لاشك أن الإعلام في العصر الحديث يمثل جانباً مهماً لكل شيء.. للدول حين تختلف أو تتفق مع جيرانها أو نظيرتها في أماكن أخري ولتأييد قضاياها أو موافقها أو لتحقيق مآربها في دول أخري متجاورة أو متباعدة.. للحكومات في ترويج برامجها وجذب المؤيدين لها والراضين عنها لتتمكن من تنفيذ مآربها والسير في الطريق التي تراه لازماً لاستمرارها.. للأحزاب حين تريد الوصول إلي الحكم. ولتنفيذ برامجها وخططها لشعب تنتمي إليه أو ضد أحزاب أخري تلجأ هي أيضاً للإعلام لتوجيه النقد والتسفيه لبرامج أحزاب مناوئة.. للشركات وللتجار ولرجال الأعمال لترويج بضاعتهم وجذب العملاء والمستهلكين ولتحقيق أكبر قدر ممكن لدورة رأس المال بهدف تحقيق أكبر قدر من الربح. وقد يستخدم في سبيل الأهداف المرجوة للدولة أو الحكومة أو الحزب أو لرجال الأعمال كافة الوسائل الممكنة والمتاحة لهؤلاء في إعلامهم ودعاياتهم كما يلجأون أيضاً لاستخدام الوسائل النظيفة أو الشريفة أو غير ذلك حتي لو كان بالضلال والإفك والانحراف عن الجادة والبعد عن الحقيقة.. المهم الاستمرار في الدعاية والإعلان ليل نهار حتي يظل هو الصورة الدائمة في سمع ونظر المتلقين من الشعب أفراداً أو جماعات ولا يلتفتون إلي غير ما يريده المعلن. وساعد في ذلك تطور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وانتشارها في أرجاء الكرة الأرضية دون حدود أو موانع. فما علي الإنسان إلا أن يحرك الجهاز عن طريق الريموت كنترول وهو في مكانه دون أن يكلف نفسه عناء الانتقال إلي مسافة متر أو مترين إلي موضع الجهاز. فيستطيع أن ينتقل عبره إلي مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها يستمع ويري.. واتخذ في سبيل تحقيق الأهداف النبيلة أو غير النبيلة كافة ما يراه صاحب المصلحة عن طريق فنيين في التصوير والتمثيل والرسوم المتحركة والأنغام الموسيقية والأصوات المطربة وأحياناً الأعمال الدرامية مستعيناً في ذلك بجيش جرار من المتخصصين في تلك الفنون لقاء أجور خرافية. ولم يقتصر الأمر علي ذلك فقط إنما قد يلجأ المعلن إلي مذيع أو مذيعة حباها الله بموهبة الكلام وفصاحة الألفاظ والقدرة علي المحاورة والمداورة ليسفه رآياً أو يؤيده وبضيوف تبهرهم الشهرة ويجذبهم المال فيرددون ما يريده المذيع وينشرون ما يرغبه صاحب المصلحة سواء كان حقاً أو باطلاً دون مرعاة لخلق أو قيمة أو عرف ولا نقول دين. ولقد تطور الإعلام علي أيدي جهات متعددة منها أجهزة أمنية أو غير أمنية وقال التجار اليهود قديماً في مصر إذا كانت قيمة بضاعتك مائة جنيه فأصنع لها دعاية بألف لأنها بلا دعاية ستكون دورتها مرة كل شهر مثلاً أما بالدعاية فقد تدور مرة أو مرتين كل يوم. وقال أحد رجال الإعلام في أوروبا أعطني إعلام بلا ضمير أعطيك شعب بلا وعي. وهناك سؤال يطرح نفسه منذ متي عرفت البشرية الإعلام.. الواقع التاريخي الذي نعرفه أن الإعلام صناعة إسلامية.. ولكن أي إعلام.. هل هو الإعلام الذي تحدثنا عنه آنفاً.. لا إنما