طرحنا في الحلقة السابقة من رصد دنيا الثقافة لواقع الحركة الثقافية خلال عام2011, رؤية النقاد والمثقفين لدور المؤسسات الثقافية كهيئات رسمية أو مستقلة,ونتابع في هذه الحلقة رصدنا لحركة الابداع علي مدي هذا العام الذي شهد حراكا اجتماعيا سجله العالم وانبهر به.. فكيف يراه النقاد والأدباء من هذه الزاوية ؟ يقظة الضمير المصري يقول الناقد الكبير الدكتور الطاهر مكي إن أعظم شيء إيجابي في هذا القرن هو مشروع جامعة العالم المصري العالمي الدكتور أحمد زويل الذي نتمني أن نراه واقعا وألا تعصف به الأهواء كما عصفت به قبل عامين, ويلي ذلك من إيجابيات الحركة الثقافية لعام1102 حصول السيدة اليمنية توكل كرمان علي جائزة نوبل للسلام, وهذا إنجاز عظيم لأن خصومنا في أوروبا يركزون بغير حق أو بحق أحيانا علي أن المرأة العربية المسلمة متخلفة, ولذلك فعندما تأتي مؤسسة عالمية ذات سمعة دولية شهيرة لتمنح امرأة عربية مسلمة جائزة نوبل فذلك يعني الكثير. ويستطرد الدكتور مكي معددا إيجابيات العام ومنها يقظة الضمير الوطني عند جمهرة من العلماء المصريين المغتربين الذين كانوا يعملون في جامعات أجنبية مختلفة, واستشعارهم في ظل المناخ الثوري الذي تعيشه مصر أن لوطنهم عليهم حقا, فبدأوا يعودون له ويعرضون خدماتهم عليه ورغبتهم في الاسهام في نهضته وتقدمه, مؤكدا أن من بين منجزات ثورة25يناير أنها كشفت نفاق جمهرة واسعة من المثقفين وتخلفهم, وأنهم لم يكونوا يستشعرون نبض مواطنيهم, ولا يعرفون عما يجري شيئا ويقول إنه آن الأوان لهذه الفئة التي سيطرت علي حياتنا الثقافية30عاما دون أن ترفع رأسها اعتراضا علي باطل أو فاسد, أن ترحل كلية, وتفسح المجال للشباب الثائر ليكون تجربته ويبني وطنه. أما عن مجال النقد فيري ناقدنا أن معظمه ثناء علي كتاب أو كاتب أو مجلة وهذا لا يضيف شيئا لمحيطنا الثقافي الذي يفتقد الناقد فيه معرفة ماذا يجري في العالم المتقدم شرقا وغربا, ولا نعرف شيئا عن اتجاهات النقد لا في فرنسا أو إنجلترا أو أمريكا أواليابان والصين, حتي الذين أرسلناهم لهذه البلاد ليتعلموا لغتها وينبئونا بما يجري فيها تحولوا الي نقاد للأدب العربي! خواء يعوي وحول رؤيته للحركة الثقافية خلال عام2011علي مستوي الابداع والأدب يقول الناقد الدكتور مصطفي رجب رئيس الهيئة العامة لتعليم الكبار إنه لم يحدث أي تغيير في المجلات الثقافية باستثناء كتابات ارتزاقية عجلي تتحلي باسم الثورة في عناوينها, أما موضوعاتها فهي خواء يعوي! والأمر ذاته بالنسبة للملتقيات والمنتديات التي كان من الواجب أن تقام في الجامعات وقصور وبيوت الثقافة التي شهدت أنشطة هزيلة هي الي الموات أقرب منها الي الحياة. ويضيف أن أداء برامج التوك شو كان هزيلا فقد أصبح احتكار بعض الأسماء ذات الصلة بالمعدين والمذيعين للشاشة ملحوظا, تلك الصلة التي تفرض علي الجمهور استقبال تلك الوجوه الثلاثة أو الأربعة التي تنتقل كما الخبراء الاستراتيجيون إياهم من شاشة الي أخري. ومع حرصه علي متابعة كل المجلات والنوافذ الثقافية في الصحف يلخص الدكتور مصطفي المشهد في قوله: لم أتوقف أمام نص واحد أضرب له تعظيم سلام! عودة للشعر.. وإبداع ثوري ويري الناقد الدكتور ماهر شفيق فريد أن من إيجابيات ثورة يناير التي لاتزال مستمرة عودة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي