انتقد الدكتور هايل داوود وزير الأوقاف والشئون الإسلامية في المملكة الأردنية غياب الدعم العربي والإسلامي للأردن في مواجهة ما وصفه بالطمع الإسرائيلي في المسجد الأقصي مؤكدا أن الدول العربية تركت الأردن يحارب نيابة عنها رغم إدراكها بمحدودية الإمكانيات الأردنية في تلك المعركة . أضاف داوود في حواره مع عقيدتي أن الأردن عرض مستقبله للخطر حيث هدد بالغاء اتفاقية السلام مع تل أبيب لو تعرضت للسيادة الأردنية علي المقدسات الإسلامية في القدس ورغم ذلك لم يتحرك العرب ومازالت هناك دول ترتبط مع اسرائيل بعلاقات لم تحاول استغلالها لمواجهة تلك الاطماع الصهيونية . وانتقد الوزير الأردني غياب دور المؤسسات الدينية وعلي رأسها الأزهر وهو ما أدي إلي انتشار فتاوي الدم والعنف والتكفير ... تفاصيل الحوار في السطور التالية : * بداية يهمنا التعرف علي الوضع في المسجد الأقصي باعتبار وزارتكم المختصة بالإشراف علي المقدسات الإسلامية في القدس؟ ** الحال للأسف يسير من سيء لأسوأ والأردن من جانبه يبذل قصاري جهده لمواجهة الأطماع الصهيونية ولكن للأسف فإن كل إمكانيات الأردن وقدراته عاجزة عن مواجهة المخططات الإسرائيلية خاصة في ظل الدعم المادي والمعنوي الكبير الذي تتلقاه تل أبيب من كثير من الدول الغنية في العالم في الوقت الذي ترك فيه المسلمون الأردن يقف بمفرده أمام تطلعات الشعب الإسرائيلي لهدم المسجد الأقصي وبناء الهيكل الثالث مكانه. * إذن هل تتهمون العالم العربي بالتخلي عنكم رغم أهمية العمل الذي تقومون به؟ ** للأسف هذه هي الحقيقة المرة ونحن من خلالكم نناشد أحرار العالم العربي بدعمنا بكل السبل حتي نستطيع مواجهة تلك الأطماع والخوف كل الخوف أن يتركنا العرب بمفردنا في تلك المواجهة ويستيقظوا يوما ليجدوا المسجد الأقصي أثرا بعد عين ووقتها سيندمون وقت لا ينفع فيه الندم. * وماذا عن القرار الإسرائيلي بإقرار مشروع يسحب من الأردن حق الولاية علي المقدسات الإسلامية في القدس؟ ** ما تفعله اسرائيل باطل قانونا والأردن اتخذ من الإجراءات ما يحول دون إقرار إسرائيل لهذا المشروع وأنا أؤكد أن اسرائيل إذا فعلت ذلك فإنها تكون قد هددت اتفاقية السلام الموقعة مع الأردن بالإلغاء وعلي الكيان العبري أن يدرك أن شرعية الوصاية الهاشمية علي القدس هي وصاية شرعية إسلامية تاريخية. ارتبطت بهذا البلد منذ نشأته. وليست وصاية مستمدة من الكنيست "البرلمان" الإسرائيلي. * وهل أنتم جادون فعلا في إلغاء اتفاقية السلام مع اسرائيل ؟ ** نعيد ونكرر أمام الجميع أن الأردن لن تبقي علي اتفاقية السلام مع اسرائيل إذا حدث أدني مساس بوصايتها علي الأماكن المقدسة في القدس الشريف وهذا أمر غير قابل للنقاش خاصة وأن تلك الوصايا كانت ومازالت جزءا لا يتجزأ من اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين وبذلك فإن اتخاذ أي قرار إسرائيلي في ضوء مناقشات الكنيست "البرلمان" لفرض السيطرة الإسرائيلية علي الأقصي. هو خرق لاتفاقية السلام الموقعة مع إسرائيل. ما يعني إلغاؤها ولابد أن تعلم اسرائيل إن القدس والأقصي أغلي وأولي عند الأردنيين من أي سفير إسرائيلي. أو اتفاقية سلام. * باختصار شديد نريد أن نعرف القاريء بمعني الوصاية الأردنية علي المقدسات الإسلامية بالقدس ؟ ** وفقا لاتفاق وادي عربة الموقع بين الأردن واسرائيل فإن الوصاية بشكل أبجدي هي حق الإشراف والصيانة والتصرف والإدارة حصريا للأردن ووزارة الاوقاف الاردنية والشؤون والأوقاف والمجلس الأعلي للأوقاف في القدس وهناك قرار دولي يؤكد علي أن الأماكن المقدسة والمسجد الاقصي وليس وحده فقط بل مساحة ال 144 دونم الموجودة للأقصي ومحيطه هي وقف اسلامي خالص لا يمكن لليهود أن يشاركوا فيه بشيء الوصاية الهاشمية علي الأماكن المقدسة في مدينة القدس منذ بيعة عام 1924 والتي انعقدت بموجبها الوصاية علي الاماكن المقدسة للملك الشريف الحسين بن علي واعطته الدور في حماية ورعاية الامكان المقدسة بالقدس وإعمارها واستمرار هذا الدور بشكل متصل في ملك المملكة الاردنية الهاشمية من سلالة الشريف الحسين بن علي ولابد أن تدرك اسرائيل هناك قرار دولي يؤكد علي أن الأماكن المقدسة والمسجد الاقصي وليس وحده فقط بل مساحة ال 144 دونم الموجودة للأقصي ومحيطه هي وقف اسلامي خالص لا يمكن لليهود أن يشاركوا فيه بشيء.§ ووفقا للإتفاقية فإن المؤسسات الأردنية تشرف علي تقديم كل ما تحتاجه المقدسات من تجهيزات ولوازم وأثاث وعمليات ترميم. حيث تنفق وزارة الأوقاف الأردنية من موازنتها لهذه الغاية سنوياً نحو ستة ملايين دينار أردني "ما يعادل عشرة ملايين دولار أمريكي". فضلاً عن المشاريع التي تمول من خلال الصندوق الهاشمي. أو من خلال اللجنة الملكية لإعمار المسجد الأقصي. والتي كان آخرها مشروع نظام الإطفاء التلقائي والإنذار المبكر. * في رأيكم كيف نتعامل مع تلك القضية حتي يستعيد الفلسطينيون والمسلمون بشكل عام حقوقهم المشروعة في أرض فلسطين ؟ ** في البداية لابد أن ندرك أن الشريعة الإسلامية تحثنا علي وجوب النصرة الكاملة للشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة علي الشعوب الإسلامية والحكومات وتحثنا علي عدم تناسي أن قضيتنا مع العدوان في فلسطين هي الاحتلال وضرورة العمل علي رفع العدوان وأنه يجب ألا تنسينا هذه الاعتداءات والمجازر أن القضية الأساسية مع العدو هي استمرار احتلاله للأراضي الفلسطينية التي تلزمنا بالعمل علي تمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة علي ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف والذي يعني في ابسط ما يعنيه تحرير أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسري الرسول صلي الله عليه وسلم ومعراجه إلي السموات العلي ولهذا فعلي الحكومات الإسلامية بذل الجهود عبر المنظمات الدولية والعلاقات السياسية والاقتصادية لوقف العدوان فوراً وما يتلقاه من دعم خارجي وتلمس كل طريق ممكن لمحاسبة المعتدي علي جرائم الحرب والإبادة التي مارسها ويمارسها بكل صلف وغرور . ولكن علي الجانب الأخر فإن الإخوة الفلسطينيين يقصرون في حق قضيتهم بالإصرار علي استمرار الخلاف لهذا فإن القيادة الفلسطينية مطالبة بنبذ الخلافات وتوحيد الصف وترسيخ معاني الوحدة الوطنية والوفاء بالعهود التي تمت بينهم وخاصة في رحاب مكةالمكرمة كما وجه نداء إلي الأمة الإسلامية بتوحيد صفوفها في مواجهة هذه التحديات فوراً . ومن جانبهم فإن الأئمة والخطباء مطالبين بيان الحقائق والأحكام الشرعية في الدروس والخطب وتوعية أفراد الأمة بواجباتهم مع الإلحاح بالدعاء والقنوت في الصلوات من أجل استعادة مقدساتنا المسلوبة . ** تعلو من وقت لآخر المطالبات بتوحيد الفتوي خاصة في القضايا العامة التي تشغل بال المجتمعات الإسلامية كلها .. فهل تؤيدون مثل هذه الدعوة ؟ * نحن لا نريد للفتوي أن تتوحد بقدر ما نريد التصدي للفوضي التي تشهدها ساحة الفتوي اليوم حيث نشهد الكثير من أدعياء العلم الذين يتصدون للفتوي وهم غير اهل لها وهذا يؤدي إلي نوع من التشتت والفوضي في التزام الناس بأحكام الشريعة في المجتمعات الإسلامية ولهذا فإن الهدف هو التأكيد علي ضرورة أن يتصدي للإفتاء من هو أهل له وتتوافر فيه شروط الإفتاء وأيضا التصدي للقضايا للقضايا العلمية التي تحتاج لبيان الحكم الشرعي فيها بشكل علمي سليم يقدم للأمة المعالجات العلمية السليمة والدقيقة القائمة علي فهم أحكام الشريعة فهما صحيحا ونقلها علي نطاق واسع لجميع المسلمين من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال مناهج التربية والتعليم . فوضي الفتاوي ** ولكن فوضي الفتاوي من المشكلات التي أصبحت تؤرق مجتمعاتنا الإسلامية في الفترة الأخيرة فكيف نتغلب علي تلك المشكلة ونواجهها؟ * في رأيي الشخصي وبدون أن يغضب مني احد فإنني أقول أن الإعلاميين يريدون تدمير هذه الأمة حيث يأتون بمن ليس مؤهلا والذين يشرعون وأغلبهم من غير المختصين والباحثين عن الشهرة ويستخدمونه في الرد علي أسئلة وفتاوي الناس وهو جاهل لا يعرف حقيقة الأحكام الإسلامية وهؤلاء أوقعوا الناس في حرج ولا تجد فرقا بين واحد وآخر لأنهم يتكلمون عن جهل فهذا اكبر خطر هز الوسط الإسلامي بسبب هذه الفتاوي المتضاربة لعدم وجود اهلية للفتوي عند هؤلاء ولأنهم لا يفتون بالرأي المعتمد ويلجأون إلي ما يسمونه بالتيسير والتسهيل ويوقعون الناس في بلبلة شديدة وهؤلاء هم خونة يخونون الله والرسول وأصول الإسلام. والواقع يؤكد إن قضايا الفتاوي في البلاد العربية أصبحت فوضوية ولهذا فالحاجة ماسة لوجود مرجعية تشرف علي هذه الأمور وتضع علي كل واحد رقيبا تجعله محددا بحيث لا يتجاوز الصلاحيات التي ينبغي أن يمارسهاكذلك يجب مواجهة الجهل فمع الأسف الشديد استولي علي جماعة من المنتمين إلي العلم فأصبحوا يتدخلون بسبب إغراءات القنوات الفضائية التي تملك أسلوبا مدبجا ومنمقا من الكلام الذي يرضي المذيعين والإعلاميين مما جعل هذه البضاعة رائجة ويأخذون المكافآت علي هذه الأعمال. فأدي ذلك إلي أن نسمع فتاوي متناقضة ومضادة ومصادمة لأصول الشريعة. حيث إن الفضائيات دخلت كل بيت وأصبحت تؤثر في الجميع. فتاوي التكفير * وما رأيكم في انتشار فتاوي التكفير بين الناس بشكل مبالغ فيه ؟ ** الحكم بتكفير شخص امر عظيم لابد أن يدرك الجميع عواقبه قبل الحديث فالكفر يكون بتكذيب الرسول صراحة وعلنا فيما أخبر به أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه مثل كفر فرعون واليهود وغيرهم والكفر يكون بالقول والعمل والاعتقاد كذلك: والكفر ذو أصل وشعب. فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر والحياء شعبة الإيمان وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر والكفر نوعان: كفر عمل وكفر جحود . فكفر الجحود : أنه يكفر