تباري شباب المبدعين في تقديم أعمالهم التي تُعبّر عن حب مصر ورغبتهم الصادقة في أن تعبر الأزمة الراهنة وتصل لبر الأمان والاستقرار في أسرع وقت. وكان شاهدا علي هذا المهرجان الحافل, الذي ضم 75 مبدعا في مختلف المجالات, عدد من كبار نجوم المجتمع, والأجمل أنهم تركوا الساحة وأفسحوا المجال للاستمتاع بما يُقدّمه شباب وصُنّاع المستقبل ولم يُزاحموهم بل سعوا جاهدين لتقديم يد العون والنصح حتي يبرعوا سريعاً. جاء هذا في باكورة أعمال برنامج شباب المبدعين الذي استحدثه منتدي حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية, بإشراف يوسف إدوارد وهبة رءوف, برعاية سميرة لوقا مديرة المنتدي, وإدارة القس د.أندريه زكي المدير العام, ورئاسة د. ميرفت أخنوخ رئيس مجلس الإدارة. حيث عرض شريف مختار لقصة قصيرة بعنوان¢ ساق واحدة¢ تحكي قصة شاب عاطل يريد الهجرة ووالده فقد ساقه في الحرب ويرفض هجرة ابنه من وطنه, ويقف الشاب حائرا بين الرغبة في الهجرة وبطولة والده. وينتهي به المطاف للإيمان بالبقاء حباً في الوطن. وألقي ناظم نور الدين عددا من القصائد والأشعار منها ¢ما نيش قاري¢ يقول في مطلعها: الأولة مصر, والثانية الشعب, والثالثة الثورة, مستعرضا ما تتعرض له مصر والثورة من تحديات وعقبات في طريق تقدمها واستقرارها. وقدّم النحّات أيمن حمدون من سوهاج عملا منحوتاً علي الخشب باسم "مصرية" عبارة عن امرأة "مصر" تفرد ذراعيها وتحضن الجميع بلا تفرقة, وبداخلهما كل الخيرات التي أنعم الله تعالي بها عليها من نهر وأرض زراعية ومصانع وأبناء مكافحين في كل المجالات. وعلّق حمدون قائلا: مصر كبيرة قوي ومن يحكمها هو نحن كشعب, فإذا عرف كل منا مكانه وأدي واجبه لتقدمت بلدنا لمصاف الدول الكبري المتقدمة علميا وحضاريا, لكن المشكلة أننا أصبنا بداء إدعاء الفهم في كل شئ ففشلنا في كل شئ ولم نقدم شيئا لخدمة بلدنا ووطننا. وعرض عمر عبد العزيز لجزء من فن ¢البانتومايم¢ قدّم من خلاله نموذجا للفلاح المصري الذي يحرث ويستصلح الأرض ويرويها ويبذرها بالحب والبذور حتي تنمو ويحصدها ويقدمها لإخوانه المواطنين, مُعبّرا عن الخير والنماء والحب الذي اتسمت به مصر طوال تاريخها. إبداع مسرحي وقدّمت فرقة "ولسّه" مسرحية بعنوان" يأكل ويشرب وينشز" للمخرج جون ميلاد, عرضت لما يواجه المواطن- خاصة الفتاة- في يومه من مضايقات ومشاكل وتحرشات لفظية وجسدية, وتنتقد المسرحية أسلوب استقصاء وتهميش الأخر واصفة بالجنون كل من يريد أن نصبح نسخا او طابورا واحدا أو العبث بكل المختلفين أو إخضاع الحرية لمنطق أحد. المسرحية تمثيل: أنطونيوس أمين, مايكل ثابت, ساندي عماد, أبانوب مجدي, فادي سمير, إيمان منصور, شيري أحمد.. عزف موسيقي: بيتر إيهاب. تصوير: خالد ثابت, أسماء نور. ديكور: صالح هيصه, مينا ناجي, كيرلس صفوت, شادي نادي. إضاءة: أبانوب صليب, مريم رأفت. تصميم وأداء الرقصات ولوحة التحرش: إيريني سمير. كما قدّم محمد عبد الله رمضان مسرحية ¢عين الحُرّ¢ من أوراق ¢فرانز كافكا¢ التشيكي الذي كشف عن خطورة الصهيونية ويعد رائد أدب الكابوس والسوداوية. كذلك