هو الإعلام الشريف النظيف. الإعلام الصادق الذي لا يعرف التحريض أو التدمير أو صناعة بطولة لرجل هش أو إلباس الباطل لباس الحق وتحويل القردة والقطط إلي مفكرين وأسود إعلام يخشي الله. ويعرف الحقوق. ويروج الخير. ويصنع الرجال. ويبني الشعوب. ويخلق مجتمعاً صلباً قوياً يخوض الحياة. ويتحدي الصعاب.. إعلام لا يعرف إلا النور الصادق. والفجر الطاهر. يضع نصب عينيه الحقيقة لا يبغي سواها. والخير للإنسانية لا يقصد غيره. فالرسول صلي الله عليه وسلم بعد أن نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي لجأ أول ما لجأ في نشر دعوته التي أمره الله بها بأن وقف علي مكان عال في مكة ليسمع الناس. ونادي بأعلي صوته ليتجمعوا حوله قائلاً لهم: أيها الناس: لو أني أخبرتكم أن خيلاً بظهر هذا الوادي اكنتم بمصدقي.. قالوا نعم. ما جربنا عليك كذباً قط. وفي ذلك لابد أن يكون الداعي صادقاً في سلوكه. قويماً في خلقه معروفاً بين الناس بالأخلاق الحميدة.. وكان محمد القائد يريد أن ينبه العقول إلي ما سيقوله لتتقبله وتتهيأ الأذهان لسماعه ثم قال قولته في دعوته إلي الدين الحق.. وكان ذلك أول خطوة إعلامية للرسول صلي الله عليه وسلم ثم توالت بعد ذلك الخطوات الإعلامية الأخري وفقاً لإمكانيات ذلك الزمان.. يتنقل بين القبائل. يذهب إلي التجمعات القرشية. يرحل إلي الطائف ليعلن قواعد المنهج الإسلامي في بني ثقيف. وبعد أن قامت دولة الرسول في المدينةالمنورة بعث برجال فصحاء عقلاء فاهمين إلي القبائل والدول المجاورة للجزيرة العربية حتي مصر بعث برسالة إلي المقوقس وانتشر الرسل في أرجاء ما هو معلوم لديهم يبشرون بالدعوة وينشرون الحق قاصدين حكام تلك الدول. ولاشك أن ذلك أسلوب إعلامي يتناسب مع الظروف المتاحة في ذلك الحين.. وأيضاً فإن خطبة الجمعة ما هي إلا وسيلة إعلامية أسبوعية يقصد بها تذكير الناس بمنهج الخير وتثبيتهم عليه كما أن خطبة العيدين وسيلة إعلامية سنوية تهدف إلي ذلك الغرض.. بل إن الأذان عند حلول وقت الصلاة هو إعلام بالتجمع لإعطاء العهد إلي الله جل وعلا بالاستمرار في طاعته والانخراط في الإيمان به.. فإذا ما قضيت الصلاة انتشر المسلمون في الأرض لإعمارها ولاستكمال عبادة الواحد الأحد الذي لا تكتمل الطاعة له وعبادته إلا بإعمار الأرض ونشر الحق والعدل والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات.. بل يمكننا أن نصل إلي القول بأن قراءة القرآن في أوقات متقطعة هي شحن للهمم ودفع للطاقات الإنسانية البناءة لإقامة حياة كريمة متعاونة متكافئة قوامها الخير للبشرية وهو ما هتف به محمد القائد العظيم حين قال خير الناس أنفعهم للناس مشيراً بذلك إلي أن المسلم الحق هو ما ينفع البشرية كلها دون النظر إلي التفريق بينهم في المنفعة بسبب الدين أو الجنس أو الطبقة. ومن ثم فإن الإعلام بحق صناعة إسلامية ولكنه الإعلام البناء الصادق النظيف الذي لا يكذب أهله ولا يضلل شعبه فهل كان إعلامنا في العصر الحديث كذلك..!