هل يجوز الاقتراض من البنوك أو العمل لأداء فريضة الحج؟ وهل يتنافي ذلك القرض مع شرط الاستطاعة الذي ورد في قول الله تبارك وتعالي: ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. يتساءل من تاقت نفوسهم وتعلقت قلوبهم ببيت الله العتيق, ممن لا يملكون نفقات الحج هل الاستدانة من الغير أو من البنوك بفائدة أو بيع بعض ممتلكاتهم لأداء الفريضة جائز شرعا أم يتعارض مع شرط الاستطاعة. وإذا كان الكثير من ميسوري الحال يحرصون كل عام علي الذهاب إلي بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج والعودة من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم رغم ما تمر به البلاد من أزمات اقتصادية, فهل يقر الشرع ذلك أم أن الأولي بهم تخصيص نفقات حجهم لدعم الاقتصاد الوطني ورعاية الفقراء. تساؤلات فقهية وفتاوي وردت إلينا من القراء ممن يستعدون لأداء الركن الخامس من الإسلام, نطرحها علي كبار علماء الدين. يقول الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه بجامعة الأزهر إن الحج اما أن يكون واجبا, أو مسنونا, ويكون واجبا إذا كان المسلم بالغا عاقلا مستطيعا وأمن الخوف, هنا يجب عليه أن يحج, يقول الله عز وجل: ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا, ومن لم تتوافر فيه هذه الصفات فإن حجه صحيح, ولكن الشرع لم يوجب عليه الحج, وإن حج فالشرع لا يقول له لا, فالحج لا يجب إلا علي المستطيع. ولكن هل الأولي أنه كان يستدين ويحج أو أنه لا يحج حتي لا يكون مدينا؟ ويجيب قائلا: الأمر هنا يرجع إلي الشخص نفسه, فإذا توافرت لديه القدرة علي الوفاء بالدين, او انه في حال وفاته يستطيع أهله تسديد الدين من تركته, فالأولي به أن يقترض ويحج, أما في حالة عدم قدرته علي الوفاء بديونه فيكره بل يحرم عليه أن يستدين ويحج, ويضيف بأن درجة الكره أو التحريم تتفاوت بتفاوت الضرر الذي خلفه الاقتراض أو الدين, فإن كان الدين خفيفا فيكون مكروها,وإن كان ثقيلا فيكون حراما. أما حج السنة وهو الذي يكون للمرة الثانية, فهذا الحج ليس واجبا إلا بالنذر, والاقتراض من أجل حج النافلة إن كان قادرا ماليا فهو جائز, وفي حالة عدم توافر مقدرته المالية فهو محرم لأنه عرض نفسه للضرر من الإسراف في أمر نافلة وليس في أمر واجب, يقول تعالي: ولا تسرفوا.., فقد كبل نفسه بالدين من أجل أمر لم يوجبه الشرع, ولا يصح أن تكون النافلة سبيلا لتكبيل الإنسان بالديون. الاستدانة جائزة بشروط ويري الدكتور أحمد كريمة,أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن الاستدانة إذا كانت في أمور العادات, فأولي أن تكون في أمور العبادات, ويرجح وجوب الحج فورا حتي لا يتعلل المتكاسلون والمتهاونون بأداء شعيرة الحج في أي وقت, بذريعة قوله تعالي: من استطاع إليه سبيلا, فلا مانع من الاستدانة بشرط أن يكون المستدين قادرا علي السداد حاضرا أو مستقبلا, أما إذا كان متعسرا وغير قادر علي الوفاء بدينه, فلا يجوز له الاقتراض لقوله تعالي: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب, ويضيف: إن جمهور الفقهاء قالوا إن الحج يجب وجوبا موسعا لمن استطاع إليه سبيلا, فلابد من وجود النفقة له في سفره ولمن يعول, أما المالكية فيرون أن الحج يجب فورا وعلي ذلك صرحوا بان المسلم له أن يستدين إذا كان قادرا علي تسديد دينه أو له ولي يكفله, أو أن يبيع شيئا من ممتلكاته. بيع الممتلكات وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه جامعة الأزهر إن الله عز وجل فرض الحج علي المستطيع, وفسر الرسول صلي الله عليه وسلم الاستطاعة حينما سئل عن السبيل في الحج, بأنها الزاد والراحلة, ومن ثم فإنه يكفي في الاستطاعة أن يملك الإنسان ما يتزود به في رحلته وأن يزيد هذا علي حاجته وحاجة من يعولهم, فإن احتاج لهذا المال للإنفاق منه علي من تلزمه نفقته فلا يجب عليه الحج, لأن النفقة متعلقة بحقوق الآدميين, وهم أحوج, وكذلك فإن النفقة واجبة علي الفور والحج واجب علي التراخي عند الشافعية ومن وافقهم. ويضيف أن من أدلة اشتراط الاستطاعة قول الله تعالي ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا, وقد اشترط الفقهاء في الاستطاعة المالية لوجوب الحج عدة شروط. أولا: ملك الزاد والراحلة أو نفقاتهما. ثانيا: أن يكون ما يحج به يزيد علي الدين, لأن الدين إن كان حالا فإن قضاءه يكون علي الفور, بخلاف الحج علي مذهب الشافعية ومن وافقهم فإنه علي التراخي, وإن كان الدين مؤجلا فإنه يحل عليه بعد, فإذا أنفق ما معه لأداء الحج ولم يجد ما يوفي منه دينه, فلا يلزمه الحج, حتي يوفي دينه