قدم حسام علاء مسرحية¢ أنا الآخر¢ تأليف وتمثيل محمود شحاتة. وقدّمت رانيا رفعت شاهين مسرح عرائس بعنوان ¢فتّح عينك تاكل ملبن¢ تحكي قصة نهاية وسقوط نظام فاسد وثورة لابد من أن تكمل مسارها لإسعاد الشعب. ميلاد الوطن وتسابق العديد في تقديم القصائد الشعرية والقصص القصيرة والأعمال الفنية المختلفة منهم: حنان عبد العزيز قصيدة ¢ميلاد¢, ماجد سمير ¢ رسائل قصيرة¢, محمد بهاء الدين ¢الوطن¢, ألفي صابر ¢جين مصر¢, ابتسام حسني ¢نقطة نظام¢, ناصر علي ¢حبوب المواطنة¢, عمرو السيد القاضي¢ النبض¢, هند مختار ¢البحث عن وطن¢, عمر شوقي¢ جدار عازل¢, زياد إبراهيم¢ إنهم في ملابس الحداد¢, هدير هشام "ارفعي جبينك" سارة عابدين¢ترجمة أخري¢, مصطفي عبد المنعم عرام¢ القوة وحدة¢, أحمد صوان "الأجنبية". حب مصر وفي مجال الفن التشكيلي عرضت رانيا صابر لوحة بعنوان ¢ مش هسيبها¢, وحسين بهاء الدين ¢صور في حب مصر¢ تعبر عن المواطنة والوحدة بين المصريين جميعا ومنها مواطنة مصرية اسمها ¢نفيسة أحمد محمد¢ تُقدّم شكرا لله ولماري جرجس علي شفائها. وشرح المهندس المعماري ¢علي الإشراقي¢ لوحته التشكيلية بعنوان¢ مش هنسيبها¢ لامرأة ¢مصر¢ تظهر عليها ملامح الحزن والمعاناة وهي تنزف دماً ويتعلق بها شخص, للتأكيد علي إصرار أبنائها عدم تركها تنزف وتئن والعمل علي استقرارها وأمنها. لقاء فريد كانت سميرة لوقا- مديرة المنتدي- قد افتتحت اللقاء واصفة إياه بأنه فريد من نوعه وجديد علي أنشطة الهيئة التي تبنته باعتبار أن الإبداع والفن أقرب وأصدق وسيلة للتعبير عن المشاعر والقلوب, ونظرا لضغوط الحياة وأزماتها المتلاحقة أصبح الإنسان يحتاج لما يُعبّر به عما بداخله سواء برسم أو أغنية أو بيت شعر أو قصة قصيرة تعبر عن وطن كامل, فهناك شعوب كثيرة استطاعت التغيير نتيجة متابعتها لبعض الأعمال الأدبية, ونحن جميعا في أمسّ الحاجة للدفع نحو الطاقات الإيجابية والإبداعية البنّاءة لخلق مجتمع ملئ بالمحبة ووطن يسع الجميع من غير تصنيف أو تفريق. بارقة أمل أيدتها د. ميرفت أخنوخ- رئيس مجلس إدارة الهيئة- مؤكدة أنه يُمثّل بارقة أمل لشبابنا المبدع وسط هذا الجو الخانق للإبداع والتعليم الذي لا يعطي مجالا للابتكار بل الحفظ والتلقين.. مشيرة إلي أننا أحوج ما نكون اليوم لحالات الإبداع التي توجد حلا لمشاكلنا المعاصرة بأساليب جديدة مبتكرة, ولابد من استثمار طاقات الشباب الإبداعية في هذا المجال وألا نخاف الفشل فالإبداع فيه جزء مكتسب وآخر موهبة من الخالق, وهو حق لكل إنسان وليس ملكا أو حكرا علي أحد بعينه, وهذا يفرض علينا جميعا أن نبدع كل في مجاله حتي نري ونبني مصر المستقبل الأكثر محبة وعلما وتقدما. أحرار بجد وقال الشاعر الكبير سيد حجاب: نلتقي دائما علي عشق وحب هذا الوطن مصر ثم الكوكب الأرضي الذي نحلم به يجمع كل أبنائه في محبة وسلام فنحن جميعا شركاء فيه, وإذا كانت مصر هي هبة النيل كما قال هيرودوت فهي أيضا هبة أبنائها المبدعين, فهي أول إبداع إنساني كبير في التاريخ, تجدد في 25 يناير بما قدمه شبابها ليس فقط بالثورة علي نظام أو حكم وإنما بالثورة