التزمت الحكومة الماليزية بالأسلوب الإسلامي السليم في ممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية وتوجيه الموارد. ففي حين عملت علي تحويل ملكية مختلف المشروعات الاقتصادية إلي القطاع الخاص. فقد نمت مسئولية الأفراد وأشركتهم عملياً في تحقيق الأهداف القومية. واحتفظت بسهم خاص في إدارة المؤسسات ذات الأهمية الاجتماعية والاستراتيجية. لعدم التخلي عن دورها في ممارسة الرقابة والإشراف عليها. ومن ناحية أخري أسهمت الحكومة في التقليل من الآثار السلبية للتحول إلي القطاع الخاص عن طريق منح تأمين ضد البطالة للعاملين في الخدمات التي تم تحويلها إلي القطاع الخاص. مع وعدهم بأجور أعلي في المدي القريب. ولكن يؤخذ علي الحكومة تجاهلها للاعتراضات الإسلامية علي تحويل الموارد الطبيعية العامة إلي القطاع الخاص بدلاً من إبقائها في إطار الملكية المشتركة للمسلمين تحت مسئولية الدولة ورقابتها. وتؤكد الدكتورة "نعمت مشهور" وجهت نظرها بأن التجربة الماليزية كانت إسلامية من دون وجود لافتة تحدد هذا الانتماء من خلال أن التجربة لفتت أنظار الدارسين الذين تنبأوا بتحول القوة السياسية الإسلامية من الشرق الأوسط إلي جنوب آسيا. حيث يتوقع أن يؤدي الأخذ بالابتكارات التكنولوجية وتحقيق معدلات التنمية العالية. إلي تحويل دولة صغيرة سريعة النمو مثل ماليزيا. إلي أهم وجود إسلامي في العالم علي الإطلاق. التجربة تنقصها الزكاة: تبوء ماليزيا لدور بارز في قيادة العالم الإسلامي أمل يمكن أن يصبح حقيقة واقعة إذا ما استكملت الحكومة الماليزية مسئولياتها. فإلي جانب اهتمامها بنشر الدين الإسلامي والدعوة لمختلف أركانه من تشجيع علي الذكر وحفظ القرآن الكريم وإقامة المساجد. وإحياء فريضة الصوم في ليالي رمضان. وتكوين مؤسسة الادخار لتيسير أداء فريضة الحج لأكبر عدد من أبناء البلاد. فإن علي الدولة أن تهتم بتطبيق فريضة الزكاة. وخصوصاً مع ارتفاع مستويات الدخول الفردية وتزايد الثروات التي تجب فيها الزكاة. ذلك مع حماية الثروات الطبيعية التي وهبها الله تبارك وتعالي لماليزيا. وعدم تعرضها للإبادة والتدمير. حضور إسلامي ولكن!! والتجربة في ماليزيا في التنمية لها خصوصية من حيث استفادتها من الظرف التاريخي للصراع العالمي بين الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه والولايات المتحدةالأمريكية. حيث ساندت أمريكا دول هذه المنطقة من الناحية الاقتصادية لتكون هذه نموذجاً مغرياً لدول المنطقة التي ركنت إلي الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الاشتراكية. ولكن لابد أن نذكر هنا أن ماليزيا طوعت هذا الاتجاه لتبني نفسها وتوجد اقتصاداً قوياً. حتي مع سيطرة اقتصاديات العولمة وجدنا أن ماليزيا شاركت فيه بقوة. ولكن من منطق المشاركة أخذاً وعطاءً وليس مجرد الحضور كما فعلت كثير من بلدان العالم النامي. وبخاصة البلدان الإسلامية. وبالتالي فإن تكرار نموذج ماليزيا في بلدان العالم الإسلامي لابد أن يأخذ في الاعتبار الظروف التاريخية المصاحبة لهذه البلدان وكذلك وضعها في طبيعة الخريطة السياسية الدولية حالياً. وإن كان يؤخذ علي هذه البلدان أنها لم تستفد بشكل مباشر من فترة النظام العالمي ثنائي القطبية. أما عن تجربة التنمية في ماليزيا ومدي ارتباطها بالإسلام بان أن فكر رئيس الوزراء الماليزي قائم علي أن النظام الإسلامي لا يوجد به نموذج للتنمية ولكن توجد بالإسلام مجموعة من القيم والأخلاق يستفاد منها في ترشيد النظام