كتب - د. عبدالهادي القصبي: إن صوم الصالحين أو خصوص الخصوص الواصلين والراغبين في القرب من المولي عز وجل, يكون تمامه بستة أمور, الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلي كل ما يذم ويكره وإلي كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل. قال صلي الله عليه وسلم, النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفا من الله أتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه. وروي جابر عن أنس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: خمس يفطرن الصائم: الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة, الثاني حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن, فهذا صوم اللسان, وقد قال سفيان. الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الحارث عنه, وروي ليث عن مجاهد خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب وقال صلي الله عليه وسلم: إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائم فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم شهر رمضان شهر النفحات والتجليات شهر تتفتح فيه أبواب السماء ويكثر فيها العبد الصالح من الطاعات والقربات وخير القربات التعبد لله والعمل الصالح لإعمار الكون الذي نحن مطالبون به وقيام الشهر الكريم بكل أنواع القربات والعبادات فليس في قيام رمضان حد محدود, لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يوقت لأمته في ذلك شيئا, وإنما حثهم علي قيام رمضان ولم يحدد ذلك بركعات معدودة, ولما سئل صلي الله عليه وسلم عن قيام الليل قال: مثني مثني, فإذا خشي أحدكم الصبح صلي ركعة واحدة توتر له ما قد صلي( رواه البخاري, ومسلم) فدل ذلك علي: التوسعة في هذا الأمر, فمن أحب أن يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث فلا بأس, ومن أحب أن يصلي عشر ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس, ومن أحب أن يصلي ثماني ركعات ويوتر بثلاث فلا بأس, ومن زاد علي ذلك أو نقص عنه فلا حرج عليه, والأفضل: ما كان النبي صلي الله عليه وسلم يفعله غالبا وهو أن يقوم بثماني ركعات يسلم من كل ركعتين ويوتر بثلاث مع الخشوع والطمأنينة وترتيل القراءة لما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره علي إحدي عشرة ركعة, يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن, ثم يصلي ثلاثا وفي الصحيحين عنها رضي الله عنها: أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصلي من الليل عشر ركعات يسلم من كل اثنتين ويوتر بواحدة وثبت عنه صلي الله عليه وسلم في أحاديث أخري أنه كان يجتهد في بعض الليالي بأقل من ذلك, وثبت عنه أيضا صلي الله عليه وسلم أنه في بعض الليالي يصلي ثلاث عشرة ركعة يسلم من كل اثنتين. فدلت هذه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أن الأمر في صلاة الليل موسع فيه بحمد الله, وليس فيها حد محدود لا يجوز غيره, وهو من فضل الله تبارك وتعالي ورحمته وتيسيره علي عباده حتي يفعل كل مسلم ما يستطيع من ذلك, وهذا يعم رمضان وغيره, وينبغي أن يعلم أن المشروع للمسلم في قيام رمضان وفي سائر الصلوات هو الإقبال علي صلاته والخشوع فيها, والطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وترتيل التلاوة, وعدم العجلة لأن روح الصلاة هو الإقبال عليها بالقلب والقالب, والخشوع فيها وأداؤها كما شرع الله بإخلاص وصدق, ورغبة ورهبة وحضور قلب. كما قال سبحانه: قد أفلح المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون( المؤمنون:1:2) وقال النبي صلي الله عليه وسلم: جعلت قرة عيني في الصلاة فيا معشر المسلمين, عظموا الصلاة, وأدوها كما شرع, واغتنموا هذا الشهر العظيم وعظموه رحمكم الله بأنواع العبادات والقربات, وسارعوا فيه إلي الطاعات, فهو شهر عظيم جعله الله ميدانا لعبادة, يتسابقون إليه بالطاعات, ويتنافسون فيه بأنواع الخيرات, فأكثروا فيه رحمكم الله من الصلاة والصدقات, وقراءة القرآن الكريم بالتدبر, والتعقل, والتسبيح, والتحميد, والتهليل, والتكبير, والاستغفار, والإكثار من الصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم, والإحسان إلي الفقراء والمساكين والأيتام.