الثقافية التي ما تزال تُؤتي ثمارها لتغيير النسق العام للشعب الي نسق ينتمي للعصر الحديث بسيادة العقل, فهذه هي التي فجرت الطاقة الإبداعية تعبيرا عن تباشير ثورة ثقافية جديدة تولد في مصر تجسدت في الشعارات والجرافيتي والمشاهد المسرحية كالمحاكمة الشعبية وصرف العفريت وصحوة السينما التسجيلية كأداة هامة لكشف الواقع, والمسرح الحُرّ الذي انتشر في الشوارع بلغته المسرحية الجديدة غير التي كانت تعيش عالة علي مسرح الأدب القديم, ونحن علي أعتاب ثورة إبداعية عظمي ربما تسفر عن أعمال إبداعية أدبية كبري, ويبقي ان تُبدع الثورة حينما تختمر في النفوس كالثورات الكبري, الفرنسية مثلا, بعد سنوات من انطلاقها. وبناء علي طلب الحضور ألقي حجاب قصيدة بعنوان¢ أحرار بجد¢ يقول فيها: آن الأوان بقي أحرار بجد, ناس ولاد ناس بجد, ولاد بلد ملهمش حد, ولاد حلال لأغلي والد بجد, خلاص بقي ما خلصنا من اللي استبد, سامحينا يا أمه يا مصرنا علي التأخير, تُهنا كتير وبعدت بينا المشاوير.. مسحراتي مسلم ومسيحي وأكد الشاعر الكبير جمال بخيت أن الثورات إن لم تواكبها ثورات ثقافية حقيقية فلن تؤتي ثمارها, وإذا كان وضع المواطنة مترديا كذلك فلا وجود أو نجاح لثورة, ومن ثم تأتي أهمية تشجيع الإبداع وطرح قضايا المواطنة من خلال الثقافة. ومشاركة منه في المهرجان ألقي ¢بخيت¢ قصيدة بعنوان ¢مسحّراتي مسلم مسيحي¢ قال فيها: مسحراتي مسلم مسيحي بيقول يا دنيا هتستريحي, رمضان بلدنا فانوس, بمدنة وعندي صاحب اسمه فانوس, جاري وشقيقي إنسان حقيقي, زاح عني حلم الكابوس... وأشار الشاعر أمين فؤاد حداد الي أن الفن أصدق تعبير عن المشاعر, وقد تجسد هذا مع ثورة يناير في الجرافيتي الذي كان الأقرب للتعبير عن الثورة, وقد حدث تزاوج بين الشعر والهتاف والغناء, وأن الثورة بعد فترة ستغير كثيرا في ألوان الفن. ووصف الفنان التشكيلي محمد عبلة حالة الإبداع المصرية بأنها هي التي مازالت متماسكة رغم حالة الاضطراب التي نعيشها في العصر الحديث, مثل فن الجرافيتي الذي أثار اهتمام الباحثين الأجانب قبل المصريين, فهو مواكب للأحداث ويشير للطاقة الإبداعية التي يمتلكها الشباب في التغلب علي القهر والحيرة. مشيرا الي أن دور الفن هو إعطاء الأمل والتأكيد علي فرصة تحقق الأهداف والصمود, كما انه أحد أدوات الإنسان لتغذية الشعور وتأكيد الوجود, وقد أدركت الشعوب أهمية الفن باعتباره سلاحا قويا. مسيرة الإبداع وأكد د. صفوت العالم- الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة- أن الإبداع قيمة وتفكير خاصة بعد الثورات, ونظرا لما يمر به هذا الجيل من مراحل تحول يترتب علي أساسها تغيير جذري في التحولات الديمقراطية, فلابد من تنمية قيم المواطنة وفي ذات الوقت مواجهة التحديات التي تستدعي المزيد من الإبداع. وان مسيرة الإبداع الصادق الجاد تحتاج مزيدا من التراكم والمعرفة . وعلّق الناقد الفني طارق الشناوي مشيرا إلي أن الفنون لا تُبني علي لحظة قابلة للتغيير بل لحظات ثابتة, ومصر بخير طالما أن الإبداع بخير, فالمبدعون الشباب هم مستقبل مصر التي تُولد من جديد.