لا أخفي إعجابي بوزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة.. فالرجل علاوة علي نشاطه الوزاري صاحب رأي ورؤية ولديه فكر وسطي ومنهج واضح في مواجهة أخطاء المسلمين.. ورفع شأن الاسلام ولديه صلة وثيقة بالأزهر وفضيلة الإمام الأكبر مما يمنح العمل الدعوي وقفة حقيقية بعيدا عن الشطط والانغلاق. الدكتور جمعة أسعدني باختيار عنوان لمؤتمر الشئون الاسلامية المقبل والذي لم أعرف موعده بعد وهو: عظمة الاسلام وأخطاء المسلمين. وبعيدا عن المحاور التي حددها المؤتمر الا ان هذا العنوان الصادم يجعلنا نواجه الواقع بصراحة.. فبرغم عظمة الإسلام وقيم الاسلام.. وفضائل الاسلام.. وقوة الاسلام.. نجد خطايا وليس فقط أخطاء.. ونجد خللاً قيمياً وغياباً للفضائل وانتشارا للرذائل.. وضعفاً ووهناً في المجتمع المسلم بين أوساط بعض ولا أقول كل المسلمين..!! السؤال الذي أتمني أن يجيب عنه العلماء في هذا المؤتمر هو: لماذا حدث هذا التناقض وما هو الحل؟ تشخيص أي مرض تشخيصا سليما وتحديد العلاج بشكل علمي عملي صحيح هو بداية العلاج.. ولكن يبقي التنفيذ والتطبيق علي الواقع وهو المرحلة الأصعب. من السهل أن يشخص لنا أساتذة الفكر الاسلامي المرض وأعراضه ويحللوا أسبابه.. وقد نجد لدي بعضهم العلاج المناسب.. ولكن من سينفذ ذلك وسيطبقه؟ وهل سيجد مناخا مناسبا لتحقيق ذلك؟ التأثير السلبي علي المجتمع المسلم متعدد الجوانب متعدد الروافد.. فهناك تأثيرات خارجية متعددة.. وتأثيرات داخلية أكثر وهناك حاجة ماسة لتجديد الفكر الديني كله.. فبرغم وضوح العقيدة في الدين الاسلامي وهي الأساس الديني الا ان هناك خللا فكريا ناتجاً عن الفهم غير الصحيح أو الفهم الناقص.. والتطبيق علي الفقه تبعا لفتاوي وآراء السلف الذين كانوا هم الأعظم في وقتهم وزمانهم ومكانهم.. لكن ما يقال في وقتهم.. ليس له مكان الآن مع تغير أنماط السلوك وقيم الحياة ورؤي البشر والتأثيرات السلبية والايجابية من كل جانب.. وبعد ثورة الاتصالات التي جعلت العالم كله قرية صغيرة..!! ** لا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك أعداء للاسلام كدين وعقيدة.. هم العدو فاحذروهم ولكننا لا نحذرهم.. بل نتعامل معهم ونعطيهم الامان والفرصة لكي يضربونا في عقيدتنا مستغلين سلوكيات البعض.. وأفكار البعض الخطأ. ** ولا يستطيع أحد أن ينكر أن العدو الحقيقي للدين هو بعض من ينتسبون للاسلام لأنهم يقدمون الفرصة الذهبية لأعداء الدين لضرب الاسلام.. ولأنهم يشوهون صورة الدين الحقيقية.. ولأنهم يعطون النموذج السلبي للمسلم الصغير..!! ** آفة المسلمين أمام العالم هي الخلاف في الفكر السياسي.. وفشل المفكرين المسلمين في تقديم نظرية سياسية اسلامية حقيقية تتوافق مع صحيح الدين ومع وسطية الاسلام واعتداله وتعامل المسلم مع نفسه أولا.. ومع المسلم ثانيا.. ومع الآخر ثالثا داخل حدود الوطن.. وخارجه. ** منذ حادث سقيفة بني ساعدة بعد وفاة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.. وانتهاء نزول الوحي بدأ الفكر البشري.. كان الخلاف بين المسلمين في كل الأمور الدينية والدنيوية سهلا إلا الخلاف في الحكم. كانت البداية بين الأنصار والمهاجرين.. وقاد الأنصار الصحابي الجليل سعد بن عبادة الذي كاد أهل السقيفة ان يؤمروه علي المدينة ويجعلوه حاكما حتي وصل كبار الصحابة رضوان الله عليهم.. فتغير الحال.. وتغيرت الموازين وبايع المسلمون أبا بكر الصديق خليفة لرسول الله بمعطيات حقيقية وأسباب واضحة وبرغم ذلك كان هناك من يعارض البيعة وفي مقدمتهم سعد بن عبادة نفسه لكن المعارضة كانت تعيش في مدينة الرسول الكريم وفي رحاب هديه الذي مازال يبث أنوارا وجمالا علي المدينة.. فلم يشعر بها أحد.. ولم يذكر التاريخ واقعة واحدة تعكر صفو الحياة داخل المجتمع المسلم في المدينة.. خاصة ان حرب المرتدين شغلت البال.. ووحدت الصفوف..!! وظل سعد بن عبادة علي موقفه بعد رحيل أبي بكر.. وتولي عمر بن الخطاب الخلافة رضوان الله عليهم أجمعين.. حتي كان لقاؤه مع الفاروق الذي انتهي بقرار سعد بن عبادة الرحيل علي المدينة وسافر الي الشام وما لبث ان توفاه الله لأنه سافر مريضا. ولعل من يتابع التاريخ يجد أن خلفاء رسول الله بعد أبي بكر: عمر وعثمان. وعلي قتلوا وهم حكام..!!؟ هل هناك من هو أعدل من عمر الذي لقب بالفاروق هل هناك من هو اتقي من عثمان الذي تستحي منه الملائكه هل هناك من هو أعلم وأقرب من علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومع ذلك الثلاثة قتلهم من ادعوا الدفاع عن الاسلام بمن فيهم ذلك المجوسي الشعوبي الذي انتقم لهزيمة الفرس من أمير المؤمنين عمر..؟! ** ومن بعد علي.. تولي الحسن بن علي ثم تنازل لمعاوية حتي أصبح الحكم وراثيا في الأمويين ثم آل الأمر الي العباسيين ثم.. كانت الخلافة في خلافات هنا وهناك.. وكلها تدعي الانتساب للاسلام ضعفاً.. أو قوة وهذا خطأ جسيم أدي الي عدم وجود نظرية حقيقية للفكر الاسلامي للحكم.. برغم ان القرآن مليء بالقواعد الأساسية والسنة قولا وفعلا ومواقفه مليئة بالقواعد الأساسية التي يمكنها أن تبني أصول الفكر وعلي المجتهدين تحديد الآليات والعناصر طبقا للزمان والمكان..!! ** ما أريد أن أصل إليه ان هذه القضية الساخنة وهي عظمة الاسلام وأخطاء المسلمين قضية رائعة تستحق المناقشة والدراسة والتحليل والخروج برؤي حقيقية وأفكار منطقية تقبل التطبيق علي الواقع. ونواصل ان شاء الله الحوار في نفس القضية ان كان للعمر بقية.