الي كتابة الشعر بعد انقطاع طويل, وظهور إبداع انتجته الثورة كقصائد فاروق شوشة وحلمي سالم وعيد عبد الحليم وعبد المنعم موافي ومحمود نسيم وغيرهم, ودواوين محمد ابراهيم أبو سنة وماجد يوسف وحجازي فضلا عن أعمال قصصية متميزة لمحمد جبريل وسلوي بكر وأعمال نقدية جديدة ومواصلة الدكتور محمد عناني ترجماته لمسرحيات شكسبير مع مقدمات وحواش وافية. وقد صدرت دوريات ذات قيمة علمية عالية مثل فصول. ودورية نجيب محفوظ ودورية الرواية: قضايا وآفاق. وأعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة إصدار كتب قيمة من تراث القرن العشرين لسلامة موسي وإسماعيل مظهر. واعيد طبع عدد من كتب الفيلسوف الراحل عبد الرحمن بدوي, وقرأنا علي صفحات الأهرام لأقلام مستنيرة مثل د. حسن طلب وعبد المنعم رمضان ولا ننسي ندوة المجلس الأعلي للثقافة( تحت إشراف د. شعبان خليفة ونبيل فرج) حول التراث بين الحفاظ عليه والعبث به: ألف ليلة وليلة نموذجا. ويقول الدكتور ماهر عن السلبيات إنها تتمثل في إلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام, وتوقف مجلات المسرح والقصة عن الصدور, وكذلك مجلة أدب ونقد المهددة بالتوقف لنقص السيولة المالية بعد انتظام الصدور لقرابة ثلاثين عاما. للمتثاقفين وليس المثقفين أما الشاعر الدكتور جابر قميحة أستاذ النقد الأدبي فيقول إن أوضاع الثقافة شهدت انحدارا كبيرا هذا العام أهم أسبابه التدهور الملموس في الوضع العام للدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والثقافة جزء من الوضع العام وقد نحيت عن مكانها المرموق, وارتفاع أسعار الكتب الذي واكب سوء الحالة الاقتصادية مع تسليط الإعلام أضواءه علي المتثاقفين وليس المثقفين والمتعالمين وليس العلماء وقد شهدت الحركة الثقافية ما يشبه الفوضي, فضلا عن حالة الكسل العقلي التي أصابت كثيرا من المثقفين والمفكرين, ناهيك عن أن الصحف المقروءة أغفلت عن عمد المواد الثقافية والأدبية لصالح كتابات سياسية كانت هي الأخري دون المستوي. وتقول الناقدة والأديبة الدكتورة منيرة مصباح مصوبة كلمتها المسنونة نحو الهدف إنها لم تر خلال عام2011 أي دور لثقافة أو مثقف حقيقي يقود الأحداث ويوجه المجتمع, مع استمرار ظهور مثقف الشللية وكثرة مدعي الثقافة, ولم ترتبط الأوضاع الثقافية بشكل وثيق بالمجتمع أو بحركة التحول الجارية في مصر الآن. ثورة تعبيرية جارفة وتؤكد الكاتبة فريدة النقاش أن الحياة الثقافية بعد ثورة25 يناير شهدت ثورة تعبيرية جارفة تمثلت في عدد كبير من الأفلام التسجيلية والوثائقية وعروض مسرحية استلهمت روح الميدان وشعاراته ودواوين شعر ومجموعات قصصية لم يعبأ مبدعوها بمسألة المسافة الضرورية بين الحدث الكبير والتعبير الابداعي عنه, وذلك فضلا عن ابداعات الميادين التلقائية التي أعادت للأذهان نماذج الأغنيات والحكايات مجهولة المؤلف التي توارثتها الأجيال وصارت جزءا من الذاكرة الشعبية. وتضيف: إذا نظرنا للثقافة نظرة أشمل فسنجد في أيام الثورة ذاتها أشكالا غير مسبوقة من التضامن بين الفاعلين من قوي الشعب المختلفة, حيث ثورات أشكال اللامبالاة والانانية والعدمية لتحل محلها قيم إيجابية جديدة مارسها المصريون فعلا لا قولا تجلت في الثقة بالنفس والقدرة علي التغيير, وتقرير الشعب لمصيره. زمن