ويتوافر له من المال ما يتمكن معه من أداء الحج. ثالثا: عدم الاحتياج إلي المال الذي يحج به لإعفاف نفسه بالزواج إن خاف الوقوع في الفاحشة إن لم يتزوج فإن خاف ذلك قدم النكاح علي الحج وإذا كانت الاستطاعة بمفهومها السابق من شروط وجوب الحج علي المكلف, بحيث لا يجب علي غير المستطيع, فإن الفقهاء اتفقوا علي عدم جواز الحج باستدانة نفقاته, لأن التكاليف الشرعية عامة منوطة بوسع المكلف وطاقته, فقد قال الحق سبحانه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها, ومن لا يجد نفقات الحج فهو غير مستطيع, وهذا يدل علي عدم جواز الاقتراض للحج, ولأن القرض دين والدين يمنع من الحج كما سبق, ومن ثم فإن ما يمنع من وجوب الحج لا يكون موجبا له في الوقت نفسه. وإذا كان البعض لا يجد من السيولة المالية ما يمكنه من الإنفاق علي رحلة الحج, فهل يجوز له بيع بعض ممتلكاته ؟ يجيب الدكتور عبد الفتاح إدريس قائلا: الرسول صلي الله عليه وسلم قال كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول, فمن يملك بيتا يسكنه, أو يحتاج إلي أجرته لينفق منها علي أولاده أو يملك دوابا يحتاجون إليها فلا يجب عليه أن يبيع شيئا من ذلك ليحج به, وأما إن كان يزيد علي حاجته وحاجة من يعولهم, وجب عليه بيعه والحج به, وكذلك إذا كانت له تجارة يكتسب منها كفايته وكفاية من يعولهم, وليس له ما يحج به غيرها, وإن حج به كفاه وكفي من يعولهم مدة ذهابه وإيابه, ولا يبقي بعد ذلك شيء, فالصحيح عند الشافعية أنه يلزمه صرفه في نفقة حجه, لأنه يكون بهذا واجدا للزاد والراحلة, ويري الحنفية أنه يشترط بقاء رأس مال لحرفته. ربا صحيح أما الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فله رأي آخر, فيري أن من لا يمتلك القدرة المالية علي أداء فريضة الحج, لا تجب عليه هذه الفريضة, فليس هناك داع أن يستدين, فالحج لا يجب إلا علي المستطيع, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:( بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمدا رسول الله, وإقام الصلاة,وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا), وإذا فرض أن يستدين المسلم من بنك بالفائدة فهذا لا يجوز لأنه ربا صحيح لا يحتمل النقاش علي الإطلاق, ويقلل من ثوابه قطعا, ويضيف: صحيح أن فريضة الحج تسقط عنه, ولكن هل ثوابه سيكون مثل الذي حج من ماله الشريف الطاهر عن أي شبهة, فعليه أن لا يعرض نفسه لمثل هذا الأمر وأن ينتظر حتي يمكنه الله عز وجل من أداء الفريضة, فليس عليه أدني عتاب إذا لم يحج. تكرار الحج والتبرع للفقراء وحول ظاهرة تكرار الحج أكثر من مرة, في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد, يقول الشيخ عبد الناصر بليح, إمام أول بوزارة الأوقاف إن الحج فرض علي المستطيع مرة واحدة في العمر, وذلك لحديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا, فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتي قالها ثلاثا ثم قال صلي الله عليه وسلم لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم, ومن هذا نعرف أن تكرار الحج ليس واجبا, وإنما هو تطوع والتطوع في كل شيء ينبغي أن يراعي فيه تقديم الأهم علي المهم, وقد تكون هناك حالات في أشد الحاجة إلي المعونة لإنقاذ الحياة وهناك آلاف المرضي والجوعي والمحتاجين من الممكن أن توجه لهم أموال الحج بالنسبة لمن أدي الفريضة قبل ذلك. ويشير إلي أن هناك مأثورات في هذا المقام وإن كانت لا تعد تشريعا, وجاء فيها أن الله كتب ثواب الحج لمن صادف في طريقه فقراء ألجأتهم الضرورة إلي أكل الميتة, فدفع إليهم ما معه ورجع إلي بلده دون أن يحج, فأعطاه الله ثواب الحج وإذا لم يكن هناك نص في هذه المسألة فإن التشريع بروحه وأهدافه لا يقر أن توجه أموال طائلة في مندوب من المندوبات, في الوقت الذي فيه واجبات تحتاج إلي هذه الأموال, ولاشك أن ظروف المجتمع المصري في الوقت الحالي تحتاج إلي إعلاء قيم التكافل, ولابد أن يتم ذلك من خلال مؤسسات المجتمع المدني بالتعاون مع الدولة وأن يتم فتح باب التبرع بأموال الحج والعمرة لتصرف في أوجه الخير ومساعدة الفقراء والمرضي. ويطالب علماء الدين والأئمة والدعاة بتوجيه الناس بضرورة الإنفاق في سبيل الله وتأكيد قيم التكافل الاجتماعي وأن يكون للمسجد دور كبير في توجيه عامة الناس, لأن البعض يفقد الثقة في المؤسسات الخيرية, وتعريف الناس بأماكن صرف هذه الأموال, فكل من فقد عمله نتيجة الظروف الراهنة يستحق المساعدة وكذلك أصحاب الأمراض المزمنة, وسكان العشوائيات وغيرهم من الفئات التي تستحق الدعم والمساعدة.