أريد أن أوضح أن من المعاني التي يحدث فيها لبس وخلط بين الناس أنهم لا يفرقون بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي وهذا خطأ فادح. لأن الإعجاز العلمي وهو مجال حديثنا لا خلاف عليه إطلاقاً بين العلماء وسأوضح ذلك. أما التفسير العلمي فهو مثار جدل ومناقشة بين العلماء قديماً وحديثاً. وحجة المعارضين للتفسير العلمي هو أن العلم يتغير بتغير الزمن فلا تزال العلوم الإنسانية بين ناقص يتم وغامض يتضح. وخطأ يقترب من الصواب. وتخمين يرتقي إلي اليقين. وما من نظرية علمية إلا وهي عرضة للنقد أو للنقض إن لم يكن اليوم فغداً. إذ العلم متطور متجدد لا تقف نظرياته عند حد. وطرح المعارضون سؤالاً فحواه ماذا يكون موقف المؤيدين للتفسير العلمي لو وجد في المستقبل ما يهدم النظريات العلمية المسلَّم بها الآن. والتي أفنوا أعمارهم في إثباتها؟ كما احتجوا أيضاً بأن القرآن ما نزل إلا لهداية الناس. وأنه ليس كتاب طب ولا هندسة وأن من أغرق في تحميل القرآن هذه المعارف العلمية فإنه يعرض القرآن للاضطرابات وعدم الاستقرار. أما من أيد التفسير العلمي. وهذا ما أميل إليه وأرجحه والأدلة علي ذلك كثيرة منها: 1- إدراك وجوه جديدة للإعجاز في القرآن والسنة من ناحية إثبات التوافيق بين الحقائق العلمية الواردة فيها وبين ما بقيت من الحقائق العلمية التي لا يقبل ثبوتها أي نوع من الشك. 2- دفع مزاعم القائلين بأن هناك عداوة بين الدين والعلم. 3- استمالة غير المسلمين إلي الإسلام من هذا الطريق وهو مخاطبة العقل وبيان الإعجاز العلمي لهم. 4- امتلاء النفس إيماناً بعظمة الله وقدرته حينما يقف الإنسان في تفسير كلام الله علي خواص الأشياء ودقائق المخلوقات حسب ما تصورها علوم الكون وحينما يري الحقائق القرآنية ثابتة. وهذه بعض النماذج أذكرها علي سبيل المثال لا الحصر. فالأمور العلمية التي وردت بالقرآن والسنة المطهرة وجاء العلم التجريبي وأبرزها وأكدها للعيان وذلك بظهور التقنية والأجهزة الحديثة التي كشفت عن دقائق الأشياء. ومع ذلك لم ولن تصل إلي كل الأسرار التي وردت في القرآن والسنة وهذا هو الإعجاز. وصدق رب العزة: "ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" "الإسراء: 85". * المثال الأول: قوله تعالي: "ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً ءاخر فتبارك الله أحسن الخالقين". "المؤمنون: 14". منذ زمن قريب كان يعتقد أن العظام والعضلات تظهران وتنموان معاً. غير أن البحوث العلمية الأخيرة أظهرت حقيقة مختلفة تماماً لم يكن أحد ينتبه إليها. * مثال رابع: إعجاز نبوي في الحديث الشريف: "إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: يارب. ذكر أم أنثي؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك". ومن العجب حقاً أن العلم التجريبي أثبت أن الوقت اللازم للبويضة الملقحة لكي تصل من خلية واحدة إلي حجم سنتيمتر واحد يقدر ب 42 يوماً بعدها تصبح لدي هذه الكتلة من الخلايا الصلاحية لكي تنمو وتخصص خلاياها تبعاً للوظيفة التي سوف توكل إليها "فتبارك الله أحسن الخالقين". * مثال خامس: من المعلوم أن النبي - صلي الله عليه وسلم - قد أشار إلي بعض أسباب الذكورة والأنوثة: "إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد. وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت". فجاء العلم الحديث وتحدث عن المقصود بماء الرجل في الحديث. وهو الحيوانات المنوية المذكرة "أي التي تحمل الصبغة y" والمقصود بماء المرأة الحيوانات المنوية المؤنثة "أي التي تحمل الصبغة x" فإن سبقت المذكرة إلي البويضة كان الجنين ذكراً وإن سبقت المؤنثة كان الجنين أنثي. ويتضح لنا من بعض هذه الأمثلة وغيرها أن كثيراً من الأمور العلمية التي تحدث عنها القرآن الكريم وتحدث عنها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في أحاديثه المتعددة أصبحت الآن تفهم شيئاً فشيئاً كلما حدثت اكتشافات جديدة. وظهرت أمور كانت مبهمة لم نكن ندركها. ولذلك قال - تعالي - بصيغة المستقبل: "سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم" "فصلت: 53" حيث إن حرف السين في كلمة "سنريهم" تعني المستقبل الذي لا ينتهي إلي يوم القيامة. وليت المسلمين ينتبهون إلي هذا ويفوزون هم بحقائق دينهم الحنيف ويكون لهم السبق عن غيرهم من علماء الغرب في الوصول إلي العديد من حقائق العلم لوفرة الإشارات العلمية في كتاب الله وفي سنة نبينا محمد - صلي الله عليه وسلم - وللحديث بقية