موسم الحج هذا العام هو موسم استثنائي بسبب الأعمال التوسعية التي تقوم بها المملكة السعودية داخل الحرم المكي الشريف . وقد ناشدت المملكة الحجيج - خاصة من سبق له الحج من قبل عدم القدوم للحج هذا العام مساهمة في تخفيف الزحام - وقامت أيضا بتقليل عدد التأشيرات الممنوحة لكل دولة. وفي نفس الوقت فإن مصر تمر بظروف اقتصادية صعبة نتيجة تدهور الأوضاع .. وهو الأمر الذي يطرح سؤالا مهما حول قيام راغبي الحج ممن سبق لهم الحج من قبل أو ما يطلق عليه حج التطوع بتوجيه أموال الحج هذا العام الي مشروعات خيرية وصدقات يستفيد منها الفقراء والمحتاجين. في دراسة له بعنوان حكم حج التطوع في ضوء الفقه يقول الدكتور حسين شحاتة .الأستاذ بجامعة الأزهر : الحج فريضة لمن استطاع وهو فريضة من فرائض الإسلام ويعتبر الإنفاق عليه للمستطيع من النفقات الضرورية . و لقد أمر الله به فقال : ¢ وَلِلَّهِ عَلَي النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيّى عَنِ العَالَمِينَ ¢ "آل عمران : 97" . وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم¢ من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلي بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً ¢ وقال صلي الله عليه وسلم ايضا ¢حجوا قبل ألا تحجوا¢. ويقصد بالاستطاعة كما قال الفقهاء : الاستطاعة المالية والبدنية وأمن الطريق و إمكان السير وما في حكم ذلك. ونفقة الحج ثوابها عظيم فقد قال الرسول صلي الله عليه وسلم ¢النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف¢. وأضاف الدكتور شحاتة : أجاز فريق من الفقهاء الاقتراض للحج لمن عنده مقدرة علي السداد فيما بعد إذا أيسر بعد ذلك . فلو اقترض و حج وسدد القرض فيما بعد فحجه صحيح ويجب أن تكون نفقة الحج من مال حلال لأنه عبادة . و لا تقبل عبادة من حرام . وأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وأضاف : هنا تثار مسألة : هل يجوز تكرار الحج؟ . الأصل أن الحج مرة واحدة في العمر . ودليل ذلك قول الرسول ¢الحج مرة فمن زاد فهو تطوع¢. وعليه فليس هناك ما يمنع من تكرار الحج علي سبيل التطوع. غير أن بعض الفقهاء يري أنه يستحب تكراره كل خمسة أعوام لقوله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: ¢إن عبداً صححت له جسمه. ووسعت عليه في المعيشة يمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إليّ لمحروم¢. ويستنبط من ذلك أنه ليس هناك ما يمنع من حج التطوع إذا كان المسلم مستطيعاً ذلك ويلتزم بفقه الأولويات في الإنفاق : الضروريات فالحاجيات فالتحسينات . فحج التطوع يكون ترتيبه في درجة الحاجيات لذلك يصعب أن يكون هناك حكماً قطعياً بتحريم حج التطوع . ولكن يمكن الاجتهاد بالقول ليس من المستحب تكرار الحج كل عام . بل يمكن أن يكون كل خمس سنوات للمستطيع و لا يكلف الدولة عملة أجنبية. وقال : إن الإنفاق في سبيل الله يعتبر من الفرائض والضروريات بهدف جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الكافرين المشركين الملحدين والصهاينة أعداء الدين والبشرية هي السفلي. لأن الجهاد بالمال فريضة بعد الفريضة . وإنفاق حج التطوع في درجة الحاجيات. لذلك نجتهد بالقول أن توجيه قيمة نفقات حج التطوع إلي أعمال الخير والي الجهاد في سبيل الله أولي وأكثر ثواباً. الأنفع الأفضل في سؤال لدار الإفتاء الأردنية حول أيهما أفضل : حج التطوع. أم مساعدة الفقراء والمساكين؟ كان الجواب : إن إغاثة الملهوف وإنقاذ المضطر في زمان الفاقة أولي وأفضل من نافلة الحج والعمرة. فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: أَحَبُّ النَّاسِ إلي اللَّهِ تَعَالَي أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ. وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَي اللَّهِ تَعَالَي سُرُورى تُدْخِلُهُ عَلَي مُسْلِمي. أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً. أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا. أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا. وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ. وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَمَنْ مَشَي مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةي حَتَّي يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ. وقد ورد عن فقهاء الأمة أنهم ¢كانوا يرون أنه إذا حج مرارًا أن الصدقة أفضل¢. وقد خرج عبدالله بن المبارك في الحج سنة فلقي فتاة تقول له: أنا وأخي هنا ليس لنا شيء إلا هذا الإزار. وليس لنا قوت إلا ما يلقي علي هذه المزبلة. وقد حلت لنا الميتة منذ أيام. فدفع إليها نفقة الحج. وقال: هذا أفضل من حجنا في هذا العام. ثم رجع. وقال الحسن البصري: ¢يقول أحدهم: أحج أحج. قد حججت. صِلْ رحمًا. نَفِّسْ عن مغموم. أحسنْ إلي جار¢. وقال الإمام أحمد: ¢يضعها في أكباد جائعة أحبُّ إليَّ - يعني من حج النافلة. التبرع أولي يقول الدكتور محمد نبيل غنايم.. أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة : لاشك أن الجميع يحن ويشتاق الي زيارة بيت الله الحرام فهذه رغبة داخل كل مسلم لا نستطيع ان ننزعها منهم. فزيارة بيت الله الحرام والطواف بالكعبة شرف لا يضاهيه شرف وحنين لا يضاهيه حنين. وأضاف : حج التطوع وعمرة التطوع فضيلة. والتكرار لا شئ فيه من الناحية الشرعية. والطواف بالكعبة لغير المحرم قربة. والعمرة في رمضان سنة تعدل حجة مع النبي صلي الله عليه وسلم. ورغم كل هذا نقول اذا تركت كل هذا وقت الزحام أو تخفيفا وتوسيعا لغيرك فهذا أولي وله أجره عند الله سبحانه وتعالي. وانهي الدكتور غنائم كلامه قائلا : هذا العام هناك ظروف استثنائية وطارئة تتعلق بتوسعة الحرم المكي وكذلك الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر فيجب علي الجميع إدراك هذا ومراعاته بل هو مستحب شرعا. والصدقة بقيمة حج التطوع عمل عظيم ومطلوب. مراعاة الواقع قال الدكتور عادل عبد الشكور. إمام مسجد عباد الرحمن بمدينة نصر : تمر المملكة العربية السعودية بظروف خاصة هذا العام تتمثل في توسعة الحرم المكي حتي يكون أكثر قدرة علي استيعاب المعتمرين والحجيج ابتداء من الموسم القادم. وكذلك تدهور أوضاع الاقتصاد المصري وتزايد أعداد الفقراء والمحتاجين وهو ما يحتم علينا أن نراعي هذا الظرف وحتي لا يؤدي الزحام إلي مشكلات أو كارثة لا قدر الله. وعلي من حج من قبل أن يؤجل حجه عام أو اثنين حتي يعطي الفرصة لمن لم يسبق له الحج وله أن يتصدق بمال حجه هذا العام خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد حاليا.