الإعلام الطياري أما الناقد الدكتور حامد أبو أحمد فيقول ان المثقفين بدأوا يعملون علي تصحيح الأوضاع ونشأت في أوساطهم ائتلافات مثل أئتلاف المثقفين الأحرار الذي يعمل علي تهيئة الأجواء لكي تعود الثقافة إلي سابق عهدها, وكشف المتلونين والمتحولين الذين كانوا يخدمون النظام السابق, ولكن علي الرغم من مشاركة بعضهم في ثورة يناير بميدان التحرير وجودا وإبداعا فان تلك المشاركة تعتبر ضعيفة بكل المقاييس لعدة أسباب أهمها تهميش دورهم في المجتمع لمدة40 عاما تقريبا وحصره في فعاليات نخبوية كالندوات والمؤتمرات أي أنهم كانوا يخاطبون أنفسهم وكان معظم المثقفين يشايع النظام الفاسد وإن كان بعضهم الأن يزعم أنه ممن ساعد علي قيام ثورة يناير وهذه أكذوبة كبري يحاول الاعلام الجاد فضحها من خلال مقالاتهم السابقة المؤيدة للطغاة واللصوص والفاسدين. ويضيف: ان الزمن الأن لم يعد زمن ثقافة وإنما هو زمن الاعلام الطياري والمحللين السياسيين والنجوم الذين تطفو أسماؤهم علي السطح وبالتالي فهذا الاعلام عدا بعض الصفحات الثقافية بالجرائد لا يدرك أن هناك مثقفين, فماذا ننتظر من مثقفين لا حول لهم ولا طول وكل منهم منهم مشغول بلقمة عيشه في زمن تحول كل شيء فيه إلي بزنس. وحول شهادته علي الحالة الثقافية يقول الناقد الدكتور حسام عقل الأستاذ بجامعة عين شمس إن المزاج الثوري يصنع أدبا جديدا, والمتابع للشأن الثقافي المصري يلاحظ نشاطا مكثفا علي المستوي الإبداعي بتنوع تيارات الكتابة ومدارسها وأجناسها فضلا عن استمرار الأزدهار الصحفي بآرائه المتنوعة ومجالاته الإبداعية الفسيحة الرحبة. فعلي مستوي الحركة الشعرية استعادت الخارطة الشعرية مساحة رحيبة من تألقها ووهجها فقدم الشاعر الشاب أحمد حسن محمد( الفائز بالبابطين) ديوانا جديدا رائعا من الشعر التفعيلي البرد ينسج معطفا كما تألق ياسر أنور في ليلي العامرية وعبدالله الشوربجي في يكاد صمتها يضيء وحسن شهاب الدين في أعلي بناية الخليل بن أحمد فيما استمر صعود سالم عبادة وإيهاب البشبيشي وواصلت الشاعرات صعودهن المميز كما بدا في تجربة هبه عصام وأن بقي من عقبات هذه الحركة الشعرية الصاعدة ضيق المنابر الإعلامية وعجز المساحات الصحفية والإعلامية بوجه عام عن الأحتضان. وقد شهدت الساحة الثقافية عودة الفرسان المخضرمين إلي التغريد مجددا كما صنع أحمد عبدالمعطي حجازي في طلل الوقت الذي عاد به إلي الحلبة بعد صمت عشرين عاما. فضلا عن عناق الحركة الشعرية لواقع الثورات العربية فاستجاب قسم كبير من الشعراء لوقع ثورات الربيع العربي فيما يسميه ناقدنا قصيدة الربيع العربي ومازال أمام الحركة الشعرية بعض الوقت لتعبر عن الواقع الثوري بقدر أوفر من النضج والاختمار. ويضيف علي المستوي القصصي ازدهرت بعد ثورة52 يناير رواية الفانتازيا السياسية واستمر مع وقع الثورة زخم عملية إبداعية شاملة يشهدها الفضاء الأفتراضي حيث تتألق( مدونات النت) بأجناسها وحسها السياسي اللاذع. ويري الدكتور محمد صابر عرب الرئيس السابق لدار الكتب أن أحداث الثورة المصرية خلال هذا العام الذي يعد في نظره ظرفا استثنائيا قد طغت علي كل الأنشطة الثقافية حيث ترجمت أعمال فنية وأدبية كثيرة تلك الأحداث, ويتوقع أن يشهد العام المقبل مزيدا من الإبداع المرتبط بالثورة روائيا وفنيا, ويعرب عن امنياته