بماعلم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه . وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه . وأما كفر العمل فينقسم إلي ما يضاد الإيمان وإلي ما لا يضاد الإيمان. فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان. و ظهور تلك الفتاوي تدل علي الخواء الفكري لأصحابها وعجزهم عن مواجهة خصومهم بالفكر والرأي والرأي الأخر فيلجأون إلي الدين للتغطية علي فشلهم وللأسف فإنهم بذلك يشوهون الدين خاصة وان القسم الأكبر من علماء الإسلام يرون أن مجرد الإقرار والنطق بالشهادتين أو التظاهر ببعض شعائر الإسلام وخصائصه لا يكفي للحكم لأحد بالإسلام . بل لابد من التبين عما يرونه حد الإسلام الأدني ولهذا فإننا نعتبر إن تكفير المسلمين حرام وهو مغلَّظ شديد. وقد جاء فيه ثمانية أحاديث صحيحة عن النبي صلي الله عليه وسلم. فقد ثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: ¢تكفير المسلم كقتله¢. وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: ¢إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما¢. وصح عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: ¢من قال لأخيه: يا كافر. فإن كان كما قال. وإلا حارت عليه¢ وفي رواية: ¢وإلا رجعت عليه¢وهذا نهيى شديدى عن التكفير وتغليظ فيه. والتكفير حكم قضائي. فالمسلمون فيهم فعلاً من يكفر ويرتد. وقد بين النبي صلي الله عليه وسلم أن ذلك سيقع ويكثر في آخر هذه الأمة فذكر أن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم. يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً. ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا. * هذا يدعنا نتسائل هل اختفت ظاهرة الفقيه العالم والعالم الفقيه؟ ** للأسف هذا صحيح والذي يجب أن ندركه أن من أهم معوقات عودة الحضارة الإسلامية إلي عصورها الزاهرة ما نلاحظ من قصور وضعف في التعليم الديني وأنا أقول أكثر من ذلك فهناك ضعف في التعليم بصفة عامة فلابد في الواقع من أن نعيد الدراسة لمناهجنا في التربية والتعليم ونحاول جادين أن نصنع من خلال هذه المناهج العقول المفكرة الباحثة والقادرة علي العطاء الفكري المتميز وهذا يتطلب مراجعة جادة علي مستوي علمي رفيع من المختصين الكبار ويجب ألا ننكر أن هناك جهود تبذل في كثير من دولنا لتطوير مناهج التربية والتعليم وتطوير مناهج التربية والتعليم وتطوير مناهج التعليم الجامعي والتعليم العالي فيما يتعلق بالتعليم الديني ما زالت هناك حاجة ماسة لمزيد من التطوير ومزيد من التحديث بشرط ألا يتم ذلك بأن نقتبس من غيرنا وتقليده ولكن بهدف أن نصنع من خلال مناهجنا العقلية الإسلامية التي تتعامل مع نصوص الشريعة بوعي وحكمة وتتعامل أيضا مع الواقع بفهم وإداراك. * وكيف تري دور الأزهر في انتشار فتاوي التكفير وتضارب الفتاوي وغيرها من الظواهر الدينية السلبية؟ ** للأسف الأزهر غائبا أو تم تغييبه لا أحد يعلم وإن كنا نري أن هناك بعض المحاولات التي تجري عن طريق بعض العلماء لمواجهة تلك الأفات إلا أن الدور المتكامل للأزهر مازال غائبا بشكل يثير الأسي والأسف الشديدين وحتي عندما قامت مصر بعقد مؤتمر لمواجهة ظاهرة التكفير تكفلت به وزارة الاوقاف ولم نر للأزهر دورا في هذا الإطار.