لا يستطيع حاكم مهما أوتي من قوة وحزم وعزم أن يغير من حال الدولة إلا إذا كان عند أفرادها الاستعداد الأكيد للتغيير والانتقال من سيء إلي حسن. والمقصود بأفرادها جميع طبقات الشعب. فالحاكم يجب أن تكون لديه رغبة وعزيمة التغيير فيعمل من أجله. والطبقة التي تستحوذ علي معظم المال والجاه يجب أن تبدي استعدادا للتنازل المؤقت إلي حين. وعندما تتم عملية التغيير بسلام سينعم الجميع بما تنعم به هذه الطبقة فتختفي الأحقاد والضغائن الطبقية. والفئة قليلة الحظ يجب أن يكون لديها الاستعداد للكد والمثابرة والرغبة في التقدم والخروج من مستنقع الفقر والجهل والتخلف بدلا من استمراء الكسل وانتظار ان تحقق الدولة كل رغباتهم بدون سعي منهم . هذه هي سنة الحياة التي لا تستطيع المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات تغييرها . فالله جل جلاله قد حكم ولا معقب لحكمه وقضي ولا راد لقضائه وتكلم في سورة الرعد آية 11ولا مبدل لكلماته فقال ¢ إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم¢. تدل هذه الآية علي أن الله سبحانه وتعالي لكمال عدله وحكمته. لا يغير ما بقوم من خير إلي شر. ومن شر إلي خير. ومن رخاء إلي شدة. ومن شدة إلي رخاء حتي يغيروا ما بأنفسهم. فإذا كانوا في صلاح واستقامة ثم غيروا غيِّر عليهم بالنكبات والشدائد والجدب والقحط والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات. والعكس صحيح إذا كانوا في ضعف وخمول وفرقة وشقاق ثم نفضوا عن أنفسهم هذا البؤس غير الله حالهم إلي عافية ووئام ونعمة ورخاء. ومما لاشك فيه فيه أن أصعب أنواع التغيير تغيير الإنسان لنفسه وأسلوب حياته خصوصا إذا كان ينفرد بمزايا عن بقية أفراد المجتمع ويفرض عليه التغيير أن يتنازل عن جزء منها من أجل الصالح العام. هنا يحتاج الفرد لعزيمة قوية وإرادة استثنائية نحسب أنها بإذن الله موجودة عند المصريين . وهذه الحقيقة أدركها العظماء والحكماء علي مر التاريخ فقد جاء في الأثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال لجماعة من الصحابة كانوا قد عادوا لتوهم من إحدي الغزوات : "رجعتم من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر فسألوه: وما الجهاد الأكبر؟ . قال: جهاد النفس أو جهاد الهوي". ومع أن إسناد الحديث ضعيف إلا أنه يؤخذ به طالما ينادي إلي الفضيلة ويدعو إلي الإصلاح . ومؤخرا قرأت في حوار للزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا مع الصحفي جون باتريس من صحيفة كريستيان ساينس مونيتور عبارة استوقفتني كثيرا يقول فيها: ليس أصعب الأمور أن يغير الإنسان المجتمع كما يعتقد كثير من الناس ولكن أصعب الأمور أن يغير الإنسان نفسه . وإني لأتساءل الآن - هل القائمون علي الأمر في مصر الآن مستعدون للتغيير ؟. - وهل المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين ومن يؤيدونهم علي استعداد لأن يغيروا أنفسهم ؟ - وهل أثرياء مصر الذين نهبوا ثروات هذا الشعب مستعدون لأن يغيروا ما بأنفسهم ويردوا للشعب أمواله؟ . ولا أقصد بالطبع الذين حققوا الثراء من كدهم وتعبهم فهؤلاء يستحقون تصفيق النجاح والتقدير وإنما أقصد مبارك وأولاده وحاشيته. - وهل فقراء مصر مستعدون للتغيير والعمل والصبر والمثابرة والإقلاع عن الاتكالية وندب الحظ والبكاء والنواح ؟ . إذا كان الجواب بنعم فإن المستقبل لنا بإذن الله فليبادر كل منا الآن بتغيير نفسه ومن حوله إلي الأفضل . قال الإمام الشافعي : ورزقك ليس ينقصه التأني وليس يزيد في الرزق العناء ولا حزن يدوم ولا سرور ولا بؤس عليك ولا رخاء إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء ومن نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه ولا سماء وأرض الله واسعة ولكن إذا نزل القضاء ضاق الفضاء