بالنظر إلي بعض مواد مشروع الدستور المصري المرتقب فيما له صلة بأمور شرعية مهمة فإن تنبيهات ينبغي إبرازها وفاء بأمانة العلم. وغيره علي صحيح الدين الحق وسمعته ومقاصده ومكانته. أولاً: عرفت المعاجم اللغوية المعاصرة الدستور: أ - لغة: القاعدة يعمل بمقتضاها. في الإصطلاح المعاصر: مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها ومدي سلطتها إزاء الأفراد. وعليه كان الواجب أن يعهد إلي "أهل الحل والعقد" في تخصصات علمية ذات علاقة بكتابة الدستور. وليس خلطا لمجرد الترضية. مما عاد سلباً علي مواد عديدة متنوعة بالدستور. ثانياً: المادة رقم 4: الأزهر هيئة مستقلة جامعة......... الخ. لم تنص صراحة اختصاص الأزهر الشريف وحده دون سواه علي ما جاء بالقوانين المنظمة للأزهر الشريف قانون 103 لعام 1961م الصادر في الثاني عشر من المحرم سنة 1381ه الخامس من يوليو سنة 1961م الباب الأول. المادة الثانية: الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبري التي تقوم علي حفظ التراث الإنساني وتجليته ونشره.... الخ. وما سبقه من قوانين: القانون 26 لسنة 1936م. والقانون 49 لسنة 1930م. القانون رقم 10 لسنة 1911م. وجعلت مجتمعة الأزهر الشريف المرجعية الإسلامية الوحيدة للمسلمين في الدنيا بأسرها. جاءت المادة 4 في الدستور المرتقب لتجرد الأزهر الشريف من هذا الاختصاص لتفتح أبواب إقامة مرجعيات موازية أو بديلة أو مناهضة للأزهر. وبدأت بالفعل فيما يسمي "شوري العلماء". "هيئة الإصلاح والحقوق" من دعاة ووعاظ. وهي تكيد للأزهر علي ما هو موثق ومعروف وتريد تحجيم دوره وتقربهم رسالته. غاية في هذه المادة مجرد "يؤخذ رأي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية". أما الاختصاص العلمي والثقافي والدعوي والافتائي فلا وجود له. ثالثاً: المادة 41: لجسد الإنسان حرمة. ويحظر الاتجار بأعضائه. ولا يجوز أن تجري عليه التجارب الطبية أو العلمية بغير رضاه...... الخ. الإنسان كائن مكرم "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" - الآية 70 من سورة الإسراء -. جسده ملك لله - عز وجل - والإنسان مستخلف فيه في حدود الأحكام التكليفية الشرعية من مأمورات ومنهيات ومباحات. وعليه فلا يجوز مطلقاً أن يكون جسده محلاً للتجارب الطبية برضاه أو بغير رضاه. وتمييزاً له عن الحيوانات والحشرات. قال الله - سبحانه وتعالي - "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" - الآية 4 من سورة التين -. وقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "ما من شيء أكرم علي الله من ابن آدم" صحيح مسلم "مراجع ذات الصلة: الإجماع. الاستذكار. مراتب الإجماع. البحر الزخار. المجموع". رابعاً: المادة 74: سيادة القانون أساس الحكم في الدولة.... تناقض مواد "الإسلام دين الدولة" "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". خامساً: المادة 76: العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستوري أو قانوني مناقض لما سلف خاصة أن جرائم القصاص والديات والحدود وغيرها تثبت بنص شرعي. سادساً: المادة 149: لرئيس الجمهورية العفو عن العقوبة أو تخفيفها..... في التشريع الجنائي الإسلامي لا يجوز للحاكم إسقاط أو إلغاء أو استبدال أو العفو عن العقوبة مطلقاً. غاية ما له حق تأخير إقامة أو استيفاء العقوبة لعذر قهري المرض. الحمل..... خارج الديار الإسلامية. لأن من المقرر شرعاً أن الحد إذا وصل الحاكم يجب إقامته. والعفو يحوز في القصاص والقذف لأولياء الدم. ولا يملك هذا الحق الحاكم. والعقوبات الدنيوية - في الجملة - حق لله - عز وجل - تجب إقامتها. والمادة علي هذا النحو مخالفة للشريعة الإسلامية جملة وتفصيلاً. سابعاً: المادة 219: مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية. وقواعدها الأصولية والفقهية. ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة. هذه الأوصاف للأحكام وليس المبادئ. لا يقال أدلة كلية. بل أدلة قطعية وظنية. وإجمالية وتفصيلية. تأخير "المصادر المعتبرة" عن قواعدها الأصولية والفقهية معيب وخطأ. فالأصل أو الدليل أو المصدر يقدم علي قواعد. حصر وقصر مبادئ الشريعة والأدلة والقواعد والمصادر حسب ما هو مرتب في المادة في "مذاهب أهل السنة والجماعة" يؤدي إلي: تعديل قوانين ولوائح "الأحوال الشخصية" لأن معظمها من الراجح في المذهب الحنفي. وبعضها مأخوذ من الفقه الشيعي الجعفري كالإشهار علي الطلاق في المحررات الرسمية. تكريس للطائفية فالدستور المصري يشبه الدستور الإيراني في المذهبية الفقهية. ويؤدي إلي تنازع الأزهر ومن يوافقه في تفسير "أهل السنة والجماعة" بأنه في الجانب العقائدي "مجموع الأشاعرة والماتريدية" وفي الجوانب الفقهية "مجموع المذاهب الخمسة - لا الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية. وبين فصائل السلفية من حصر وقصر المصطلح - السياسي أصلاً. العلمي في القرن الثالث الهجري - في آراء المدرسة الحنبلية العقائدية قديماً. والوهابية حديثاً. والحنبلية الفقهية مما سيعود سلباً علي أحكام فقهية منها ما هو مستقر. ومنها: نوازل وطوارئ وعوارض ومستجدات ومستحدثات. خاصة أنه تم تجريد الأزهر من كونه مرجعية وحيدة للشريعة الإسلامية. وأن أجندة الفرق السلفية بها انقلاب علي أحكام فقهية وعقائدية. مما سيحدث فتناً وافتيات علي الشريعة الإسلامية والأمن العام للمجتمع. بجانب فصل هذه المادة 219 عن المادة .2 هذا ما ظهر لي وفق تخصصي العلمي الشرعي. أعرضه وأنادي به "ما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب".