بقلم المستشار: محمد محمد خليل رئيس محكمة الاستئناف الشباب مفجر النهضة. وقائد الأمة. به يبدأ المستقبل. وتتحقق الأمنيات. وتزداد شعلة الحركة الفاعلة. والمؤثرة في الأوطان.. علي مدي تاريخ الإنسانية كان للشباب الدور الأكبر والأهم.. من ينسي اسكندر الأكبر الذي ارتقي العرش في العشرين من عمره. وانتقل في سن الثلاثين. هذا القائد العظيم فتح بلاد الشرق كلها. واجتاح بجيوشه ممالك شتي. وسيطر سيطرة كاملة علي بلاد الفرس والهند. وأفغانستان وسورية. ومصر والعراق. ولم تكن سيطرته عسكرية فقط. إنما حاول أن ينقل ثقافة الإغريق إلي تلك البلاد. وتحقق له بعض ذلك. كما أن رمسيس الثاني تولي رئاسة البلاد في مصر القديمة وهو في الثامنة عشرة من عمره. وانتصر في معارك عدة. في العراق والشام. وعندما قامت الثورة الفرنسية عام 1789 كان نابليون ضابطاً عظيماً في سن الخامسة والعشرين. واستطاع أن يحقق انتصارات عظيمة ضد النمساويين وهو في التاسعة والعشرين من عمره. وتمني أن يحقق حلمه بإنشاء إمبراطورية في الشرق وهو في الحادية والثلاثين. وقادة ثورة 23 يوليو ليسوا عنا ببعيد. فإن معظم الضباط الذين قاموا بها لا يتعدي واحد منهم سن الرابعة والثلاثين. عدا قائد الثورة العظيم اللواء محمد نجيب. الذي انحاز إلي فكر الشباب وآمن به. وحمل علي عاتقه مسئولية التصدي للقيادة. معرضاً نفسه للخطر إيماناً منه بضرورة التغيير للنهوض بالبلاد.. وفي أيامنا هذه كان الشباب هو مفجر ثورة 25 يناير وقائدها ووقودها. ولولا همة الشباب وحماسه وإصراره علي التغيير لما نجحت هذه الثورة. ولا حدث تغيير بخلع القيادة السابقة التي أخضعت الوطن لترهل أفكارها وفساد تصرفاتها مدة ثلاثين عاماً. حرمت مصر من كل عوامل النهوض. وأسس التقدم الاقتصادي والبشري. وساد انهيار التعليم وشيوع الفقر في جموع الشعب. واستغلال طبقة المقربين من الحكام لخيرات البلاد. والسيطرة علي اقتصادها لصالحهم دون باقي الشعب.. ولكن الشباب كان واضح الرؤي ومستشرف المستقبل. ورأي ضرورة الثورة والتغيير للقضاء علي المفاسد واستغلال النفوذ. فحاجة الأمة إلي الشباب تفوق كل عنصر من عناصر النهوض والتقدم. وإذا كان الشيوخ والكهول لديهم من الخبرة والمعرفة ما يؤهلهم للمشاركة في بناء حياة الأمة ونهضتها فإنهم في حاجة إلي حماس الشباب وتطلعه وبحثه عن المستقبل. فهو الطاقة الجبارة التي تدفع كل عناصر البناء. وهو الضياء الذي ينير الطريق إلي آفاق الحياة.. عاشق الحرية ودرعها الواقي من استبداد الحكام وطغيان الظالمين.. وهو وحده القادر علي الابتكار والاندفاع إلي تحقيق آمال الأمة وتخطي العقبات. مهما كانت صعبة والتغلب عليها مهما كانت وعرة. ولنا في تاريخ الإسلام مصباح ونموذج.. الرسول صلي الله عليه وسلم لم ينتصر إلا بالشباب ولم تنجح الدعوة الإسلامية إلا بإقدام الشباب وحماسه في الإيمان بالدين الجديد. وبصبره وجلده في كافة الأزمات التي مرت بها الدعوة... ويوم أن آمن أبوبكر الصديق بسيدنا رسول الله كان في الثامنة والثلاثين من عمره وكان عمر بن الخطاب في السادسة والعشرين. كل من قرأ تاريخ الإسلام يعرف فضل عمر وجرأته في سبيل الدعوة