي بدأ منذ هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم إلي المدينةالمنورة لم يتعد خمسة عشر قرنا من الزمان فإن الشهور القمرية التي يحسب بها ذلك التاريخ موجودة من قبله ومعمول بها منذ خلق الله السماوات والأرض قال الله تعالي: ¢ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم¢ التوبة:36 وإذا نظرنا للآية السابقة سنجد فيها إشارة إلي الوحدة الزمنية التي تحسب بها الأعوام وهي اليوم والشهر وقد ذكرت كلمة "شهر" في القرآن الكريم بصيغة المفرد 12 مرة. بعدد شهور السنة أما كلمة "يوم" فقد ذكرت أيضا بصيغة المفرد وقد وردت 365 مرة بعدد أيام السنة "إعجاز" والشهور التي ذكرت في القرآن الكريم غالبا هي الشهور القمرية. وهذه هي الشهور التي تعلمها إبراهيم عليه السلام من جبريل وكان يحسب بها الأزمنة ويتعبد عليها وقد تعلم إسحاق ويعقوب من أبيهما إبراهيم ذلك التقويم القمري وعملت به ذريتهما من بعدهما حتي عاش بنو إسرائيل علي أرض مصر والتي كانت لهم حساباتهم الفلكية والشمسية المختلفة والتي قسم المصريون فيها أيام السنة ال365 إلي12 شهرا كل شهر30 يوما. والباقي وقدره 5 أيام تمت إضافتها إلي نهاية السنة وأطلق عليها أيام النسيء. ونسي بنو إسرائيل ذلك التقويم القمري القديم وساروا بتقويم أهل مصر الشمسي. ثم أعاد لهم نبي الله موسي ذلك التقويم القمري عند خروجهم من مصر فكان بداية السنة عندهم هو شهر المحرم الذي احتفلوا فيه بنجاة موسي من فرعون ونحتفل نحن به في يوم عاشوراء من نفس الشهر. أما العرب فكانوا تعلموا من إبراهيم وإسماعيل العمل بالتقويم القمري وعملوا به حيث استخدموا تقاويم مختلفة تعتمد بشكل أساسي علي حركة القمر الشهرية. وكان الحج إلي بيت الله الحرام يقع في ذي الحجة فكان يأتي في الصيف تارة وفي الشتاء تارة أخري وكان ذلك شاقا عليهم في الأسفار ولا يحصل لهم بسببه الانتفاع المرجو في التجارات والمرابحات. لأن سائر الناس من سائر البلاد كانوا يحضرون في الأوقات المناسبة لهم فرأوا أن بناء أمور حياتهم الدنيوية علي السنة القمرية يخل بمصالحهم فتركوا العمل بهذا التقويم إلي العمل بالتقويم الشمسي إلا أنهم اضطروا لتغيير موعد حجهم لأن السنة الشمسية تزيد علي القمرية فزادوا في شهورهم مما أخذوه عن اليهود والنصاري من التقاويم التي تعلموها في البلاد التي عاشوا بها والحضارات التي أخذوا عنها كالمصرية القديمة واليونانية والرومانية ولذلك زادوا في شهورهم إلي ثلاثة عشر شهرا وتغير موعد الحج عندهم وذلك هو النسيء . وعلموا النسئ قبل الهجرة بنحو مائتي سنة. وكان منسئ الشهور يقوم علي باب الكعبة فيقول "إن ألهتكم العزي قد أنسأت صفر الأول وكان يحله عاما ويحرمه عاما" وكان العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه فأحل لهم من الشهور. وقد قال تعالي في النسيء: إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين التوبة "37". وقيل إن الناسئ الأول نسأ المحرم وجعله كبسا وأخر المحرم إلي صفر وصفر إلي ربيع الأول وكذا بقية الشهور فوقع لهم في تلك السنة عاشر المحرم وجعل تلك السنة ثلاثة عشر شهرا. ونقل الحج بعد كل ثلاث سنين شهرا فمضي علي ذلك مائتان وعشر سنين. وكان انقضاؤها سنة حجة الوداع حيث وقع الحج في العاشر من ذي الحجة ولذلك قال صلي الله عليه وسلم في حجته هذه إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. يعني رجوع الحج والشهور إلي الوضع الإلهي وحرم الزيادات المبتدعة. وفي السنة السابعة عشرة للهجرة كتب الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي أبو موسي الأشعري عامله علي البصرة وذكر في كتابه شهر شعبان فرد أبو موسي الأشعري أنه يأتينا من أمير المؤمنين كتب ليس فيها تاريخ وقد قرأنا كتابا محله شعبان فلا ندري أهو شعبان الذي نحن فيه أم الماضي. فجمع الخليفة الصحابة وأخبرهم بالأمر وأوضح لهم لزوم وضع تاريخ يؤرخ به المسلمون وكان ذلك يوم الأربعاء 20 جمادي الآخر سنة 17 هجرية الموافق 8 يوليو 638 ميلادية فأخذوا في البحث عن واقعة تكون مبدأ للتاريخ المقترح فقد اختاروا وقت الهجرة. وكان من بين الفريق الذي أقترح ذلك عمر وعثمان وعلي وقد قال عمر بن الخطاب أنها فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها كما أن حادث الهجرة واضح وخالي من أي تعقيد. ثم بحثوا موضوع الشهر الذي تبدأ به السنة فاتخذوا شهر محرم بداية للسنة الهجرية مع أن الهجرة النبوية الشريفة وقعت في شهر ربيع الأول وذلك لأن شهر محرم كان بدء السنة عند العرب قبل الإسلام. فالتقويم القمري هو أول تقويم وضع علي وجه الأرض وهو الأصلح لأمور العبادات. أما أمور الدنيا من زراعة وصناعة وتجارة فالأصلح لها التقويم الشمسي والشمس والقمر من آيات الله التي نشكره عليها.