توقفنا في العدد الماضي عند سؤالنا: هل علي الإنسان ألا يعمل ويعتمد علي الشفاعة؟ فنجيب بالقول: إن الشفاعة أمر مكمل لما أمرنا به الله سبحانه وتعالي. لقد أمرنا بالصلاة والزكاة والذكر وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. أمرنا وأمرنا. ثم فتح لنا بابا آخر للرحمة والمغفرة هو باب الشفاعة. إنها زيادة في تفضل الله علي عباده. فهي ليست من الأمور الجازمة. التصديق بها واجب. والأمل فيها واجب. لكن الاتكال عليها تقصير فهي قد تكون أو لا تكون. سهرت أعين ونامت عيون لأمور تكون أو لا تكون. إن ربك كفاك ما كان بالأمس سوف يكفيك في غد ما يكون. إن وسطية الإسلام تتجلي هنا في أن تعمل ولا تفكر في الشفاعة. وفي الوقت نفسه لا تنكر وجودها. لا تترك العمل علي أمل أن تنقذنا الشفاعة. فقد تأتي أو لا تأتي لنا. وفي الوقت نفسه لا نيأس من رحمة الله فقد وسعت رحمته كل شئ وهو قادر علي كل شئ دون أن يسأل أحد تفسيراً. لا أحد يستكثر ذنوبه علي الله. هذه معصية في حد ذاتها. إن أول الذنوب التي ستُغفَر ذنب رجل ارتكبه دون وجود شاهد عليه من خلق الله. وآخر الذنوب التي ستُغفَر ذنب رجل ظن أن الله لن يغفر له ذنوبه. إذا تاب العبد أنسي الله الملائكة الحفظة ذنوبه حتي يلقي الله وليس عليه شاهد علي ما ارتكب. علماً بأن ذنوبنا لا تضر الله شيئاً وطاعتنا لا تنفع الله شيئاً. فالله هو الغني الحميد. يقول سبحانه وتعالي: ¢ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ¢. وقد فتح الله باب الشفاعة حتي لا يستهين عباده بعضهم ببعض وحتي لا يتعالي المطيعون الذين يتعالون بعبادتهم علي غيرهم ويتشددون. وأكثر من ذلك وسعت رحمته كل البشر بما فيهم العاصي والفاسق والقاتل. فلو أراد سبحانه وتعالي أن يدخل شخصاً الجنة رغم ما فيه من مخالفات وتجاوزات فهذا شأنه وحده. فالعبد عبده والنار ناره. والجنة جنته. وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله تعالي