* يسأل سمير أحمد محمود من الجيزة: ما هي الوجهة الصحيحة لعقد الزواج؟ وما الحكم في الزواج غير المشهر علي يد المأذون؟ ** يجيب الإمام الأكبر د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق: 1 - أوجد الله - تعالي - الناس جميعا من أب واحد ومن أم واحدة.. قال تعالي: "ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة. وخلق منها زوجها. وبث منهما رجالا كثيراً ونساء.." "سورة النساء: الآية1" فهذه الآية الكريمة تدل علي أن الناس جميعا قد جاءوا من أصل واحد كما تدل علي أن الزواج هو الطريق الشرعي الصحيح. الذي اختاره الخالق - عز وجل - لعمارة الكون. ولوجود الذرية التي تأتي عن طريق هذا الزواج الشرعي الصحيح. 2 - بل إن القرآن الكريم قد وضح أن الزوجية سنة من سنن الله في خلقه. وهذه السنة مطردة في عالم الإنسان. وفي عالم الحيوان. وفي عالم النبات. وفي عوالم أخري لا يعلمها إلا الله - تعالي - قال سبحانه: "و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" "الذاريات: 49" أي: ومن كل شيء في هذا الكون أوجدنا نوعين متقابلين. الذكر والأنثي والليل والنهار والسماء والأرض. وقد فعلنا ذلك لعلكم تعتبرون وتتعظون وتتذكرون وتشكرون خالقكم علي نعمه. 3 - وقد وضعت شريعة الإسلام لعقد الزواج أركانا وشروطا. لابد من تحققها لكي يكون صحيحا. ومن أهم هذه الأركان والشروط عند جمهور الفقهاء: أ - أن يكون مشتملا علي الايجاب والقبول. أي: علي التراضي بين الزوجين دون إكراه. ب - أن يتولي عقد الزواج ولي المرأة التي يراد الزواج بها أو نائبه. فعن أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "لا نكاح إلا بولي" رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأة نكحت - أي زوجت نفسها - بغير إذن وليها . فنكاحها باطل. فنكاحها باطل. فنكاحها باطل" رواه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجه. ج - أن يشهد علي العقد شاهدان فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلي عليه وسلم - "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه الدارقطني. د - أن يعلن الزواج بأي وسيلة كانت. لقول الرسول - صلي الله عليه وسلم - "اعلنوا النكاح ولو بالدف". 4 - هذه هي أهم الأركان والشروط عند جمهور الفقهاء للزواج الشرعي الصحيح. وهي كلها من أجل مصلحة الزوجين اللذين جعل الله ارتباطهما يقوم علي سكن أحدهما إلي الآخر. وعلي المودة والرحمة. ولا نجد جملة فيها ما فيها من اللطافة والأدب وسمو التصوير لما بين الزوجين من شدة الاتصال والقرب واستتار أحدهما بالآخر. أقول لا أجد جملة فيها كل هذه المعاني الكريمة تقرب في سموها من قوله تعالي: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" "سورة البقرة 187" أي: أن كل واحد من الزوجين يسكن إلي صاحبه. ويكون في شد القرب منه. كالثوب الملابي والساتر لصاحبه. 5 - ومما كثر الحديث عنه في هذه الأيام. ما يسمي بالزواج العرفي. أو بالزواج غير الموثق أمام المأذون الشرعي أو أمام الجهات التي خصصتها الد ولة لهذا الغرض. وهذا الزواج - حتي ولو كان مشتملا علي الأركان والشروط الشرعية لعقد الزواج - فإنه يكفي للتنافر منه وللبعد عنه عدم توثيقه لأن هذا التوثيق وضعته الدولة لصيانة حقوق الزوجية. وهو أمر تدعو إليه شريعة الإسلام. فقد وصف الله تعالي عقد الزواج بأنه ميثاق غليظ. حيث قال: "وأخذن منكم ميثاقا غليظاً" سورة "النساء: 21".. أي: أن النساء أخذن عهدا موثقا علي الرجال عند الزواج بهن أن يعاشروهن بالمعروف. ومع الأخذ لهذا العهد في الحقيقة هو الله - تعالي: إلا أنه سبحانه نسبه إلي النساء للمبالغة في المحافظة علي حقوقهن. حتي جعلهن سبحانه كأنهن الآخذات لهذا العهد. وفضلا عن ذلك: ففي عدم توثيق عقد الزواج أمام المأذون الشرعي أو الجهات الرسمية المخصصة لهذا الغرض أضرار كثيرة. معظمها يعود علي المرأة إذ تتحمل هي أخطر أوزاره. وأفدح نتائجه. في عرضها وسمعتها. وتوصد دوئها أبواب القضاء عند الانكار الذي يحدث دائما فلا تسمع دعواها. ولا تحظي بأي حقوق. ويضيع ولدها. فلا اعتراف بنسبه. ولا نفقة له. ولا رعاية لشئونه من والده أو من عشيرة والدته. 6 - لهذه الأضرار وغيرها يري مجمع البحوث الإسلامية أن علي الجهات التشريعية في الدولة أن تصدر قانونا يشتمل علي عقوبة مناسبة تقع علي كل من يثبت عليه أنه تزوج زواجا لم يوثق أمام المأذون الشرعي أو أمام الجهات الرسمية التي خصصتها الدولة لهذا الغرض. وعلي كل من قام بالشهادة علي هذا العقد أو اشتراك فيه بأي صورة من الصور لمخالفته للنظام الصحيح الذي وضعته الدولة لعقد الزواج. والذي تقره وتؤيده شريعة الإسلام. علي ألا يسمح القانون الذي يصدر بأن يفلت من العقاب من ينكر وقوع الزواج غير الموثق مع ثبوت قيام علاقة غير شرعية.