تحدثت اليكم في المقال السابق عن التوبة وأهميتها وأهمية ان يترجم المسلم رغبته في التوبة عمليا بالعودة والأوبة الي الله عزوجل . وأواصل حديثي معكم عن التوبة وخطورة تسويفها. وفي الحديث الذي رواه الترمذي وإبن حبّان وغيرهما عن أنس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال "كل ابن آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون" . وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم "يقول الله أذنب عبدي ذنباً فقال العبد اللهم أغفر لي ذنبي فقال الله جل جلاله أذنبي عبدي ذنباً فعلم أن له رب يغفر بالذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب فقال العبد أي ربي أغفر لي ذنبي فقال الله أذنبي عبدي ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ثم عاد العبد فأذنب فقال الله أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب فليفعل عبدي ما شاء فلقد غفرت له" ما دام العبد لا يعود إلي المعصية عن قصد وإنما تخونه نفسه الضعيفة فرحمة الله واسعة أما إذا كان يقصد ويتعمد الذنب ثم يتصنع الاستغفار فهو كالمستهزأ بالله . وفي الصحيحين عن النبي صلي الله عليه وسلم "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان علي راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتي شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ به يري راحلته قائمة عند رأسه عليها طعامه وشرابه فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح" وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال "يدني المؤمن ربه يوم القيامة حتي يضع رب العزة عليه كنفه - الكنف هو الستر والرحمة - ويقرره بذنوبه فيقول الرب جل وعلا للعبد المؤمن عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا فيقول العبد المؤمن رب أعرف رب أعرف فيقول الملك ولكني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم فيعطي صحيفة حسناته" وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال "جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعا وتسعين جزءا وأنزل إلي الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتي ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه" وفي الصحيحين عن أبي هريرة رأي النبي صلي الله عليه وسلم امرأة في السبي تبحث عن ولدها وكلما وجدت ولداً ألصقته ببطنها فأرضعته فقال النبي صلي الله عليه وسلم أترون هذه الأم طارحةً ولدها في النار؟ لله أرحم بعبادة من الأم بولدها" وقال أحد الصالحين اللهم إنك تعلم أن أمي هي أرحم الناس بي وأنا أعلم أنك أرحمُ بي من أمي وأمي لا ترضي لي الهلاك والعذاب أفترضاه لي وأنت أرحم الراحمين . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال النبي صلي الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لو لم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقومي يذنبوا فيستغفرون فيغفر الله لهم". وإياك أن تتصور أن هذه الأحاديث تفتح لنا باب الجرأة علي الله بل تفتح لنا باب الرجاء والأمل في الله ولتعلم أن باب التوبة مفتوح ما لم تبلغ الروح الحلقوم ومالم تطلع الشمس من مغربها . ثم أعلم أن الفضائل في الدنيا والآخرة مردها إلي التوبة. التوبة تجعلك حبيب الله "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" وآه لو أحبك الله ففي البخاري وغيره عن أبي هريرة قال النبي صلي الله عليه وسلم يقول الله عز وجل في الحديث القدسي "من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشئ أحبُ إلي مما أفترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه" وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال "إن الله إذا أحب عبداً نادي جبريل : يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء : يا أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم ينادي جبريل في الأرض : يا أهل الأرض إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل الأرض فيكتب له القبول في الأرض . وإذ أبغض الله عبدا ينادي : يا جبريل إن الله يبغض فلاناً فأبغضه فيبعضه جبريل وينادي جبريل في أهل السماء : يا أهل السماء إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضه أهل السماء وينادي في الأرض يا أهل الأرض إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه فيبغضه أهل الأرض فتوضع له البغضاء في الأرض" التوبة تجعل الدنيا تأتيك : المال . الأولاد . الزوجة الصالحة . سعة الرزق . الآخرة يقول تعالي "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا "10" يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا "11" وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالي وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتي وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا "12" نوح . والله ستأتي الدنيا تحت قدميك إن تبت إلي الله . فمن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرّق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدّير له . التوبة سبب تحصيل العلم يقول مالك للشافعي إني أري الله ألقي علي قلبك نورا فلا تطفئه بالمعصية" فاعلم أن الله لن ينير قلبك ويطهره إلا بالتوبه ولن تتعلم أو تتعبد إلا بالتوبة ولن تترك الحرام إلا بالتوبة ولن تبتعد عن مجالس الفسق إلا بالتوبة والموفّق من وفقه الله والمخذول من خذله الله والطائع من أسعده الله » فأهل الطاعة عزوا عليه فقربهم وأهل المعصية هانوا عليه فأبعدهم . وأسمع لقول إبن مسعود "إني أحسب الرجل ينسي العلم يعلمه بالذنب يعمله" رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخيرى لنفسك عصيانها التوبة إذن لنور القلب ومحو أثر الذنب وهي تجب من قبلها "إلا من تاب وأمن وعمل عملا صالحا ..." واعلم أن الله لن يحاسبك علي ذنب . مرتين روي أحمد والترمذي بسند صحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم "إذا أذنب العبد ذنباً نكتت في قلبه نكته سوداء فإذا تاب ونزع واستغفر تصقل قلبه - أي تطهر - فإذا عاد وزاد - أي من المعصية - زادت فذلك الران الذي قال الله فيه : "كلا بل ران علي قلوبهم ما كانوا يكسبون" التوبة سبب لحلاوة العيش في الدنيا يقول عز وجل "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَي" "124" التوبة. وبعد اللهم تب علينا لنتوب إليك . الله اغفر لنا الذنوب التي تهتك العصم واغفر لنا الذنوب التي تنزل النقم وأغفر لنا الذنوب التي تحبس الدعاء واغفر لنا الذنوب التي تقطع الرجاء واغفر لنا الذنوب التي تنزل البلاء يا من ذكره شفاء وطاعته غناء . والله المستعان. عقبات التوبة العقبة الأولي : الشيطان وقال الشيطان لما قضي الأمر . فالشيطان يجلس لك في كل طريق من طرق الطاعة. ويطرد بالاستعاذة بصدق من الله وسورة البقرة والمعوذتين ومعية الله. العقبة الثانية : النفس الأمارة بالسوء العقبة الثالثة الهوي العقبة : الرابعة الدنيا وأعلم أن الدنيا ليست دار وإنما هي دار ممر مقر وأن الآخرة هي دار المقر فخذ من ممرك لمقرك . العقبة الخامسة : صحبة السوء ومثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير.