إلي أهلي وأحبابي¢ أهل مصر¢ الحبيبة الغالية في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد ظروف تبعث علي الخوف والأسي ظروف تدمي القلب وتدمع العين أن نري شعبنا ينقسم ويتفرق ويتشتت بعد اجتماع وبعد حب وإخاء. أن نري عواطف جارفة بعيدة عن قيود الشرع بعيدة عن ضوابط الإسلام الصحيح الحنيف الذي يدعو إلي الاجتماع ويحذر من الفرقة والاختلاف. قال الله تعالي:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " أل عمران : 103 . وقال تعالي: " وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" الأنفال : 46 فالآيات دعوة للتماسك والائتلاف وتحذير من الفرقة والاختلاف وفيها إخبار واضح ونهي جازم وسنة ثابتة يدل علي أن الفشل والتراجع - علي مستوي الأمة والأفراد إنما مرجعه إلي التنازع والاختلاف وعليه فإن النهي عن التنازع يقتضي الأمر بمنع أسباب التنازع وموجباته من شقاق واختلاف وافتراق والأمر بتحصيل أسباب التفاهم ومحصلاته من تشاور وتعاون ووفاق لذا بادرت بخط هذه الكلمات أحذر فيها أهلي علي أرض مصر الحبيبة من تتبع خطوات الشيطان ومن الاستجابة العمياء لدعوات تهدف إلي زعزعة أمن مصر وأهلها وتهدف إلي تهيج المصريين علي المصريين وإراقة دمائهم الزكية وشحد صفهم للقضاء عليهم وذهاب مكانتهم فأقول لأهلي وأحبابي : إنَ الإسلام الحنيف دعوة إلي الخير والتمسك بالمنهج الصحيح الكتاب والسنة وإجماع المسلمين هذه المصادر الثلاثة المعصومة التي لا يتطرق إليها أيُ خلل والتي تدعو إلي حُرمة الدماء وإليك أخي جملة من نصوص الوحيين توضح هذا جلياً قال تعالي:" وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " النساء : 93 . فقاتل النفس بغير حق في غضب الله وناره ولعنته وعذابه وقال تعالي " وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا "68" يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا " الفرقان : 68 69 وقد قَرَنَ القرآن هنا بين الشرك بالله عز وجل وبين قتل النفس بغير حق بياناً لعظم هذه الجريمة وجاء في السنة الصحيحة قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ¢ لَا تَحَاسَدُوا ولا تَنَاجَشُوا ولا تَبَاغَضُوا ولا تَدَابَرُوا ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علي بَيْعِ بَعْضي وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يكذبُهُ ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَي ها هنا - وَيُشِيرُ إلي صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتي - بِحَسْبِ امْرِئي من الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ علي الْمُسْلِمِ حَرَامى دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ¢ وقوله رسول الله صلي الله عليه وسلم أيضا ¢ لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةي مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ¢ وهذا دليل علي أن إصابة الدم الحرام من كبائر الذنوب. وقد قال ابن العربي في شرحه : الفسحة في الدين : سعة الأعمال الصالحة حتي إذا جاء القتل ضاقت . لأنها لا تفي بوزره . وعن عبدالله بن عمر قال : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حِلِّه. ونظراً لعظيم إثم جريمة القتل بغير حقّ جعلها اللهُ أوَّلَ ما يقضي به يوم القيامة لأن مرتكبها قد تبيَّن أمرُه وهلاكُهُ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ¢ أول ما يُقضي بين الناس بالدِّماء ¢وقال الإمام النووي ¢فيه تغليظ أمر الدِّماء . وأنها أول ما يقضي فيه بين الناس يوم القيامة وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها¢ وقال الحافظ بن حجر في الفتح ¢ ومن الحديث عِظَمُ أمر الدِّم فإن البداءة إنما تكون بالأهم والذنب يعظُم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة وإعدام البنية الإنسانية غايةى في ذلك وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آياتى كثيرة وآثار شهيرة ¢ يجب علي المتقاتلين أن يتقوا الله في مصر وفي أنفسهم وان يراجع نفسه ويتذكر كيف يجيب علي هذا السؤال الذي جاء في الحديث الذي رواه عبدالله بن عباس قال : سمعت نبيَّكم صلي الله عليه وسلم يقول :¢ يَجِيءُ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَعَلِّقى بِرَأْسِ صَاحِبِهِ وفي لفظ : يجيء متعلقاً بالقاتل تشخَبُ أودَاجُهُ دماً . يَقُولُ : رَبِّ سَلْ هَذَا لِمَ قَتَلَنِي ؟¢ .وفي هذا الحديث بيان مدي عظم حرمة الدم عند الله. وأنَّ المقتول يأخذ بقاتله ليقاضيه عند الله تعالي فما أعظم ذلك وما أرهبه. ¢ومعني : أوداجه : جمع ودج وهو العرق في العنق و الأوداج الأربعة هي : المرئ و الحلقوم و عرقان محيطان بهما ¢ ومعني ¢ يشخب : يسيل ¢. وهذه قصة تؤكد وجوب الحذر وقت الفتن من الدم الحرام فعن أبي عِمرَانَ قال : قلتُ لِجُندُبي : إنِّي قد بايعتُ هؤلاء يعني ابنَ الزبير و إنهم يريدون أنْ أخرُجَ معهم إلي الشام فقال : أمْسكْ فقلتُ : إنهم يأبَوْنَ فقال : افْتَد بمالِكَ قال : قلت إنهم يأبَوْنَ إلا أن أضربَ معهم بالسيف فقال جُندُبى : حدثني فلانى أنْ رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " يجئُ المقتول بقاتِلهِ يوم القيامة فيقوُلُ يا رب سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ قال فيقول : علي ما قتلتَهُ؟ فَيَقُولُ: قَتَلْتُهُ عَلَي مُلْكِ فُلَاني ¢ قال فقال جُندَبى : فاتَّقِهَا " . فما أوفق هذا الحديث الجليل لواقعنا فأين عقول القوم سواء ممن يقتلون الرعية حفاظاً علي ملك رئيس أو ملك أو حاكم أو من يناوشون الحكام بغير حق ويدور القتال أو من يقتل بعضهم بعضاً بغير وجه حق إنها فتنة والسنة في اعتزالها وعدم المساهمة في إشعلها بل السعي في إخمادها. وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم اذ يقول ¢ لزوال الدنيا أهون علي الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق¢ وروي بلفظ¢ لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل مسلم¢ لهذا الحديث روايات كثيرة يعضد بعضها بعضاً فترتقي به إلي درجة الصحيح لغيره ومن ذلك ما رواه النسائي من حديث بريده مرفوعاً : " قدر المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " احذروا أحبابي من أن يُحرِّشُ الشيطان بينهم وعليهم أن يعودوا لمنهاج النبوة ولا يسعون في إشعال الفتن بل عليهم أن يجتمعوا علي إخمادها وجمع الكلمة وتوحيد الصف وتقارب وجهات النظر لمصلحة البلاد وحقن دماء العباد من أجل تحقيق الأمن والأمان والاستقرار وعودوا لتعليم الجيل منهاج النبوة الصحيحة فلا تقوم شريعة بغير عقيدة كما لا تستنبت البذور في الهواء وانشروا الحق بضوابطه وعلموا الناس الأخلاق الكريمة والقيم النبيلة من الرحمة والصدق والوفاء والحب في الله و صلة الأرحام وحسن الجوار والعدل وأداء الحقوق لأصحابها واجعلوا البسمة خلقاً من أخلاقكم فإنها سنة نبيكم وهي عبادة من العبادات وأفشوا السلام بينكم واسمعوا ما قال النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه من حديث جرير رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع : " استنصت الناس فقال : لا ترجِعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " فالزموا منهاج النبوة تُفلحوا وتزول الفتن وتستقر البلاد ويأمن العباد.