من بين الأزمات التي تعصف بالمشهد المصري الآن أزمة غياب الاعلام الإيجابي أو بالأحري أزمة غياب الصدق والموضوعية في نقل الأخبار بسبب سيطرة فئة من منتفعي النظام الماضي علي وسائل الاعلام. ومنهم من اشتري ذمم أشخاص يعملون في وسائل الإعلام المطبوع والمرئي ولجأوا إلي دنيا الاعلام لا أقول من الشباك ولكن "من تحت عقب الباب بنعومة الثعابين". لا أقصد الإعلاميين الوطنيين الذين تهمهم مصلحة مصر والمصريين وان اختلفوا مع النظام الحالي في الرؤي ووجهوا النقد لممارساته السياسية والاقتصادية داخلياً وخارجياً. ولكن أقصد الذين يتعمدون الكذب. ويحملون معاول الهدم لتقويض أيه بارقة أمل وتشويه أيه صورة جميلة تلوح من الأفق. ربما يعود السبب في جموح هؤلاء وخروجهم عن جادة الصواب إلي أنه لم يتشبعوا بالمباديء السليمة للعمل الإعلامي وفي طليعتها الصدق. إنهم في ممارستهم المشينة لم يصلوا إلي مستوي طائر جميل هو هدهد سليمان الذي مارس العمل الصحفي كأفضل ما تكون الممارسة فكان مثالا للصحفي والناقد الأمين والقلم الصادق. وإليكم القصة القرآنية وأهم دروس الصحافة والإعلام نقل القرآن الكريم في سورة النمل في الآيات من 20 إلي 26 قصة الهدهد مع نبي الله سليمان الذي قال عندما تفقد الطير ولم يجد الهدهد:" وتفقد الطير فقال ما لي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين. لا عذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين. فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبا بنبا يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلمون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم بتأمل هذه القصة القرآنية نخرج بالقواعد التي يمكن اعتبارها أساساً لميثاق شرف إعلامي. فخبراء الصحافة يقولون لابد من احتواء الخبر علي جديد أو ما يسمي عنصر الجدة. وهو ما قرره القرآن في هذه القصة بقول الهدهد لسليمان:" أحطت بما لم تحط به" ايضا من أهم عناصر الخبر الصحفي الصدق لذلك حرص الهدهد علي إبراز هذه القيمة في الخبر الذي جاء به. فلم يقل وجنتك من سبأ بنبا فقط ولكن وصفه بأنه نبأ يقين. ويقرر خبراء الإعلام كذلك أن الخبر الصحفي لابد أن يجيب عن أدوات الاستفهام التي تسميها الأدبيات الصحفية الشقيقات الخمس وهي: أين ؟: والجواب جنتك من سبأ. من؟: والجواب وجدت امرأة ولم يذكر اسمها لاعتماده علي حاسة النظر. ماذا ؟: الجواب تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عطيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله. لماذا ؟: الجوارب زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. متي ؟: الزمان كان مفهوم ضمنياً لسليمان لأن الهدهد كان عائداً لتوه. والصحافة الإيجابية ليست تشاؤمية بل تطرح البديل الإيجابي وتشيع التفاؤل وتحث الناس علي العمل السليم. لذلك يقدم الهدهد البديل الإيجابي فيقول: "ألا يسجدوالله" أي أن السجود بنبغي أن يكون لله. والصحفي ذو الرأي والخبرة يجب أن يقنع جمهوره ويقدم الدلائل علي رجاجة رأيه. لذا نجد الهدهد حين نقد سياسة بلقيس ملكة سبأ وطرح البديل أضاف إليه تحليله العقلي فإذا كان السجود لغير الله تصرفاً خاطئاً فالسجود لله هو الصواب لأنه تعالي هو الذي يخرج الخبء في السموات والأرض. ويعلم ما تخفون وما تعلنون. لا إلاه إلا هو رب العرش العظيم. والصحفي ذو القلم الأمين صحفي ميداني يذهب إلي موقع الحدث ويري بعينه ما يجري لا يردد كالببغاء ما يزوده به الاخرون دون تكفير وتحليل وقناعة. وهذا كان شأن الهدهد إذ ذهب إلي موقع الحدث وتابع ما يجري علي الطبيعة. هكذا تكون الصحافة وهكذا يكون الإعلام الذي يغير حال الناس من سييء إلي أحسن. لذلك ونتيجة لهذا الخبر أسلمت ملكة سباً وآمنت هي وقومها وفي هذا دليل علي الدور الإيجابي لمهنة الإعلام فاتقوا الله في مصر وشعبها يامن تعملون في الإعلام والله من وراء القصد.