ها هو رمضان قد انتهي فمن كان يعبد رمضان فإِنَّ رمضان قد فات ومن كان يعبد الله فإِنَّ الله حيى لا يموت. لقد انتهي شهر الصيام. انتهي شهر القيام والقرآن. انتهي شهر البر والجود والإِحسان. ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر. فليت شعري من المقبول منا في رمضان فنهنيه ومن المطرود المحروم منا فنعزيه. مما لا ريب فيهش أَنَّ الله جل وعلا قد فضل شهر رمضان علي سائر الشهور والأَزمان. واختصه بكثير من رحماته وبركاته. ويسر الله فيه الطاعة لعباده مما لا يحتاج إِلي دليل أَو برهان. فأَنتَ تري المسلمين في رمضان ينطلقون بأَريحية ويسر إِلي طاعة الرحيم الرحمن جل وعلا. ولم لا؟ قد غُلِّقت أَبواب الجحيم. وفتحت أَبواب النعيم. وغل فيه مردة الجن والشياطين. فأَنتَ تري الناس تقبل علي طاعة الله وعبادته بأَريحية عجيبة. ولكن ما يُحزن القلب ويؤلم النفس أَنكَ تري كثيراً ممن عطروا بأَنفاسهم الذكية المساجد في رمضان يعرضون عن طاعة الله رب البرية بعد رمضان. وكأَنهم في رمضان يعبدون رباً آخر. فالإِيمان له ثوابت لا يستغني عنها المؤمن حتي يلقي الكبير المتعال. فمثلاً الصلاة: مَن مِن المؤمنين الصادقين يستغني عن الصلاة بعد رمضان؟ انظر إِلي المساجد في رمضان. وانظر إِلي ذات المساجد بعد رمضان. ودعوني أتساءل :هل يستغني مؤمن صادق مع الله عن هذا الأَصل الأَصيل وعن هذه الثوابت الإِيمانية حتي يلقي رب البرية وهو الركن الثاني من أَركان هذا الدين قال تعالي: "حَافِظُوا عَلَي الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَي وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ" "البقرة 238". فيا من هيأَ الله له صيام شهر رمضان لا تضيع الصلاة. فالصلاة صلة لك بالله. ومعين لك يطهرك من المعاصي والذنوب. وفي الصحيحين من حديث أَبي هريرة أَنَّ النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: ¢من غدا إِلي المسجد أَو راح أَعَدَّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أَو راح¢. وفي صحيح مسلم من حديث أَبي هريرة أَنَّ النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال: ¢أَلا أَدلكم علي ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟¢ قالوا: بلي يا رسول الله قال:¢ إسباغ الوضوء علي المكاره. وكثرة الخُطا إلي المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط. فذلكم الرباط. فذلكم الرباط¢. افترض الله علي المؤمنين الصلاة وتعبدهم بها في كل زمان ومكان حتي يلقي العبد ربه ليُسأل أَول ما يُسأَل عن الصلاة. فعن أبي هريرة قال صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم: ¢إِنَّ أَول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته. فإِنّ صلحت فقد أَفلح وأَنجح. وإِن فسدت فقد خاب وخسر¢. ومن الثوابت الإِيمانية: القرآن : إِنَّ القرآن حياة القلوب والأَرواح. القرآن حياة النفوس والصدور. القرآن حياة الأَبدان. القرآن شراب النفس وطعامها. فهل يستغني مؤمن عن روحه؟ هل يستغني مؤمن عن أَصل حياته. إِنَّ القرآن يهدي للتي هي أَقوم فلا تضيعوا هذا الطريق ولا تنصرفوا عنها. إِنَّ طرف القرآن بيد الله. وإِنَّ طرفه أَيديكم فإِذا تمسكتم بهذا الحبل المتين لن تضلوا. ولن تهلكوا أَبداً. وهل يستغني أَحدى عن أَن يكلمه الله في اليوم مرات. فمن أَراد أَن يُكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أَرادَ أَن يُكلمَه الله فليقرأَ القرآن. وهل تستغن عن ربك أَيها الموحد؟. لا تضيع القرآن بعد رمضان. واعلم أَنَّ الله قد مَنَّ عليك بالقرآن في رمضان فجعلت لنفسك ورداً يومياً. فلماذا بعد رمضان تركت هذا الورد ووضعت المصحف في علبته كأَنك لن تحتاج إِليه إِلا في رمضان المقبل؟! إِذا كنت تحافظ علي الأَذكار والاستغفار في رمضان. فهل تستغني عن هذا الزاد بقية العام. إِنَّ الذكر شفاءى من الأَسقام ومرضاة للرحمن ومطردة للشيطان. فرطِّب لسانك دوماً بذكر الرحيم الرحمن جل وعلا. واسمع لحبيبك المصطفي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم كما في الحديث الذي رواه أَحمد والترمذي وصححه الأَلباني من حديث معاذ بن جبل يقول: ¢أَلا أُخبركم بخير أَعمالكم وأَزكاها عند مليككم وأَرفعها لدرجاتكم. وخير لكم من إِعطاء الذهب والفضة. وخير لكم من أَن تلقوا عدوكم فتضربوا أَعناقهم ويضربوا أَعناقكم¢ قالوا: بلي يا رسول الله قال: ¢ ذكر الله عز وجل¢. انظر إِلي فضل الذكر. فالذاكر في معية الله. كما في الصحيحين أَنه قال: ¢قال الله جل وعلا: أَنا عند ظن عبدي بي. وأَنا معه حين يذكرني فإِذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي. وإِن ذكرني في ملأ. ذكرته في ملأ خير منه. وإِن تقرب إِلي شبراً تقربت إِليه ذراعاً. وإِن تقرب إِليَّ ذراعاً تقربت إِليه باعاً. وإِذا أَتاني يمشي. أَتيته هرولةً¢. فَاذكُر الله جلا وعلا لتكون دوماً في معيته سبحانه وتعالي. والمعية نوعان: معية عامة. ومعية خاصة. أَما المعية العامة فهي معية العلم والمراقبة والإِحاطة والمعية الخاصة فهي معية الحفظ والنصر والعون والمدد والتأَييد. فهل تستغني أَيها المؤمن عن معية الله جل وعلا؟! فإِذا أَردت ذلك فداوم علي الذكر ولا تضع هذا النور أَبداً. ويكفي أَن تعلم أَنَّ النبي صَلَي اللهُ عَليهِ وَسلَّم قال في الحديث الصحيح الذي رواه أَحمد والترمذي من حديث الحارث الأَشعري الطويل ¢" وآمركم أَن تذكروا الله فإِنَّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أَثره سراعاً حتي إِذا أَتي علي حصن حصين أَحرز نفسه منهم. وكذلك العبد لا يُحرز نفسه من الشيطان إِلا بذكر الله¢. إِذاً لابد لك من هذا الزاد لأَنَّ فيه الخير العظيم. فالذكر من الثوابت التي لا غني عنها بحال لا في رمضان ولا في غير رمضان.