لقد جاء الإسلام منذ بدء تنزل الوحي علي محمد صلي الله عليه وسلم محترما إرادة الإنسان واختيار ما يبدو له أنه معتقد قد يكون أساسا يستمد منه منهجه الفكري في الحياة. وهو بذلك يرسي مبدأ أصيلا ومقصدا مهما في تشريعاته. وهو مبدأ ومقصد الحرية الدينية. وخطاب الوحي واضح جلي قطعي في تقرير وبيان هذه الحقيقة. يقول المولي عز وجل في محكم كتابه: ¢لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعى عَلِيمى¢ سورة البقرة: 256 وسبب نزول هذه الآية يدل علي ما ذكر من حرية اختيار الإنسان لعقيدته. حيث جاء رجل من الأنصار يقال له أبو حصين كان له ابنان. فقدم تجار من الشام إلي المدينة يحملون الزيت. فلما أرادوا الخروج أتاهم ابنا الحصين فدعوهما إلي النصرانية فتنصرا ومضيا معهم إلي الشام. فأتي أبوهما رسول الله صلي الله عليه وسلم مشتكيا أمرهما. ورغب في أن يبعث رسول الله صلي الله عليه وسلم من يردهما فنزلت "لا إكراه في الدين". إن احترام إرادة الإنسان في اختيار ما يراه من معتقد. وكفالة الإسلام لحرية الأفراد الدينية. هو مبدأ تتجلي فيه مظاهر تكريم الإنسان في أوضح وأجرأ صوره. إن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان. وبها تثبت إنسانيته. وسلبها إنما هو سلب لهذه الإنسانية . وأدخل العلماء في الإكراه ممارسة الضغوط المختلفة كالحبس. أو الضرب. أو الإيجاع. أو الإغراء حتي يسلم المرء. فالعاقل عليه أن يختار الدين الحق بلا إكراه. والإيسلام يمنع كذلك أي شكل من أشكال التسلط علي العقيدة والتحدث باسم الدين والرب لفرض عقيدة ما بالقهر والتحكم. أو نصب النفس واسطة بين الرب وعباده» لأن ذلك اعتداء علي حرية الناس. ومنعهم من حرية التواصل مع خالقهم. "2" الاختلاف سنة كونية ربانية : ان وجود فريقين من الناس. فريق مؤمن وآخر غير مؤمن . او فريق مسلم واخر غير مسلم هو مما اقتضته حكمة الله من خلق عباده. وقد جعل المولي عز وجل الاختلاف العقدي والفكري سنة كونية تجري علي العباد منذ بدء الخليقة. فالناس متفاوتون في كسب الإيمان والتزام الأحكام. مختارون لمعتقداتهم وأعمالهم. لأن الله سبحانه اقتضت حكمته أن يخلق عباده مختلفة عقولهم. وإدراكاتهم. وأحوال تفكيرهم. ولو أن الله سبحانه جعل الناس أمة واحدة بناء علي أصل فطرهم لأصبحوا كالملائكة مخلوقين علي الطاعة والانقياد مسلوبة إرادتهم. وذلك يعتبر فقدا لمبدأ الحرية الدينية. يقول المولي عز وجل: ¢وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ¢. "هود: 118". وهذه الآية تؤكد ما جاء في آية البقرة من عدم الإكراه في الدين من باب الحرص علي جعل الناس جميعا علي نهج واحد في حياتهم. حتي وان كنا نعتقد حسب عقيدتنا ان الواجب علي الإنسان اختيار طريق الإيمان والإسلام بعد أن بين له طريق الخير والسعادة. والشر والشقاوة. وبعد أن كرمه بالعقل. وأرسل إليه الرسل لتوجيهه لما فيه خيره وصلاحه. الا اننا أيضاً نعتقد ان كل انسان حر في اختيار عقيدته. وحسابه علي ربه وليس علي البشر. والإكراه علي اختيار دين بعينه يصنع منافقين ولا يصنع مؤمنين . .ان الإيمان يقوم علي الهداية. ولا يصلح معه إلا حرية الاختيار. والإرادة الحرة في كسب الفعل. لقد تنزلت نصوص الوحي علي محمد صلي الله عليه وسلم تدعم مبدأ عدم الإكراه في الدين. وتبين أن الاختلاف عن الدين سنة جارية بين البشرية منذ الأزل. وأن الصراع بين الحق والباطل في هذه الحياة الدنيا هو كذلك سنة ماضية إلي يوم القيامة.