الإسلامية. وهو أول من تجرأ بالمجاهرة بالإسلام في مكة دون أن يجرؤ أحد من قريش علي مواجهته كما تعرف إمكانياته العقلية في إدارة شئون الحياة كوزير للرسول صلي الله عليه وسلم في المدينة. وبالشباب انتصر المسلمون في غزوة بدر. وغيرها من الغزوات. وكان سيدنا علي بن أبي طالب في الثامنة والعشرين من عمره حين تصدي لعمرو بن ود الذي اقتحم الخندق بحصانه متحدياً من يتصدي له فينادي الرسول علي علي ليتحداه ولكن عمراً استصغره إلا أن علياً أجهز عليه بضربة واحدة أنهت حياة هذا الجبار كما كان علي لم يتجاوز الثلاثين حين ناداه الرسول صلي الله عليه وسلم ليعطيه الراية في فتح خيبر فيتحقق الفتح والنصر للمسلمين علي اليهود في تلك الموقعة الهامة. عرف رسول الله صلي الله عليه وسلم أهمية الشباب فاعتمد عليه في القضاء علي الأعداء يوم أسند الراية إلي أسامة بن زيد لمواجهة الأعداء في شمال الجزيرة العربية. وكان سنه لا تتعدي العشرين وأنفذ تلك المهمة من بعده خليفة رسول الله أبوبكر الصديق رغم اعتراض بعض الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب. الشباب هو القادر علي تغيير الحياة. والعبور بها إلي بر التقدم وآفاق المستقبل. هو النغم الجميل والروح الخلاقة. والنور الكاشف لكل أماني الأمة والسير بها في طريق الحياة المفمعة بالمثل العليا. هو القادر علي البذل والعطاء. والاستهانة بكل صعب وعائق. هو الفكر والخيال والإلهام والأحلام. هو يصوغ الحياة ويرفع شأن الناس. هو دائماً المنقذ من كل ضلال ومفجر الروح الوطنية في الأمة.. لا ننسي الزعيم مصطفي كامل خطيب الأمة وثائرها. الذي توفي وهو لا يتعدي الرابعة والثلاثين. تاريخنا مليء بالأمثلة الرائعة لدور الشباب أحاط ببعض منها الأستاذ فتحي رضوان في كتابه الرائع "نصف قرن بين السياسة والأدب" وأحب أن أذكر بشخصيتين هامتين في تاريخنا القديم والحديث أحدهما في الفكر الروحي والآخر في النشاط التقدمي. الأول هو أخناتون الملك المصري القديم الذي فطن إلي الوحدانية. وحرر العقول والفنون وهام في آفاق الروحانيات وعزف أشعاره وأناشيده في أجمل ما يكون ليثبت أن الله واحد أحد وفعل كل ذلك وهو لم يبلغ الثامنة عشرة وواجه الكهنة وسخر منهم ومن معتقداتهم مدافعاً عن الوحدانية قبل أن تعرف البشرية ذلك بآلاف السنين. والآخر هو محمد علي الذي تولي حكم مصر بترشيح من المصريين وهو لم يتجاوز العشرينيات من عمره. فنهض بالبلاد نهضة اقتصادية وتعليمية وعسكرية تفوق كل الهمم. ورغم ما يؤخذ عليه من أخطاء عدة إلا أن هذا الرجل كان صاحب فكر وصاحب رؤيا أشاد بها المعاصرون له من المنصفين في أوروبا وأرسل البعثات المتوالية من الشباب إلي إيطاليا وفرنسا ليقف علي كل ما قامت عليه النهضة الأوروبية ليلحق بركب الحضارة ويواكب عصر التقدم بالزراعة والصناعة والتعليم وتخير للبعثات الشباب حتي يكون أقدر علي الاستيعاب وأشد حماساً في طلب العلم واستيعاب عناصر الحضارة وتقدم الشعوب. نعم الشباب هو الوقود وهو الشعلة وهو الأمل وهو المستشرف للمستقبل دائماً ومصر غنية بشبابها الذي ينبغي أن يتحمل عبء السير في طريق تحقيق أمنيات هذا الوطن.