الرأسمالي. مثل حث المسلمين علي العمل والإتقان والمساواة والعدل والتكافل الاجتماعي. مع الأخذ في الاعتبار أن شخصية رئيس الوزراء الماليزي "مهاتير محمد" من الشخصيات النادرة التي تتمتع بحس سياسي متفرد يتسم بالوطنية والوعي بالأوضاع السياسية العالمية. ومع ذلك نجد أن ماليزيا تفردت في بعض التطبيقات الإسلامية في المجال الاقتصادي من وجود شركات للتأمين تعمل وفق المنهج الإسلامي ووجود بعض الآليات في سوق المال تعمل وفق المنهج الإسلامي وأيضاً وجود جامعة إسلامية متطورة في ماليزيا تتفاعل مع متطلبات العصر وتخدم قضايا التنمية. كما أن ماليزيا تفردت أيضاً بوجود صندوق الحج القائم علي توفير مدخرات الأفراد المشاركين فيه في أعمار مبكرة لكي يؤدي هؤلاء الأفراد الحج عند بلوغهم سناً معينة. ولا شك أن هذه الأموال يتم الاستفادة منها في توظيفها في عمليات التنمية باعتبارها مدخرات إلي حد ما طويلة المدي. ويضيف الدسوقي أن انفصال سنغافورا كان حافزاً علي أن يثبت المالاويون ذاتهم وأن يهتموا بالتنمية. أما عن الملاحظات علي تجربة التنمية الماليزية فيري. الدسوقي. أن هناك نقطتين رئيسيتين تعيبان التجربة الماليزية وهما ارتفاع معدلات الاستيراد كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. والأخري ارتفاع نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر إلي الناتج المحلي الإجمالي. مما قد يعرض التجربة لوجود مؤثرات خارجية تجعل الاقتصاد الماليزي يتأثر بها سلباً. الدروس المستفادة من التجربة الماليزية: بعد هذا السرد يمكننا أن نخلص إلي مجموعة من الدروس يمكن لبلدان العالم الإسلامي الاستفادة منها وهي: 1 -الاهتمام بجوهر الإسلام وتفعيل منظومة القيم التي حض عليها الإسلام في المجال الاقتصادي وغيره ولا داعي لرفع لافتات إسلامية دون وجود مضمون حقيقي لقيم الإسلام. 2- إعمال مبادئ الشوري التي حض عليها الإسلام من خلال نظم ديمقراطية تحترم حقوق الأفراد. 3 -في حال وجود عرقيات مختلفة يمكن التوصل إلي اتفاقات تتقاطع فيها دوائر المصالح المختلفة وبذلك يكون التنوع مصدر إنماء لا هدم. 4 الاستفادة من الظروف العالمية السياسية لبناء الاقتصادات الوطنية. 5- الاعتماد علي الذات في بناء التجارب التنموية ولن يتحقق هذا إلا في ظل استقرار سياسي واجتماعي. 6- الاستفادة من التكتلات الإقليمية بتقوية الاقتصاديات المشاركة بما يؤدي إلي قوة واستقلال هذه الكيانات في المحيط الدولي. 7- التنمية البشرية ورفع كفاءة رأس المال البشري فالإنسان هو عماد التنمية تقوم به ويجني ثمارها. 8- أهمية تفعيل الأدوات الاقتصادية والمالية الإسلامية في مجال التنمية مثل الزكاة والوقف من خلال وجود مؤسسات تنظم عملها والرقابة علي أدائها. 9- أن تتوزع التنمية علي جميع مكونات القطر دون القصور علي مناطق وإهمال مناطق أخري. مما يترتب عليه الكثير من المشكلات مثل التكدس السكاني والهجرة إلي المناطق المعنية بالتنمية وتكريس الشعور بالطبقية وسوء توزيع الدخل. 10- اعتبار البعد الزمني من حيث استيعاب التقدم التكنولوجي. وأن المعرفة تراكمية. وأن المشكلات مع الوقت سوف تزول في وجود أداء منضبط بالخطط المرسومة. 11- بخصوص التطبيق لمبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي قد تكون هناك فترات انتقالية لتهيئة المجتمع للتطبيق الكامل ولكن لا يعني ذلك التوقف عن البدء في التطبيق. فمالا يدرك جله لا يترك كله. ويفضل البدء بما تتوافر له الشروط والظروف الملائمة.