كثيرة هي تلك الاقوال المأثورة في التراث الاسلامي التي نرددها ونحفظها عن ظهر قلب لكن كثيرا من تفاصيل تلك القصص التي كان من نتاجها هذه الاقوال المأثورة تغيب عن كثيرين منا .. نقف في هذا الباب عند قصص لأقوال مأثورة واليوم نقف عند ¢ من تلبيس إبليس ¢ . اعتاد رجل أن يعتذر عن ارتكابه المعاصي» بأن رحمة الله وسعت كل شيء. فاعترضه الحسن البصري رضي الله عنه.وقال له: هذا من تلبيس إبليس عليك» إنما الرحمة للمتقين. ألم تقرأ قول الله تعالي: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءي فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"؟ "الأعراف/156". يقول الدكتور محمد داود .استاذ الدراسات الاسلامية والداعية الاسلامي معروف. :هذا موقف إيماني يحمل دلالات هادية تعالج وهمًا من أوهام العصاة. وتعالج فهمًا معوجًّا لمعني الرحمة عند بعض الغافلين حين يتخذون الرحمة سلمًا للمعصية. وسبيلًا للسلامة من العقاب. وحجتهم: يا أخي نحن بَشَرى ولسنا ملائكة. ورحمة الله واسعة. وقد قال الله تعالي: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءي" "الأعراف/651" . والحق أن هذه الأقوال ومثلها من تلبيس إبليس علي الناس. وليس معني سعة رحمة الله فتح باب المعصية أو التهاون في ارتكابها. فالرحمة ليست عاطفة لا عَقْل معها أو شفقة تتنكر منها؟!. أضاف :لقد ضرب الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله مثلًا للذين يتعللون بأنَّ رحمة الله وسعت كل شيء. فلا يبالون مع ذلك بفعل المنكرات وارتكاب المعاصي. قال رحمه الله: لو أن هناك قاعة تسع ألف جالس. ولكن لا يؤذن بدخول هذه القاعة إلا لمن يحمل بطاقة محددة. فإذا رفض بعضهم حمل هذه البطاقة المحددة. وحُرِم من الدخول. هل ذلك عيب في سعة القاعة أم العيب في تكاسلهم عن استيفاء الشروط؟! وليت هؤلاء يقرءون الآية لآخرها. قال تعالي: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءي فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ" "الأعراف/156". أشار الي أن طريق الوصول إلي رحمة الله تعالي كما توضح الآية هو الإيمان والتقوي والاقتداء بهدي رسول الله صلي الله عليه وسلم. ويؤكد هذا المعني آية أخري تشير إلي قرب رحمة الله من المحسنين. قال تعالي: "إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبى مِنَ الْمُحْسِنِينَ" "الأعراف/56" . وفي المقابل يبين الله في الحديث القدسي أن العدالة لا تساوي في عطاء الرحمة بين الصالح والطالح.ويجب أن يتنبه المؤمن إلي أن الرحمة قد تأخذ شكلا قاسيًا وصورة مؤلمة في ظاهرها في بعض الأحوال» فرحمة الطبيب بالمريض مثلا أن يمد المشرط» ليستأصل الداء. وقد يدفع الأب ولده إلي المدرسة وإلي العمل في جو ممطر أو في حرّي وازدحام. ومثل ذلك من الأفعال التي يكون في ظاهرها الشدة والألم. ولكن يكمن في باطنها الرحمة. فحين يؤخذ علي يد المسيء ويعاقب علي إساءته لينتظم العمل. فذلك عين الرحمة. ولا شك أن مجال الرحمة في الإسلام واسع ممتد. فيكون بالتعاطف مع أهل الاحتياج من الفقراء والمساكين والأرامل والمصابين. والمرضي. ونحو ذلك. ويمتد مجال الرحمة فيشمل مجال الحيوان والطير. فلا نحمل عليه فوق طاقته. أو نتركه بدون طعام ولا شراب. ونحو ذلك. وفي الحديث أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق فاشتد عليه العطش. فنَزَل بئرًا. فشرب منها. ثُمَّ خَرَج. فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثري من العطش. فقال: لقد بَلَغَ هذا مثل الذي بلغ بي. فملأ خفه. ثم أمسكه بفيه ثم رق فسَقَي الكلب. فَشَكَر الله له. فغفر له" قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرًا؟ قال صلي الله عليه وسلم: "في كل كَبد رطبة أجر" . قال : رحمة الإنسان بنفسه أن يلزمها طاعة الله تعالي. وأن يباعد بينها وبين المعاصي. هذا هو مجال الرحمة. أما أن ينتقل مجال الرحمة بوهم فاسد عند بعض الغافلين وبعض العصاة من هذه المساحة الطيبة الودودة التي فيها هذه المشاعر النبيلة الحميمة إلي مجال المعصية. ويتخذ الرحمة» لتكون سبيلًا إلي فعل المعاصي. فهذا فهْم فاسد عالجه الإمام الحسن البصري. ووضح أنه من فعل الشيطان ووسوسته. وقال لفاعله: هذا من تلبيس إبليس عليك. ولعل الحسن البصري رضي الله عنه قد أراد بهذا المقال: "هذا من تلبيس إبليس عليك" بيان أن الخطورة كل الخطورة تكمن في أن يستمر المرء علي معصيته» بحجة أَنَّ رحمة الله واسعة فينتهي مآله إلي النار. وهذا مكمن الخطورة. ولكن علي الإنسان أن ينتبه. وأن يبادر بالتوبة والمغفرة حتي يثوب إلي رشده» لقوله تعالي: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَي قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" "المطففين/214. أعاذنا الله من ذلك المصير.