في أن يتجاوز الوطن هذا الظرف الاستثنائي ويتوجه لبناء دولة ديمقراطية ذات مؤسسات حتي نخرج بالثورة إلي تحقيق نتائج ملموسة. حالة ترقب ويري الدكتور السعيد الورقي استاذ الأدب العربي بكلية آداب الأسكندرية حالة من الترقب في انتظار ما سوف تسفر عنه الأحداث فقد تحقق ما كان ينادي به المثقفون, ولكن علي أيدي شباب آخر يبدو أنه كان أكثر غضبا منهم وأكثر قدرة علي الاندفاع وبالتالي حينما تحققت المعجزة وقف المثقفون في حالة ترقب حذر فقد تحقق ما تمنوه وعجزوا عنه والسياسيون الذين نهضوا واستيقظوا وركبوا علي السطح وأخذ فريق يدعي أنه صاحب هذه الثورة وكثرت الأجندات والأفكار.. ويقول إن المثقف الحقيقي يقف في حيرة خلال عام2011فقبله كانت الأسواق الثقافية قد امتلأت بروايات وقصص قصيرة ولوحات تشكيلية من الشباب الغاضب كلها تنبيء بالثورة وكلها تشتعل بالغضب وعندما حدث ما تمناه وتوقعه البعض بعيدا عن المزايدات السياسية.. كانت القصيدة والأغنية والموسيقي والكاريكاتير هي الأسرع إلي تلقف الثورة حيث إن الرواية والقصة والمسرح أعمال تهتم بالموضوعية ويجتاج الكاتب إلي أن يري ويستوعب ويشاهد حتي يستطيع أن يسجل كل هذا الزخم بشكل موضوعي. الرسم علي الأسفلت ويقول الفنان التشكيلي الكبير عصمت داوستاشي أن المشهد الثقافي والفني والأبداعي في مصر طوال عام2011 مختلف تماما عما سبقه شكلا ومضمونا. فمن حيث الشكل, خرج الابداع من الأماكن المغلقة بلا رجعة وانفجر بتألق من ميدان التحرير ومعظم ميادين مصر.. ومن حيث المضمون كانت ثورة الشعب المصري التاريخية التي هزت العالم كله وحطمت حاجز الخوف ضد الحكم الدكتاتوري.. وتأكد لنا في مصر أن شعبها شعب فنان منذ القدم. فقد ظهرت الفنون التقليدية التالية بأشكال ثورية جديدة: التصوير الفوتوغرافي والفيديو من خلال التليفونات المحمولة فجعل معظم الشعب المصري يلتقط صورا وثائقية يومية لأحداث الثورة بجانب الصور الفنية فتم تسجيل وتوثيق هذا الحدث ومازال كما لم يحدث من قبل في العالم. لافتا إلي فن الخط العربي الذي أدي دورا غاية في الأهمية فبواسطته كان الثوار يعبرون عما يريدونه بكل أنواع الخطوط.. كما دخل فن الرسم والتلوين وتحول إلي جداريات كبيرة أو رسوم علي الأسفلت أو تعليق لوحات علي الحوائط أو أعمدة الانارة.. ودخلت إلي ساحات الثورة فنون أخري كفن الكاريكاتير وفن الكولاج قص ولصق, وكان من الطبيعي ظهور مبدعين لم تعرفهم الساحة الإبداعية من قبل حتي أني قلت منذ الأيام الأولي للثورة إنها ثورة إبداعية قبل أن تكون سياسية. أمن مصر.. أولا ويقول الدكتور حسن البحر درويش حفيد الشيخ سيد درويش: للأسف ليس هناك تحرك للمثقفين لتصحيح ما يجري في الشارع من غوغائية, من خلال الندوات التي كان يجب أن يعقدها وسط التجمعات المختلفة مع بعضها البعض حتي وصل عد ائتلافات الشباب إلي184 ائتلافا نري من يتحدث باسمهم في القنوات الفضائية الداخلية والخارجية دون أن تكون لديه خلفية عن الأحاديث التي يدلي بها. وهذه الشخصيات تتكرر في كل القنوات الفضائية للأسف وعلي نهج واحد دون مراعاة لاعتبارات الأمن القومي لمصر, والذي يجب أن يكون أول ما نحافظ عليه في المرحلة لاراهنة التي يمر بها الوطن. ودنيا الثقافة تتمني أن تشهد الحركة الثقافية واقعا أكثر ازدهارا مع إشراقة العام الجديد.2012