بلغت عظمة الإسلام أن كان له السبق في معالجة مشكلات المجتمع بالاساليب التي تعتمد علي العلم والاجتهاد وابتكار أدوات جديدة تساهم في إعمار الكون وتحقيق رفاهية الانسان. وكان الوقف أحد المجالات التي حرص علي تقديمها وتطويرها والاستفادة منها في كافة المجالات اللازمة لتقدم الأمة. حيث لم يقتصر الوقف في الإسلام علي أماكن العبادة فحسب. بل تجاوز ذلك إلي جميع أنواع البر والتعاون. غير انه في العصر الحاضر قلت موارد الوقف بسبب عدم وجود نماذج جديدة رغم شدة الحاجة إلي ذلك نظرا لزيادة الفقر. وعجز الموارد العامة عن تلبية احتياجات الطبقات الفقيرة في المجتمع. إضافة إلي ما تفرضه العولمة من تقليص لدور الدولة الاقتصادي حتي في عملية إنشاء وإدارة المرافق العامة. ووجود العديد من المشكلات القانونية والسياسية التي تؤثر في الوقف وتحد من دوره في بناء المجتمعات. يوضح الدكتور حسين شحاتة- الأستاذ بجامعة الازهر- أن نظام الوقف من السمات المميزة للمجتمع الإسلامي الحضاري. مؤكدا أن مكانته عظيمة في بناء المجتمع المتضامن الذي يقوم علي نظام التكافل الاجتماعي بين القادرين من أهل الخير والعطاء وبين الفقراء من ذوي الحاجات. وهو نموذج عملي من نماذج التعاون علي البر والتقوي الذي أمرنا الله به في القرآن الكريم بقوله عز وجل:¢ وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان ¢ المائدة 2. وقال إن الرسول- صلي الله عليه وسلم- وصف الأمة الإسلامية بأنها متعاونة في كل الأحوال. فقال:¢ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ¢. مبينا أن نظام الوقف ساهم في حفظ الحاجات الأصلية للإنسان التي تعتبر مقاصد الاسلام وكانت له تطبيقات عملية متعددة علي مستوي حفظ النفس منها المساهمة في تأمين المياه للناس من خلال إنشاء آبار ومحطات المياه. والمساهمة في تأمين المسكن المناسب من خلال تأجير العقارات الموقوفة. وتأمين الطعام للفقراء والمساكين ومن في حكمهم. وبناء مؤسسات العلاج الخيرية لعلاج الفقراء والمساكين يضيف أنه ساهم بقوة علي مستوي حفظ العقل والارتقاء بمعارف الانسان. حيث ساهم في إنشاء دور العلم مثل كتاتيب تحفيظ القرآن والمدارس والمعاهد الدينية لحفظ العقل. مشيرا الي دوره في حفظ الدين من خلال المساهمة في بناء المساجد ودور العبادة وتيسير الحج وتقديم الخدمات للحجاج. كما ساهم في تيسير الزواج للشباب والفتيات الفقيرات لحفظ العرض. وفي تحرير الأسري والمعتقلين في سبيل الله. وتقديم العون للمرضي والأيتام والعجزة وكبار السن وتوفير حاجاتهم الأصلية من مأكل ومسكن وعلاج وتعليم. وتشييد قبور الصدقة ليدفن فيها الغرباء والفقراء لتكريم الموتي. والمساهمة في حماية البيئة من التلوث. وحفظ أموال الأغنياء من الإسراف والتبذير وتوجيهها لما ينفعهم بعد الموت. ويقول إن الوقف ينقسم إلي نوعين. الأول هو الوقف الخيري وفيه يتم توجيه منافع الوقف المادية والمعنوية وغيرها إلي وجوه البر والخير العامة التي ينتفع منها جميع المخلوقات سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو مؤسسات أو نحو ذلك. وبين أن النوع الثاني هو الوقف الأهلي ويقصد به صرف أو توجيه المنافع علي أقارب وذرية وورثة الواقف. ومن المفضل أن يكون للأقارب غير الوارثين. والحكمة منه تحقيق البر بالأقربين وتقوية صلة التراحم وتحفيز الناس علي الخير. ويري ان الوضع الشائك للوقف أدي الي إحجام الأغنياء عن وقف أموالهم. لافتا الي أن وجود اسباب عديدة لهذا الاحجام أهمها صدور قوانين في بعض الدول العربية والإسلامية بمصادرة الأموال الوقفية وتحويلها إلي خزينة الدولة بدون أي مبرر معتبر عقلا أو شرعا. وتدخل بعض الحكومات في تغيير حجة الواقف لتنفق مع بعض المآرب الخاصة بدون مبرر معتبر شرعا. وكذلك انتشار الفساد الأخلاقي والمالي والاجتماعي في بعض الجهات القائمة علي إدارة شؤون الأوقاف الإدارية والمالية بسبب عدم الالتزام بالقيم الإيمانية وبالمثل الأخلاقية وبالآداب السلوكية السوية وبالفقه الإسلامي. وحذر من تدخل بعض الجهات الأجنبية مثل الصهيونية العالمية الطاغية لضرب الوقف ومحاربة كل مشروع إسلامي تحت دعاوي محاربة الإرهاب. مضيفا أن بعض الناس يستشعر أن أي عمل تتدخل فيه الحكومة وتسيطر عليه أو تديره مآله إلي الفشل والخلل لعدم الثقة بها. فضلا عن ضعف الوعي الديني لدي العديد من أصحاب الأموال من الأغنياء بسبب الغزو الثقافي ولا سيما انتشار مفاهيم العولمة. وعدم الاهتمام بالثقافة الوقفية في دور العلم المختلفة. وهكذا أصبح الوقف شيئا مجهولا عند العديد من الناس بسبب انتشار الفكر العلماني المادي في الكثير من المجتمعات الإسلامية. وقال انه بعد الثورة يجب أن يحدث اهتمام باحياء نظام الوقف وتفعيل دوره. مشيرا الي ضرورة إصدار قانون للوقف يواكب التطورات المعاصرة ولا يخرج عن أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية لإدارة أموال الوقف وفقا لمقاصد الإسلام وطبقا لسياسات استراتيجية وخطط موضوعية وبرامج سليمة حتي يحقق مقاصده السامية. وطالب بإصدار القوانين والمراسيم والقرارات لحماية أموال الواقفين وعدم المساس بها. واحترام حجة الواقفين ما دامت لا تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. أسوة بالقوانين التي تحمي رأس مال المستثمر الأجنبي وعدم المساس به. والأولي حماية أموال الوقف. لأنها تساهم في تأمين حاجات الإنسان الضرورية. مؤكداً أهمية التعاون بين الواقفين ونظار الوقف والحكومة بما يضمن حماية شروط الواقف وعدم تغييرها إلا لضرورة معتبرة شرعاً. وتحديد مهام الناظر والرقابة عليه لضمان أن يقوم بعمله علي الوجه الأفضل. ووضع نظام المتابعة والمراقبة وتقويم الأداء من الأجهزة الحكومية المعنية. ويشير إلي أهمية تنمية الوعي الديني لدي المسلمين الأغنياء وبيان المنافع الأخروية التي تعود عليهم بعد موتهم باعتبار الوقف من نماذج الصدقة الجارية التي تنفع المسلم بعد موته. وهذا يتطلب وجود خطة إعلامية تتولي تنفيذها المؤسسات الدعوية الحكومية والخاصة.