أحب الأعمال إلي الله أدومها وإن قل. وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يحافظ علي الأعمال الصالحة ويداوم عليها. وعادة ما يأتي شهر رمضان فيتعود الناس فيه علي قراءة القرآن وصلاة القيام والتراويح والصدقة ونحوها من القربات ولكن ما أن ينقضي رمضان حتي تختفي تلك القربات في دنيا الناس. وكان ينبغي الدوام عليها والاستمرار. حتي يتم للمرء الفلاح ويختم الله له بالخير وهناك ثوابت إيمانية ينبغي المداومة عليها بعد رمضان. ها هو شهر رمضان قد انتهي. انتهي شهر الصيام والقيام والقرآن والبر والجود والإحسان: فيا عين جودي بالدمع من أسف علي فراق ليال ذات أنوار علي ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاريء فابكوا علي ما مضي في الشهر واغتنموا ما قد بقي إخوتي من فضل أعمار إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.. وهكذا أسرعت أيام الخير والبر والفضل والطاعة. ولا شك أن ربنا جل وتعالي قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته. فأنت تري الناس تقبل علي طاعة الله في رمضان بأريحية عجيبة. وبيسر وسهولة غريبة» لأن الله قد هيأ الناس في رمضان للطاعة. وقد سهَّل الطاعة للصادقين من المؤمنين في رمضان. ولكن يا إخوة: ليس معني ذلك أن نعرض عن كثير من الثوابت الإيمانية بعد رمضان. فأنت تري المساجد معطرة بأنفاس الصائمين في رمضان. وتري صفوف المصلين مزدحمة في رمضان» بل وتري البر والجود والإحسان والبذل والإنفاق والعطاء والذكر والتوبة والاستغفار. وتري حرص الناس علي الطاعة. فتري المحسن يقول للمسيء إليه: اللهم إني صائم. يذكر نفسه بالله جل وعلا. وبطاعة الله.. ليس معني ذلك أيها الأحبة الكرام أن نعرض عن هذه الثوابت الإيمانية بعد رمضان. فإن الإيمان من الثوابت ما لا يستغني عنها مؤمن من المؤمنين حتي يلقي بها رب العالمين. الحرص علي قيام الليل ومن الثوابت الإيمانية التي يزيد إيمانك بها في قلبك: قيام الليل. فيا من عودت نفسك علي قيام الليل في رمضان في صلاة التراويح لا تخل عن هذا الزاد. فوالله يوم أن خرجت الأمة من مدرسة قيام الليل هانت وقست القلوب. وجمدت العيون. كان سعد بن أبي وقاص في القادسية يمر علي خيام الأبطال والمجاهدين. فإذا رأي خيمة قام أهلها لله جل وعلا للصلاة. يقول سعد: من هنا يأتي النصر إن شاء الله.. من قيام الليل يأتي النصر إن شاء الله.. من قيام الليل تأتي رقة القلب.. من قيام الليل تأتي دموع العين.. من قيام الليل تأتي طاعة الجوارح. لماذا؟ لأن الليل أنس المحبين. وروضة المشتاقين. وإن لله عباداً يرعون الظلال بالنهار كما يرعي الراعي غنمه. ويحنون إلي غروب الشمس كما تحن الطير إلي أوكرها. حتي إذا ما جنهم الليل. واختلط الظلام. وبسطت الفرش. وخلا كل حبيب بحبيبه» قاموا فنصبوا إلي الله أقدامهم. وافترشوا إلي الله جباههم وناجوا ربهم بقرآنه. وطلبوا إحسانه وإنعامه. يقسم ابن القيم ويقول: فإن أول ما يعطيهم ربهم أن يقذف من نوره في قلوبهم. ففي الحديث الذي رواه ابن خزيمة والحاكم بسند حسن من حديث أبي أمامة. أنه صلي الله عليه وسلم قال: "عليكم بقيام الليل. فإنه دأب الصالحين قبلكم. وقربة لكم إلي ربكم. ومكفر للسيئات. ومنهاة عن الإثم". الصلاة في جماعة من أعظم هذه الثوابت: أن تحافظ علي الصلاة في جماعة كما كنت حريصاً أيها الصائم في رمضان. قال ربنا جل جلاله: "حافظوا علي الصلوات والصلاة الوسطي وقوموا لله قانتين" البقرة: 238. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة إن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "ألا أدلكم علي ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء علي المكاره. وكثرة الخطي إلي المساجد. وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط. فذلكم الرباط!" وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلي الله عليه وسلم قال: "من غدا إلي المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح" وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلي الله عليه وسلم قال: "أرأيتم لو أن نهراً علي باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات. أيبقي من درنه شيء؟ أي هل سيبقي علي جسده شيء من النجاسة أو القذر قالوا: لا يا رسول الله! قال: "فذلكم مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا". وللحديث بقية العدد القادم بمشيئة الله