للزمان عبق ينتشر في القلوب فيحييها. ويُنعش النفوس فيزكيها. ويصيب الروح فتصفو مما علق بها بفعل أزمنة أخري. كما أن أياماً تبعث في النفس الشجن والألم» هناك أيام أخري تحيي الفرحة والبهجة في أعماق الإنسان..... للمسلمين أيام جميلة. عظيمة» جميلة في بهجتها وأنوارها. وفرحتها. وعظيمة فيما تبعثه بأعماق المسلمين بما فيها من عبر وعظات. ورحمة. وتفاؤل. وحب. وغفران. وأيام رمضان ولياليه. ينتظرها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها فيها تعم الفرحة. وينتشر السرور. وتصفو القلوب. وتسمو الأرواح... بمقدم فجر الفاتح من رمضان. وفجر أيامه كلها... يتنافس الأغنياء. في تطهير أموالهم. ومعايشة الذين يحتاجونهم في السراء والضراء. وتتلاقي القلوب المحبة للخير بالإقبال عليه بكل رضا وطمأنينة. ورغبة في القربي لله تعالي. كانت أمي رحمها الله تردد دائماً. أن التأني خير في كل شيء إلا في عمل الآخرة. كلمة حفظتها من جارة عظيمة محبة..عظيمة في عمل الخير أقامت مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم. ومستوصفاً لعلاج المرضي بأجور رمزية. وحضانة للأطفال ترعاهم وتعلمهم. وتهدي إليهم محاسن الأخلاق. ومسجداً تقام فيه الصلوات. وتلقي فيه الدروس الدينية. يتقابل فيه المحبون للأعمال الحسنة والراغبون في رضا المولي سبحانه وتعالي. رحم الله أمي وجارتها. لم أر إسراعاً وإقبالاً علي مرضاة الله. وطلب غفرانه مثلما أراه في أيام رمضان. تعلمت من أبي وأمي- رحمهما الله- وتقبلهما قبولاً حسناً الإسراع في العمل لمعاونة من يحتاج إلي معاونة وخاصة في أيام رمضان. وكانت لهما- يرحمهما الله- وقفات ونفحات علي قدر ما يستطيعان. وفي حدود إمكانياتهما...فمثلاً كانت أمي رحمها الله- رحمة واسعة تعرف طريق بعض النسوة اللاتي لم ترحمهن الحياة. فتسعي إليهن دون أن ندري. وتستضيف بعضهن. زاعمة لنا أنهن جئن للإطمئنان عليها. ولم تشأ أن تذكر أنهن جئن بدعوة منها لمد يد المساعدة إليهن فيما يحتاجون إليه. وكان يكثر ذلك في أيام رمضان. وسار علي نفس المنهج شقيقي الأكبر رحمه الله- الذي كان يقضي بعض الأيام في رمضان في مسجد لا يبرحه حتي يطمئن علي إفطار من رأي مراعاتهم. ولإمكانياته المحدودة كان طوال العام يشتري بعض الأقمشة علي فترات استعداداً لتوزيعها في رمضان..كلما تجمع لديه فائض من المال اشتري به أقمشة تغلباً علي عدم توافر ما يتمني أن يشتريه وحتي لا يفاجئه رمضان وإمكانياته لا تسعفه....رمضان بالنسبة له رحمة ومعاونة وحب وتقرب إلي الله تعالي...شاهدته أكثر من مرة وفي أواخر أيام رمضان حزيناً يحاول التغلب علي البكاء لمضي رمضان سريعاً كأنه لفتة نظر أو همسة هواء...رحم الله والديَّ وشقيقي الأكبر ورضي الله عنهم أجمعين. رمضان هو شهر الحسنات. وفجر الأعمال الصالحة. ونبض الإنسان لإحياء الإيمان في قلوب المسلمين. كأن الناس خُلِقوا خلقاً جديداً في رمضان. تعمهم نعمة الله بإقبالهم علي الأعمال الصالحة متمنين لبعضهم بعضاً أن يبلّغهم رمضان القادم. داعين لأنفسهم ولغيرهم بعودته عليهم بالخير والسعادة. كأن السماء تشارك الإنسان فرحته برمضان. وكأن الكون يتعبد هو الآخر في رمضان. وتدب الحياة فيه ويشيع الأنس والمؤانسة بين عباد الله. يسير الطفل أو السيدة في الطريق إلي المسجد لأداء صلاة الفجر فلا يعترضهما بلطجي ولا يعكر صفوهما رزيل أو منحرف. رمضان هذا العام يُقبل علينا ليجد بلاد العرب قد أصابتها الفرقة. وزاحمتها عمليات العنف. والسعي نحو التقسيم والتشرذم» العراق في طريقه إلي الضياع. وسوريا ينتابها مرض التقسيم. وليبيا كان الله في عونها ودفع عنها روح التمرد والضياع بتقسيم بغيض. والسوادن تحيط به مشاكل لاحصر لها. قُسم إلي قسمين وكل قسم في طريقه إلي تقسيم آخر أعاذه الله منه. ومصر كنانة الله في أرضه. تحاك حولها مؤامرات يحتاج شعبها ليقظة دائمة وعقل المؤمن الكيس الفطن لتعبر بسلام مرحلة النقاهة لتستعيد مجداً غاب عنا فترة ليست بالقليلة. مصر في شوق جديد إلي عقلية طلعت حرب في الاقتصاد. والسادات في سياسة الأمة. وإلي عبقرية سعد الشاذلي ورفاقه في العسكرية. تحتاج إلي وطنية المصريين التي عاشوها في النصف الأول من القرن العشرين رغم انتشار الأمية و عدم توسع الإمكانيات الإعلامية التي نعيشها الآن نتمني أن يقوم الإعلام بدوره المنوط به. هذا الدور العظيم الذي يبني العقول. ويطهر النفوس ويسمو بالهمم. لا نريد إعلاماًً تافهاً ينشر الأكاذيب ويجمل القبيح. ويبث الأباطيل...نريد إعلاماً يكشف الطريق أمام الشباب ليعشق وطنه ويبذل جهده مخلصاً في حب الوطن..لا نريد إعلاماً مخرباً للنفوس. ومهلكاً للعقول..ولعل رمضان هذا العام يكون سبباً لبداية نشاط أمة وسعي جديد لنهضتها نتعاون ونتكاتف بحب وصفاء..إذ أن العبادة الحقة هي الصدق في النية. والإخلاص في العمل. والاتجاه نحو الطريق الذي يبغيه كل مصري عاشق لبلاده محب للخير...العبادة لله لا تقبل ممن لا يسعي إلي مشاركة العاملين لرفعة هذا الوطن العزيز...فالعمل وحده هو أساس التقدم والبناء..إن الله لاينصر من تواكل ولم يتوكل بعد صدق النية. ولا يقبل عملاً لا يكون خالصاً لوجهه..ولا يوجد عمل مخلص لوجه الله أفضل من حماية الوطن. والعمل علي رفعته. اللهم اجعل رمضان أيام خير وبناء حضارياً لمصر وللمصريين.